منذ تعيين الدكتور أحمد عوض بن مبارك رئيسًا للوزراء، لم يكن المشهد سوى دوامة من الأزمات المتفاقمة، حيث غرقت البلاد في وحل الانهيار الاقتصادي والتدهور الخدمي، دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل بإنقاذ المواطن الذي يدفع الثمن يوميًا من معيشته وصحته وأمنه.
الاقتصاد ينهار، والعملة الوطنية تتهاوى أمام أعين الجميع، بينما تقف الحكومة عاجزة عن كبح جماح الأزمة. الأسعار تتصاعد كالنار في الهشيم، والقدرة الشرائية للمواطن تضعف يومًا بعد يوم، فيما إيرادات الدولة تتبخر دون حسيب أو رقيب. لم تسجل الحكومة أي خطوة جادة لإصلاح الوضع، ولم تُتخذ قرارات حاسمة لوقف نزيف الفساد الذي ينهش جسد البلاد.
في قطاع الخدمات، لم يكن الوضع أقل كارثية. الكهرباء تحولت إلى حلم بعيد المنال، والمياه تنقطع عن الأحياء لأسابيع، والمستشفيات تئن من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، بينما المرضى لا يجدون سوى الأبواب المغلقة ووعود المسؤولين التي لا تأتي أبدًا. المواطن العادي لم يعد يبحث عن الرفاهية، بل فقط عن أبسط حقوقه في الحياة، لكن حتى هذه الحقوق باتت رفاهية في ظل هذا الفشل المتراكم.
سياسيًا، لم تستطع الحكومة أن تكون رقمًا صعبًا في المعادلة الوطنية، بل تركت الفراغ يتسع، والتحالفات تتغير، والواقع السياسي يتشكل بعيدًا عن إرادتها، مما جعلها تفقد الكثير من وزنها وتأثيرها. الدبلوماسية التي كان يفترض أن تكون سلاح الحكومة في استعادة حضورها الدولي والإقليمي، تحولت إلى نشاط بروتوكولي بلا نتائج ملموسة.
أما الفساد، فكان العنوان الأبرز لهذه المرحلة، حيث توسعت دائرة المحسوبية ونهب المال العام، دون أن يُقدم أحد للمساءلة، وكأن البلاد محكومة بمنظومة لا تخضع لأي قوانين أو محاسبة. كل هذا يحدث والحكومة لا تزال تمارس سياسة الإنكار، وكأن المواطن لا يدرك حجم الكارثة التي يعيشها.
اليوم، وبعد كل هذه الإخفاقات، لم يعد هناك مجال للمجاملات أو المراوغات، فالأزمة تجاوزت مرحلة الاحتمال، وأصبح التغيير ضرورة وطنية ملحّة. إقالة أحمد عوض بن مبارك لم تعد مجرد خيار سياسي، بل مطلبًا شعبيًا واقتصاديًا وخدميًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن التغيير الحقيقي لا يكمن فقط في استبدال الأشخاص، بل في إحداث إصلاح شامل وجذري يعيد ترتيب الأولويات، ويضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
السؤال الأهم الآن: هل سيكون التغيير القادم مجرد تعديل شكلي يُعيد إنتاج الفشل، أم بداية لمرحلة جديدة تعيد للدولة بوصلتها المفقودة؟ المرحلة القادمة وحدها ستجيب عن هذا السؤال، لكن ما هو مؤكد أن الصمت لم يعد خيارًا، والانتظار لم يعد مجديًا.