آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
أدب وثقافة

الكسوة (قصة) الثانية

الثلاثاء - 31 ديسمبر 2024 - 11:58 ص بتوقيت عدن
الكسوة (قصة) الثانية
بقلم / عصام مريسي

طقوس الزيارة


مازال موكب الكسوة يجوب شوارع المدينة وجموع المريدين يسيرون تحت الوية الكسوة الموضوعة على الهوادج الخشبية المصنوعة على هيئة الأضرحة وهم يلهثون بأعلى أصواتهم وقد أخذ الجهد منهم مبلغه بعد رحلة السعي بين دفتي المدينة الصحراوية القريبة من شاطئ البحر حتى بدأ البعض ينسحب من السير في زحف الموكب ليبحث عن ما يستظل به ظل شجر اوظل مبنى وخاصة كبار السن وحناجرهم لا تفتر من ترديد عبارات الطقوس :

المدد .. المدد. يا ولي الله

حي .. حي

في صخب الأصوات يرتفع نواح أم تبحث عن صغيرها:

ولدي ضاع.. من وجد صغيري

والجموع تلهث أنفاسها وضجيج أصواتها يتردد في كل مكان ولا يسمع شيء معه والأم مازالت تبكي وترفع صوتها بالنياح عل من يقدم لها المساعدة:

ولدي اشتريته قبل سنوات من الولي فقد حرمت من الأنجاب عشر سنين حتى زرت مقام الولي وعقدت صفقة البيع إن وهبني الولد جعلت كل حياته مرهونة بخدمته

وأنا اليوم جئت للوفاء بالنذر وجئت به لزيارة السيد الولي.

مازالت الجموع تلهث ويرتفع ضجيج اصواتهم كلما اقتربوا من موضع ضريح الولي والأم التي فقدت ولدها تبكي وترفع صوتها نياحة لكن لا أحد يسمع لها فالجميع منهمكون في الموكب يلهثون بتمتمات أذكار الطقوس ومراسم حضور موكب الكسوة تخلف الموكب والأم تجلس أرضا تصرخ باحثة عن ولدها المفقود .

على مسافة قريبة يقف المبنى الذي يحوي الضريح تبدأ الجموع للاستعداد والتهيئة بطقوس ومراسم الزيارة يقف القيم كبير سدنة الضريح ومن حوله معاونيه أمام البوابة الخشبية العتيقة ذا الدفتين منقوش عليه عبارات ورسوم تعظم الولي المدفون تحت الضريح ؛يمسك القيم بالبيرق يحركه يمنة ويسرة فتهتز الأجراس محدثة ضجيج ويرتفع قرع الطبول يتقدم القيم نحو بوابة المبنى يطلب الأذن من صاحب الضريح بفتح البوابة لزيارته والجموع تستمع لحديثه في ذهول لرؤية المعجزة المزعومة بفتح البوابة من غير تدخل قيوم الضريح أو مساعديه يطلق قيوم الضريح كلمات وطلاسم غير مفهومة فتنفرج دفتي البوابة شيئا فشيئا حتى يبدو الضريح بارزا أمام المريدين فتنطلق أصواتهم تكبيرا وعجبا:

الله أكبر .. بركاتك يا ولي الله

عقولهم مطبقة مصدقه لما شاهدوا ظاهرا ولم يكلف أحد نفسه السؤال عن الحبال الموثوقة بدفتي البوابه أنها تسبح من غرفة أخرى فتنفتح البوابة

يتقدم كبير السدنة لنزع الكسوة للعام المنصرم ووضع الكسوة الجديدة التي جاب بها الموكب نواحي المدينة على تكبيرات وهتافات المريدين ثم يقوم برش العطور التي أحضرها الزائرين للضريح واشعال الشموع العملاقة المنثورة في نواحي مبنى الضريح ويقوم بالطواف حول الضريح وطلب الأذن بدخول المريدين لزيارته والطواف حول قبره.

يبدأ الجموع والطواف حول الضريح وهم يتدافعون فينطلق صوت امرأة مسنة :لقد سقطت المرية (قلادة مصنوعة من الذهب على هيئة حبات البازلاء) جئت بها قربان نذر للولي فتنفتح شهية قيم الضريح ويأمر مساعدية للبحث عنها فهي غنيمته.

تقف امرأة شابة ثلاثينية بعد طوافها عند أحد زوايا الضريح تتمسح برقع الكسوة وهي تطلب منه:

امنحني الولد فقد مضى على زواجي عشر سنين ولم انجب.

وفي أثناء طوافها تلمح طفل يجلس في أحد اركان الغرفة يبكي تقترب منه تضمه اليها وتسأله عن سبب وجوده وحيدا فلا يستطيع الإجابة فتقول في نفسها:

ربما هذه منحت الولي لي عوضا عن الأنجاب

امرأة أخرى تطوف وهي تطلب من الولي فك عقدة عدم زواج بناتها:

بناتي الخمس لم يأتيهن نصيبهن حتى الأن فإن كان الأمر عين أو سحر ادفع عنهن ذلك وإن حصل المراد العام القادم الكسوة أنا من يتكفل بتجهيزها

يقف شاب مع والديه أمام القيم وهم يشكون ضعف ولدهم ومرضه العضال فيقوم بمسحه بتراب الضريح وربط التميمة (الحقاوة) على خصره واخرى على معصمه ويأمر بالذهاب به إلى بئر الولي المباركة لغسله من ماء البئر المبارك حتى يتم له الشفاء.


عصام مريسي