ثورة 11 فبراير كانت حلم الشعب بمستقبل مشرق وأمل اليمنيين في دولة مدنية. لم يخفت صوت فبراير ولن يتراجع الثوار؛ لم يبرحوا أماكنهم ولا يزالون على العهد والوعد. كانت ثورة سلمية تحمل مطالب مشروعة وروح وطنية رافضة لعسكرة الثورة. ظلت تواجه الرصاص والقمع بصدور عارية. وبما أن فبراير تنطلق من مشروع وطني وشرعية دستورية تسعى لإعادة الجمهورية، فهي لا تزال متوهجة، حاضرة في الوعي ومترسخة في الضمير، تزداد بريقًا وإشراقًا، بعيدًا عن التآمر والشيطنة التي لم تتوقف منذ انطلاقها قبل 14 عامًا حتى اليوم. إنها ثورة لا تزال تتجذر في ضمير اليمنيين بما كشفته من سوأة النظام، فقد أخرجت للعلن العديد من قضاياه وأزماته التي حكم بها الشعب، ليواجه اليمنيون حقيقة نظام طالما كانت شعاراته "أنا ومن ورائي الطوفان".
11 فبراير: القضية والمشروعية
انطلقت 11 فبراير 2011م من مشروعية دستورية مستمدة من النظام الجمهوري الذي أشرق في 26 سبتمبر 1962م بعد إسقاط الحكم الإمامي الكهنوتي. من الجمهورية استمدت مشروعيتها ولأجلها اندلعت، وبالتالي، نحن أمام استعادة حق مسلوب. بل أكثر من ذلك، أصبح الأمر إعادة اعتبار للجمهورية، المكتسب اليمني الأهم في التاريخ الحديث، بعدما تعرض خلال عقود لمصادرة وتكريس شخصنة السلطة. تحرك الشعب وكسر حاجز الخوف، وصار لديه الوعي الكافي ليدفعه نحو الثورة، مدركًا مستوى الخطر في التفريط بالمكتسبات الوطنية وضرورة حماية حقه وحق الأجيال القادمة في ترسيخ حكم جمهوري عادل.
يصف القيادي في الثورة "وليد العماري" مشروعية فبراير قائلاً: "إنها لحظة فاصلة في إعادة تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وترسيخ مفهوم الجمهورية كحكم للشعب وليس حكم الفرد أو العائلة." ويضيف: "كان شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام' تعبيرًا عن وعي جديد بأن الشرعية لا تُكتسب إلا من التفويض الشعبي وليس من منطق القوة أو التحالفات القبلية أو العسكرية."
ويعتبر "العماري" أن ثورة 11 فبراير أسهمت في تعزيز مفاهيم المواطنة المتساوية، حيث شاركت مختلف الفئات في المجتمع في ساحات الثورة، ما شكل لحظة تحول في نظرة اليمنيين لأنفسهم كأصحاب حق في تقرير مصيرهم بعيدًا عن الوصاية. كما دفعت باتجاه إنهاء هيمنة الأسرة الحاكمة وإخضاع السلطة للمساءلة، وهو ما أزعج القوى التقليدية التي استفادت من النظام السابق.
المليشيا الحوثية: الثورة المضادة
أنجزت المليشيا الحوثية خطوتها الأولى، واثمرت انتقال السلطة، حيث تشاركت قوى الثورة بحكومة مناصفة، وما قدمته خلال عامين لا ينساهما الجيل الحاضر. ارتبطت حكومة الثورة بالأستاذ محمد سالم باسندوه ودمعته المحترقة على البلد. يتذكر اليمنيون مؤتمر الحوار، الوثيقة الأبرز في التاريخ الحديث، والمنجز الأهم لثورة فبراير في وقت قياسي. ولم يأتِ 21 سبتمبر 2014م إلا وكانت تحالفات المتضررين من الثورة داخليًا وخارجيًا قد استكملت حلقات المؤامرة، وأسقطت الدولة وسلمت صنعاء للمليشيا الحوثية.
كان الانقلاب الحوثي ثورة مضادة استهدفت ثورة 11 فبراير، وكانت المليشيا هي اليد التي أرادت وأد ثورة فبراير. لم يكن الانقلاب مجرد إسقاط لحكومة، بل كان محاولة لإلغاء مكتسبات الثورة والعودة إلى الحكم الفردي.
عضو منسقية الثورة "وليد العماري" يؤكد أن الانقلاب كان انتقامًا واضحًا من فبراير ومن الحلم الجمهوري الذي أعادت إحياؤه، حيث تلاقى المشروع السلالي الطائفي لمليشيات الحوثي مع حقد النظام المخلوع ورغبته في الانتقام.
فبراير والمعركة الوطنية
أكدت ثورة 11 فبراير منطلقها الوطني وتحرك الشعب الثائر في مواجهة الثورة المضادة، ولا يزال الشعب يخوض معركة وطنية ضد المليشيا الحوثية الانقلابية. تعرضت فبراير لشيطنة وتم تحميلها تبعات الحرب والانقلاب، رغم أنها نادت للجميع بحرية وكرامة. وما حدث في 2014م كان تجليًا واضحًا للنظام الذي طبق مقولته الشهيرة "عليَّ وعلى أعدائي" إرضاءً لأحقاده، واشباعًا لرغبته في الانتقام من الشعب الذي يرى أنه لا يستحق حرية ولا كرامة.
الناشط في ساحة الحرية سابقًا "مازن عقلان" يقول: "من سوء التقدير أن يُحمَّل البعض ثورة 11 فبراير مساوئ الانقلاب انتقامًا من الفعل الثوري السلمي ضد النظام السابق، متناسيًا خطورة الانقلاب على مشروع الجمهورية وعداوة المليشيات السلالية لكافة اليمنيين دون استثناء."
ويضيف "الناشط مازن عقلان": "لم تكن ثورة 11 فبراير السلمية حفرة ماضوية يرمي فيها البعض سخطه من انهيار الوضع، ولا محطة ظلامية يحملها البعض تبعات انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من إيران على مشروع الدولة وإعلان الردة عن الجمهورية وعودة الإمامة الظلامية. بل كانت نافذة عبور إلى المستقبل، مستلهمة وهجها من ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين."
فبراير: ثورة وعي
مثلت ثورة 11 فبراير وعيًا متراكمًا في ضمير الشعب، الذي قرر الخروج لاستعادة حقه في تعيين من يحكمه. وعي بأن الإرادة الشعبية هي التي تأتي بالحاكم، وليس العكس. ويصف "العماري" وعي ثورة فبراير بأنها لحظة وعي جمعي ونقطة تحول في مسيرة اليمنيين نحو استعادة دولتهم وكرامتهم. ورغم كل المحاولات لطمس أهدافها، والانقلابات التي سعت للانتقام منها، لا تزال روح فبراير حاضرة في كل معركة يخوضها الأحرار دفاعًا عن الجمهورية، وفي كل حلم يتجدد لبناء دولة العدل والمواطنة المتساوية.
فبراير: العهد والوعد
ويختم "العماري" حديثه قائلاً: "الثورات لا تموت، وأعداؤها وإن تأخر سقوطهم فإنهم زائلون. فبراير باقية ما بقيت قضيته حية في وجدان من حملوا حلم الدولة العادلة، وفي مقاومة من رفضوا الخضوع، وفي أصوات الذين يؤمنون بأن اليمن يستحق مستقبلاً أفضل."
في هذه الذكرى، نجدد العهد على أن فبراير لم يكن يومًا ملكًا لحزب أو جماعة، بل كان نداء وطن، وما ضحى لأجله شبابه لن يكون هباءً. المجد للشهداء، الحرية للأسرى، والنصر للجمهورية التي لن تسقط أبدًا ما دام هناك من يؤمن بها ويناضل من أجلها.