على الرغم من الهجمات العسكرية التي تشنها جماعة الحوثيين بين الحين والآخر ضد مواقع القوات الحكومية، أبرزها في مأرب وتعز ولحج، إلا أنها عجزت عن تحقيق أي تقدم ميداني على الأرض. هذا الفشل العسكري جعل الجماعة تغير من تكتيكها من خلال تفعيل نشاطها في الجانب الاستخباراتي عبر تحريك خلايا نائمة للحوثيين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الشرعية بهدف إحداث اختراق أمني من شأنه تسهيل التحرك العسكري، وهو ما ظهر في اكتشاف خلايا نائمة للحوثيين في المحافظات التابعة للشرعية.
في السياق، أعلنت وزارة الداخلية اليمنية، الثلاثاء الماضي، ضبط خلية تابعة لجماعة الحوثيين في محافظة أبين جنوب اليمن. وقالت شرطة محافظة أبين، في بيان نشره مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية وقتها، إنه "تم تنفيذ عملية مداهمة ناجحة، أسفرت عن إلقاء القبض على 5 من العناصر المشتبه بانتمائهم للخلية، وتم إيداعهم السجن، حيث يخضعون للتحقيق لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة" بحقهم.
وجاء إعلان القبض على الخلية التابعة للحوثيين في محافظة أبين بعد ساعات من تمكن الأجهزة الأمنية في وادي وصحراء حضرموت شرقي البلاد من إلقاء القبض على خلية تابعة للجماعة، كانت تخطط لتنفيذ أعمال تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وفقاً لوزارة الداخلية.
وكان جلال الربيعي قائد "قوات الحزام الأمني" التابعة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي اتهم، خلال مؤتمر صحافي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، المساعد السابق لمدير مكتب رئيس الوزراء علي النعيمي بالتخابر مع الحوثيين، وأنه على ارتباط مباشر بإيران، مشيراً إلى أنه تم ضبطه وهو يعمل لصالح الجماعة. وجاء المؤتمر الصحافي للربيعي بعد أكثر من شهر من إصدار مجلس القيادة الرئاسي قراراً تضمن إعفاء النعيمي من منصبه، وإحالته للتحقيق في التهم المنسوبة إليه. وكان النعيمي خضع لتحقيق على خلفية اتهامات بإجراء اتصالات مع الحوثيين، قبل أن يفرج عنه ويسافر إلى القاهرة دون الكشف عن نتائج التحقيقات.
وأشار مراقبون إلى أن اختراق الحوثيين للسلطات اليمنية وصل إلى مستويات عليا عسكرياً وأمنياً، بالإضافة إلى مؤسساتها العليا، بما فيها مؤسسة الرئاسة، وهو ما يعد نجاحاً محسوباً للحوثيين، قد يكون له انعكاساته في الميدان في حال استئناف المعارك بين الجانبين، والمتوقفة منذ بدء تطبيق الهدنة في إبريل/نيسان 2022 برعاية أممية.
وقال المحلل العسكري العقيد عبدالله القاضي، لـ"العربي الجديد": "المؤكد أن اختراق الحوثيين للشرعية قائم منذ بدء الحرب، نتيجة سيطرتهم على الجهاز الأمني للدولة، وكذا تحالفهم، منذ الانقلاب في سبتمبر/أيلول 2014 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2017، مع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان حاكماً، وبالتالي فإن الحوثيين امتلكوا جهازاً أمنياً ينتشر في جميع المحافظات اليمنية، وخلال الحرب فعلوا نشاطهم الاستخباراتي الذي اخترق جميع مؤسسات الشرعية، بما فيها الرئاسة والمؤسسة العسكرية والأمنية. أضف لذلك أن الهاشميين (الطبقة التي استفردت بالحكم والقضاء والثروة في البلاد) كانوا مسيطرين في عهد نظام (الرئيس الراحل علي عبد الله) صالح على جهاز الأمن القومي الذي كان يتلقى دعمه من النظام الإيراني".
وأشار القاضي إلى أن "جماعة الحوثيين تسعى من خلال اختراق الشرعية إلى إضعافها في جميع الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية أيضاً، لأن إضعاف الشرعية يعني تقويتهم، وزيادة وتعميق حالة الفوضى والفشل في مناطق الشرعية، وزرع حالة البلبلة الأمنية التي تخلط الأوراق وتسهل الاختراقات العسكرية".
واعتبر أن "الحوثيين يهدفون إلى إسقاط مناطق الشرعية بالكامل من خلال عملية خاطفة وسريعة، ولذا لاحظنا تنشيط خلايا نائمة للحوثيين حتى في المحافظات التي تقع في أقصى البلاد، مثل محافظة حضرموت التي لم يسيطر الحوثيون عليها عسكرياً".
وأضاف المحلل العسكري أن تحريك خلايا نائمة للحوثيين له أهداف عسكرية بالدرجة الأولى، "حيث بات الحوثيون يمتلكون معلومات مفصلة عن المناطق الواقعة تحت سيطرة الشرعية، وقوام الجيش، وعدد أفراده ومعلومات عنهم، ومناطق توزيع وحدات الجيش وتسليحه، وهذا ساهم في نجاح الحوثيين بخطف من يحمل أرقام عسكرية تابعة للقوات الحكومية".
وقال الصحافي نشوان العثماني، لـ"العربي الجديد"، إنه يجب الاعتراف بأن هناك إخفاقاً أمنياً واستخباراتياً في الحكومة المعترف بها دولياً، مكن جماعة الحوثيين من اختراقها مراراً، كما أن صف خصوم الحوثيين، مفكك الأوصال اليوم، وهو غير موحد الهدف، متشعب المسارات والأولويات والرؤى، ولا يقاد بجهاز واحد متماسك من داخله.
وأضاف: "إلى جانب ذلك، فإن الحوثيين جماعة سلالية ودينية وعرقية أيضاً، وبالتالي تجد الجماعات من هذا النوع كتلة صماء من داخلها، ذات تسلسل هرمي وقيادي قوي، يُصعب اختراقها، على عكس الأطراف الأخرى. إلى جانب ذلك، فإن الهيمنة الطويلة على صنعاء قد يكون لها دور في اختراقهم لعدد من الأطر اليمنية الأخرى، إن لم يكن كلها. كما أن تميزها، قبل أن تعود الإمامة بهذه الصورة القبيحة، بمكانة اجتماعية، قد يكون أدى إلى كسبها ولاءات في بعض المحافظات".
وأشار العثماني إلى أن الخلايا النائمة للحوثيين خطيرة، فهي تستطيع أن تؤثر بشكل سلبي إزاء أي تحرك عسكري، مضيفا: "لا ننسى أن الحوثيين يقاتلون بكل ضراوة في سبيل تحقيق هدفهم، وهم يرونه وجودياً، لأن اليمنيين لا يمكن أن يقبلوا بهم، وبالتالي يسعون إلى فرض الهيمنة بطريقة القهر والقوة والصلف والعنف، وكل الأساليب التي قد تتوفر لديهم، وقد تصل لاختراقات لم يكشف عنها بشكل كامل بعد، وبالتالي فإن جماعة من هذا النوع يجب أن تزال وإلى الأبد".