في ظل تصاعد الأزمة بين ما يعرف بـ"حلف قبائل حضرموت"، ومجلس القيادة الرئاسي في اليمن (أعلى جهة في السلطة الشرعية)، برزت تساؤلات عن طبيعة التشكيل القبلي والقوة التي يمثلها على الأرض اليمنية.
ويضم هذا التجمع أغلب قبائل حضرموت وهي محافظة تقع شرق اليمن وتحتل 36 بالمئة من مساحتها، وتتكون من 28 مديرية وعاصمتها وأكبر مدنها هي المكلا.
وتحد المحافظة، السعودية من الشمال وبحر العرب من الجنوب ومحافظتي مأرب والجوف من الشمال الغربي، ومحافظتي المهرة والشبوة من الشرق والغرب.
أصل الأزمة
وتكمن المشكلة الحالية بين الطرفين، في إيقاف "حلف قبائل حضرموت" تزويد عدن، التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة، بالنفط الخام من أجل استمرار خدمة الكهرباء.
ومنذ الثالث من فبراير/ شباط 2025، أوقفت اللجنة الأمنية التابع لحلف القبائل خروج النفط الخام إلى عدن، وذلك في سياق الضغط على مجلس القيادة الرئاسي لتنفيذ خطة تطبيع الأوضاع في حضرموت، التي أصدرها المجلس في 7 يناير/كانون الثاني 2025.
وتجاهل بيان "حلف قبائل حضرموت" القاضي بقطع النفط، مناشدة أطلقتها المؤسسة العامة لكهرباء عدن، في الأول من فبراير، لاستمرار تزويدها بالوقود لضمان استمرار الخدمة الكهربائية، لأن المدينة ستدخل في "واقع كارثي لا يمكن تجنبه.. وسيوقف جميع المرافق الحيوية".
وفي 7 يناير، أقر مجلس القيادة الرئاسي، ما أسماها "خطة تطبيع الأوضاع في حضرموت"، والاستجابة لما عدها "المطالب المحقة لأبنائها ومكوناتها السياسية والمجتمعية".
ويأتي إقرار الخطة بعد توتر شهدته المحافظة، مع إعلان "حلف قبائل حضرموت" عن استهداف بعض مواقعه، غرب مدينة المكلا بهجوم بقذائف في سياق حملة عسكرية، بينما نفت المنطقة العسكرية الثانية (تابعة للشرعية) تنفيذها لأي هجوم أو أي حملة عسكرية.
وأعلن البيان الرئاسي "اعتماد عائدات بيع النفط الخام الموجود في خزانات الضبة والمسيلة لإنشاء محطتين كهربائيتين جديدتين في ساحل ووادي حضرموت، ودعم وإسناد الجهود الرامية لتوحيد وحشد أبنائها ومكوناتهم كافة، وتعزيز شراكتهم العادلة بالدولة، وأي استحقاقات سياسية قادمة".
وأقرّ “استيعاب أبناء حضرموت في القوات المسلحة والأمن وفقا للقانون، ومعايير التجنيد المعتمدة”.
وكذلك “إنشاء مستشفى عام في الهضبة (غيل بن يمين) من عائدات قيمة الديزل المخزون في شركة بترومسيلة” الحكومية.
وأيضا "الوقوف على ادعاءات الفساد المنسوبة لشركة المسيلة لاستكشاف وإنتاج البترول (بترومسيلة)".
وشهدت الأيام السابقة للبيان الرئاسي حملة ضد شركة بترومسيلة الحكومية، التي تدير أهم قطاع إنتاج نفطي في حضرموت، على خلفية اتهامات بممارسات فساد.
كما أقرّ البيان الرئاسي "إدارة جميع العوائد المحلية، والمركزية لصالح تنمية وإعمار المحافظة وفقا لخطة تنموية مشتركة مع الحكومة، ومجتمع المانحين الإقليميين والدوليين".
لكنه أكدَّ أن هذه الإجراءات تقتضي "ترحيب السلطة المحلية والمكونات الحضرمية كافة بالقرارات المتفق عليها، وإنهاء المظاهر الاحتجاجية (في إشارة لانتشار مسلحين تابعين لحلف القبائل)، تمهيدا لإجراء إصلاحات شاملة تعيد للمحافظة وضعها الطبيعي كقاطرة للتنمية والاستقرار والسلام".
وباتت اللجان الأمنية المسلحة التابعة للحلف تسيطر على مخارج ومداخل وادي حضرموت، بما فيها حركة قاطرات النفط.
وكان الحلف، قد سمح في 11 يناير 2025، بتزويد محطة الرئيس بعدن بالنفط الخام لمدة أسبوعين ثم أسبوعا إضافيا انتهت مطلع فبراير.
ومع ترحيب "حلف قبائل حضرموت"، بمبادرة مجلس القيادة الرئاسي، وسماحه بمرور النفط الخام الخاص بكهرباء عدن، فقد أكد أن "الحكم الذاتي يعد الخيار الأمثل لتحقيق تطلعات أبناء المحافظة في إدارة شؤونهم بعيدا عن المركزية والإقصاء".
وطالب أيضا في وقتها، بضمانات عملية واضحة وشفافة تُعزز ثقة المواطنين بمصداقية الخطة، والتي يعتقد أن عدم تلبيتها من مجلس القيادة الرئاسي، جعل الأزمة تعود إلى الواجهة مجددا مع انتهاء المهلة الممنوحة.
"حالة خاصة"
وفي يوليو/ تموز 2013، تأسس "حلف قبائل حضرموت" تحت قيادة، سعد بن حمد بن حبريش، زعيم "الحموم" كبرى قبائل المحافظة.
وقتل الأخير بعدها بنحو 6 أشهر في اشتباكات مع قوات الأمن، بسبب "المطالبة بحقوق حضرموت النفطية"، وفق بيان للقبائل في الذكرى الأولى لمقتله.
ومنذ ذلك الحين، يطالب الحلف الذي يترأسه حاليا، عمرو بن علي بن حبريش، بحقوق حضرموت وحصتها في صادرات النفط اليمنية.
وتنتج حضرموت من حقل "المسيلة" بإدارة حكومية، نحو 100 ألف برميل يوميا مخصصة للتصدير الخارجي، وتشكل إجمالي إنتاج اليمن من النفط الخام حاليا مع توقف صادرات عدد من القطاعات النفطية.
وكانت المحافظة حاضرة عام 2014 حينما تجمع الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي في عدن كبرى مدن الجنوب، وفي المكلا، للمطالبة بالاستقلال عن الشمال، ورفض الدولة الاتحادية التي تقرر إقامتها في ذلك الوقت.
لكن "حلف قبائل حضرموت" يطالب بحكم نفسه ذاتيا وليس عبر انفصال الجنوب عن الشمال.
إذ سبق أن صرّح رئيسه عمرو بن حبريش، بأن "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا بزعامة عيدروس الزبيدي، لا يمثل حضرموت.
وقال ابن حريش خلال تسجيلات مصورة بثت في 15 سبتمبر/ أيلول 2024، إن كل مجلس سياسي يجب أن يمثل الأطراف الشعبية التي ينتمي إليها، مؤكدا أن "المجلس الانتقالي" يمثل الجنوبيين فقط في حين القوى السياسية الحضرمية تمثل أبناء حضرموت.
وجاءت تصريحات رئيس "حلف قبائل حضرموت" وسط تحرك من "المجلس الانتقالي" المدعوم من الإمارات، في محاولة للرد على تحركات حلف القبائل الذي بدأ تحركات مسلحة للسيطرة على المنابع النفطية لفرض تمثيله للمحافظة كأمر واقع.
وأنجزت قبائل حضرموت قفزة كبيرة في حراكها الذي بدأته قبل أشهر من مجرّد الاحتجاج على السياسة الاقتصادية والاجتماعية للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا والمطالَبة بتحسين أوضاع السكان باستخدام عوائد الثروة الطبيعية المنتجة محليا، إلى التلويح بخيار الحكم الذاتي.
وخلال بيان أصدره في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024، تعهّد "حلف القبائل"- الذي يمثل حالة خاصة بحد ذاته كونه بعيد عن الإمارات والسعودية والسلطة الشرعية-، بمواصلة التصعيد "لتحقيق الحكم الذاتي كامل الصلاحيات والذي تنادي به الجماهير ويحفظ لحضرموت الاستقلالية".
وتشهد المحافظة شرقي اليمن، كبرى محافظات البلاد، وأغناها نفطًا، تصعيدا منذ يوليو 2024، من حلف القبائل ومعه تشكيل آخر يُعرف باسم "مؤتمر حضرموت الجامع" ضد السلطة المحلية، ومجلس القيادة الرئاسي.
ساحة صراعات
وفي المقابل، لم تكن السعودية غائبة عن الصراع على حضرموت، إذ عملت على إسناد الشرعية وتقوية موقفها الأمني والعسكري في المحافظة بمساعدتها على إنشاء قوات "درع الوطن" الخاضعة مباشرة لإمرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي.
كما عملت على إسناد موقفها السياسي بتأسيس "مجلس حضرموت الوطني" لينافس حلف القبائل والمؤتمر الجامع على تمثيل المحافظة والتحدّث باسم أبنائها.
ويضم "حلف قبائل حضرموت" العديد من القبائل الكبيرة، وهي: "الحموم، وكنده، الشنافر، نهد، بني مرة، بني ظنة، آل نعمان، نوح، سيبان، يافع حضرموت، ثعين، العوابثة، وبلعبيد".
وتأتي حضرموت الواقعة بشرق اليمن في مقدّمة أكبر محافظات البلاد مساحة وإحدى أغناها بالثروات الطبيعية لاسيما النفط والغاز.
وهي منطقة ذات تاريخ وخصوصيات ثقافية، وكانت دائما مركزا اقتصاديا مهما وموطنا لعدد من الأثرياء وكبار رؤوس الأموال.
وأخيرا أصبحت المحافظة بموقعها الإستراتيجي المنفتح على بحر العرب والمحيط الهندي مدار صراع على النفوذ داخلها، ولاسيما "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا.
وهذا الأخير يرى في المحافظة أهمية خاصة بصفتها جزءا لا تنازل عنه من المجال الجغرافي لدولة "الجنوب" المزعومة التي يعمل على تأسيسها.
وتبلغ مساحة محافظة حضرموت نحو 193,032 كلم، ويفوق عدد سكانها المليون نسمة، ويُعد ميناء المكلا فيها من أهم موانئ الجمهورية اليمنية، كما أن مطار المدينة، هو ثالث أكبر مطارات البلاد.
من الأنشطة الرئيسة التي يمارسها سكان المحافظة الزراعة والاصطياد السمكي والثروة الحيوانية، حيث تصل نسبة إنتاج المحاصيل الزراعية إلى 5.8 بالمئة من إجمالي الإنتاج في الجمهورية، وأهمها التمور والحبوب والمحاصيل النقدية.
وتضم أراضي المحافظة أيضا، بعض الثروات المعدنية منها حقول النفط وموارد معدنية، أهمها الذهب.
وكانت مملكة "حضرموت" قديما أحد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم.
إذ كانت حكومة شبوت والتجار الحضارم يتاجرون في منتجات المنطقة مثل البخور واللبان (المستكة) ونبات المر والتوابل والتي كانت تعد من أقيم منتجات المنطقة الجنوبية من جزيرة العرب وسقطرى.