آخر تحديث :الخميس-23 يناير 2025-12:34ص
أدب وثقافة

ارتباك -قصة قصيرة

الأربعاء - 22 يناير 2025 - 09:59 م بتوقيت عدن
ارتباك -قصة قصيرة
((عدن الغد))خاص

" الواجب يتم تسليمي اياه في درس يوم الغد. لمن سيقول لي نسيت الواجب ولمن سيعدني أن يسلمه بعد غد، فليعلم بأنني لا سأصححه ولا درجة له. لن اسمح لكم بسبب الاهمال أن تحولوا حياتي إلى تصحيح لا نهائي. فلنتعلم الالتزام والانضباط. اوك يا أحبائي؟ حسنا الأسبوع الماضي كتبتم قطعا رائعة مستخدمين الأسلوب الوصفي، الأسبوع الذي قبله كتبتم مستخدمين الأسلوب السردي. كتاباتكم رائعة حقيقة. هذا الأسبوع سنستخدم أسلوب الإقناع. اريد كتابة رأيكم في الموضوع الذي سأعطيه لكم، هدفكم سيكون أن اقتنع برأيكم حتى لو لم يكن رأيي. ادعموا قطعكم بالأدلة التي تثبت صحة رأيكم. قدموا لي أمثلة حقيقية. التفت الى الشاشة الذكية خلف ظهري لأكتب موضوع الواجب. أيهما أنجح: الزواج التقليدي أي عن طريق الأهل والمعارف، لماذا؟ أم زواج الاختيار الشخصي أي الحب، لماذا؟ عدد الأسطر، أعزائي لا يقل عن عشرة أسطر وايضا لا يزيد عن عشرة أسطر. لا اريد أيا منكم أن ينقل لي مقاطع من النت. لدي نت في بيتي ولا احتاج أن تنقلون لي مقاطع منه. أريد ان اتمتع بقراءة ما ستكتبونه أنتم. أقلامكم أنتم. تعبيراتكم أنتم. أريد أن أجد في الأوراق شعاع مصدره أنتم. هل فهم الجميع المطلوب؟" هز الجميع رأسه وكثيرون ردوا بكلمة نعم.

دق الجرس فغادر الطلاب الفصل تباعا. لملمت اوراقي وكتابي، قارورة مائي. نزلت الدرج مسرعة متجهة الى سيارتي لكي أعود الى بيتي. رأيت أمامي طالبة اراها كل صباح لكنها ليست من طالباتي. سألتني إذا كان من الممكن أن تكلمني، فابتسمت ابتسامة بعرض قطعة أرض، أجبتها أن بإمكانها أن تكلمني اثنين مليون كلمة. قالت لي الطالبة: - "صديقتي من طالباتك يا أستاذة. انها .... غير أنها تتحرج من التحدث معك لا أدري لماذا وانتِ ملقبة بابتسامة المعهد. فقلت لها أنني سأساعدها واكلمك أنا." استغربت المقدمة الخطيرة هذه. هل تريد البنت ان تستشيرني في عريس تقدم لطلب يدها أم ماذا. قلت لصديقتها:- "خير؟ هل ستغيب غدا عن الكلاس؟" ردت صديقتها بسرعة:- " لا لا ستحضر. لكنها ستكتب عن نجاح زواج الحب، خشيت أن تعتقدي يا أستاذة أنها تعرف شاب او تحب شاب او تكلم شاب يعدها بالزواج. اقترحت عليها أن اشرح لك أنا أنها فتاة مهذبة، متربية ولا تفعل أي شيء مما يفعلنه بنات هذه الأيام. هي فقط ستكتب عن رأيها نظريا. هي تقصد بنجاح زواج الحب ان يحب الشاب الفتاة، ثم يطلب يدها فتتزوجه وعندئذ ستحبه أكيد. قصدها الشاب سيحب الفتاة أما الفتاة طبعا فلا تحب. فنحن بنات ناس والحب عيب. فلا تتوهمين أنها بنت سيئة."

تأملت عيني الفتاة صديقتها بالرغم أن شعاع الشمس كان يزعج نظري فبالكاد تمكنت من فتح عيناي. فتحت باب سيارتي ضاحكة. علقت على كلامها:- " مستحيل أظن أن أي فتاة سيئة لمجرد أنها كتبت ان زواج الحب أنجح. السيئات لا يدرسن، ولا يؤهلن أنفسهن. معروف السيئات ماذا يفعلن. قولي لصديقتك المرة القادمة إذا ارادت أن تكلمني فلتأتي بنفسها. يلا باي ."

ادرت محرك سيارتي. رأيت من مرآة السيارة البنت تركض لتقابل صديقتها طالبتي التي كانت تنتظرها وتوافيها بردي. مفاوضات! لقد أرعبوا هذا الجيل وأربكوا والد والديهم. ما عادت الرؤية متضحة أمامهم. قد يجدون في شيء سوء وهو شيء صالح. يرون في شيء خير وهو غير صالح. الخلايا، المخ، الأمعاء، الرئتين وكل شيء مضطرب، مرتبك، على غير فطرته التي فطر الله خلقه عليها.

مما لا شك فيه ولا حتى جدال أن مجتمعنا اليمني متدين، ملتزم ومتحفظ. لكن الحب فطرة وليس وساخة. الحب عند أصحاب الأخلاق يؤدي الى الزواج، اما العلاقات السرية واللقاءات في أماكن خفية فهو تصرف من هم بلا أخلاق. الحب السليم العفيف موجود ليس منذ عامنا هذا بل منذ الأزل.

أشفقت على طالبتي حتى آلمني قلبي. طالبتي تريد أن تؤيد زواج الحب وخشيت أن أسيء الظن بأخلاقها. كم بنات اليمن طاهرات وعفيفات. بصرف النظر أن هناك نسبة من الفتيات يغلطن في سلوكهن، او مظهرهن، او حتى كلامهن لكن كم نسبتهن؟؟ عشرة بالمائة؟ عشرون بالمائة؟ مهما يكن من وجود هذه النسبة لكنهن يبقين أقلية. أنا هذا رأيي الشخصي ومقتنعة به جدا، وهو ان بنات اليمن من أكثر بنات العرب عفة وأخلاق ومحافظة.

صباح اليوم التالي سلمني الطلاب واجب الكتابة. سلمتني طالبتي ورقتها. رأيت عند عيناها ابتسامة فأرجعت اليها ابتسامتها الخجولة ابتسامة عريضة. حين وصلت بيتي عقب اعداد الغداء جلست لأصحح. توقعي كان أن يؤيد زواج الحب غالبية الطلاب كونهم في سن يخف فيه القلب ويتراقص كالريشة مع النسائم. تفاجأت وأنا أصحح أن غالبية الكتابات وقفت بقوة الى جانب الزواج التقليدي بحجة أنه يخضع للتكافؤ والروابط العقلانية. قدموا دلائل على فشل زواج الحب أن العاشق حين يحب لا يعود الا مثل الكفيف لا يرى. فلا يختار بشكل سليم. غالبيتهم أكدوا ان الحب الحقيقي هو نتاج الأيام والمواقف. أما رومانسية العيون ففقط في الأفلام.

لم أجد كتابات تؤيد زواج الحب الا اثنان فقط طالبتي وطالب أخر. تفكرت مليا من رأيه هو الصائب؟ كم منهم كاذب، وكم صادق؟ لكن الحقيقة المثبتة أن هذا الجيل تسبب الأخرون في ارباكه حتى ما عاد يعرف بماذا سيقتنع؟ جيل أشفق عليه لأنه في الأساس جميل، ذكي، منير، طموح. لكن منعوه مما لا ضير فيه، فسكت مرتبكا وامتنع!