قدمت بعض أكبر شركات التكنولوجيا في العالم إعلانات على موقع إلكتروني عبر الإنترنت، يحتوي صوراً لإساءة معاملة الأطفال، ما ساعد في تمويل عملياته. مما يسلط الضوء على الجانب المظلم في الإعلان الرقمي.
في بعض الأحيان، تصادف صورة عبر الإنترنت مرعبة للغاية لدرجة أنك لا تستطيع أن تتجاهلها. بالنسبة لكريستوف فراناشيك، حدث ذلك في العمل.
يدير فراناشيك شركة أبحاث الإعلانات "أداليتكس-Adalytics"، ومقرها في الولايات المتحدة. مؤخراً، كان يدرس أين تنتهي إعلانات وزارة الأمن الداخلي الأمريكية عبر الإنترنت، وأخذه المشروع إلى موقع لمشاركة الصور يسمى "إيمج بي بي-ImgBB".
يقول فراناشيك إنه اكتشف في الموقع "صوراً مقززة". إذ وجد صوراً جنسية صريحة لطفل صغير جداً، بجانب إعلانات لشركات كبرى، تعد من بين أكبر 500 شركة أمريكية على الموقع ذاته.
أبلغ فراناشيك على الفور عن المحتوى إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي أي)، ووزارة الأمن الداخلي، ومنظمات سلامة الأطفال
يقول المركز الكندي لحماية الطفل - أحد المراكز التي أبلغها فراناشيك - إنه وجد ما لا يقل عن 35 صورة أُبلغ عنها بواسطة شركة أداليتيكس على الموقع، التي تلبي تصنيف المركز لمواد الاستغلال الجنسي للأطفال .
ويضيف أنه أبلغ موقع ImgBB، وحذفت الصور.
وصرح متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن المكتب يراجع جميع مزاعم السلوك الإجرامي، ولكنه لا يعلق على المعلومات الواردة من الجمهور، بينما لم ترد وزارة الأمن الداخلي على الأسئلة.
كلما بحث فراناشيك أكثر، أصبحت المشكلة أكثر وضوحاً. وتثير نتائجه تساؤلات حول كيف قد تضخ الإعلانات التي تراها عبر الإنترنت، عن غير قصد، مبالغ كبيرة من المال في زوايا غير مرغوب فيها، وغير قانونية في بعض الأحيان، عبر الإنترنت.
وبحسب تقرير جديد من شركة أداليتيكس، موّلت أنظمة الإعلان التي تديرها شركات، بما في ذلك غوغل وأمازون ومايكروسوفت، عن غير قصد، مالكي موقع إلكتروني، يستضيف صوراً غير قانونية لاستغلال الأطفال جنسياً.
بالإضافة إلى مواد الاستغلال الجنسي للأطفال، وثقت أداليتيكس إعلانات لأكثر من 70 منظمة كبرى وشركات ضمن قائمة "فورتشن 500"-تصنيف سنوي يضم أكبر 500 شركة أمريكية-، منشورة بجانب مواد إباحية للبالغين، بما في ذلك شركات "ماستركارد، نستله، ستاربكس، يونيليفر، وحتى حكومة الولايات المتحدة".
يقول فراناشيك "ربما لم يكن لدى العديد من المعلنين، الذين ظهرت إعلاناتهم على هذا الموقع، أي فكرة عن تمويلهم لهذا النوع من المحتوى".
في السابع من فبراير/شباط 2025، أرسل السيناتوران الأمريكيان مارشا بلاكبيرن وريتشارد بلومنثال خطابات إلى أمازون وغوغل، وشركات تكنولوجيا إعلانية أخرى مذكورة في التقرير، مطالبين بإجابات حول ما إذا كانت هذه المشكلة تمثل قضية واسعة النطاق عبر الإنترنت.
وجاء في الخطاب الموجه إلى غوغل: "إن نشر (مواد الاستغلال الجنسي للأطفال) جريمة بشعة تلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه بضحاياها. حين تضع شبكات المعلنين الرقميين مثل غوغل إعلانات على مواقع إلكترونية معروفة باستضافة مثل هذا النشاط، فإنها في الواقع تخلق تمويلاً يديم العمليات الإجرامية، والضرر الذي لا يمكن إصلاحه بحق أطفالنا".
وفي حين أن بضع صور لانتهاكات بحق الأطفال على موقع إلكتروني واحد قد أثارت قلق الكثيرين، داخل وخارج هذا القطاع، فإنها توفر أيضاً لمحة عن بعض المشاكل الأوسع التي تصيب عالم الإعلان الرقمي الغامض.
يشار إلى أن أغلب مستخدمي الإنترنت على دراية بالضجيج، الذي تثيره الإعلانات الرقمية التي تتنافس على جذب انتباههم. فهي نتاج نظام ضخم ومعقد، إلى الحد الذي يجعل الشركات التي تديره لا تعرف دائماً إلى أين تذهب أموالها.
ولسنوات، حذر المنتقدون من أن صناعة التكنولوجيا سوف تملأ جيوب جهات سيئة، عن غير قصد، عبر الإنترنت، دون إشراف تنظيمي جاد. ولا يزال المشرعون يحاولون اللحاق بالركب.
وفي الوقت نفسه، من السهل نسبياً على أي شخص إنشاء موقع ويب يمكنه جني الأموال من شبكات الإعلانات. يقول فراناشيك: "لا يكلف تشغيل موقع ويب يقدم بضعة ملايين من الصور شهرياً الكثير".
تصر غوغل وأمازون ومايكروسوفت على التزامها بمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال، ومكافحة إساءة معاملتهم عبر الإنترنت. وتقول الشركات الثلاث إنها حظرت الآن موقع ImgBB وموقعه الفرعي "آي بي بي -IBB" من أنظمة الإعلان الخاصة بها.
وقال متحدث باسم غوغل لبي بي سي: "نحن نتبع سياسة عدم التسامح مطلقاً، عندما يتعلق الأمر بالمحتوى الذي يروج للإساءة الجنسية للأطفال واستغلالهم، وتم إنهاء كلا الحسابين المعنيين".
وأضاف: "تراقب فرقنا باستمرار شبكة الناشرين التابعة لشركة غوغل بحثاً عن هذا النوع من المحتوى، ونحيل المعلومات إلى السلطات المختصة".
"ليس لدينا أي فكرة عن المكان الذي تذهب إليه إعلاناتنا"
الإعلانات هي الوقود الذي يغذي الإنترنت. تقول أفضل التقديرات إن الإنفاق على الإعلانات الرقمية بلغ أعلى مستوى على الإطلاق، في 2024 بقيمة 694 مليار دولار.
وتجلب صناعة التسويق مبالغ لا حصر لها لعملائها، وتُقدم غالبية الإعلانات على مواقع قانونية ومناسبة. في بعض الأحيان، يكون للمعلنين علاقة مباشرة بالمنصات التي تدير إعلاناتهم وتجارتهم. ولكن في معظم الأحيان، تكون العملية أكثر تعقيداً بكثير.
وفي كل مرة ترى فيها إعلاناً عبر الإنترنت، تقريباً، يكون ذلك نتيجة لسلسلة من عشرات المنصات والخدمات - بعضها يتنافس والبعض الآخر يتعاون - في عملية آلية تتم في أجزاء من الثانية.
لا يختار المعلنون عادةً مواقع الإنترنت الإلكترونية التي تعرض إعلاناتهم. بدلاً من ذلك، يدفع المعلنون "لشبكة إعلانات" تتمثل مهمتها في العثور على الجمهور الأكثر ملاءمة على الموقع الأكثر ملاءمة.
تدير شركات أمازون وغوغل ومايكروسوفت شبكات إعلانية خاصة بها، لكن شبكات غوغل هي الأكبر على الإطلاق. إنها مهيمنة للغاية، لدرجة أن الشركة تحارب حالياً ادعاءات بممارسة احتكار غير قانوني. وترفض غوغل تلك الادعاءات، وتقول إنها تواجه منافسة شديدة في مجال الإعلان الرقمي.
وتضم شبكات الإعلانات هذه ملايين المواقع الإلكترونية في مخزوناتها. وعندما تقدم شبكة إعلانية إعلاناً، يحصل الموقع الإلكتروني على أموال. ولكن يمكن لأي شخص أن يربط موقعه الإلكتروني بشبكات الإعلانات، ويبدأ في جني الأموال. وهذا يعني أن الأمر متروك لشركة غوغل وشركات التكنولوجيا الأخرى، للقيام بالجهود الواجبة لضمان عدم عرض الإعلانات على مواقع إلكترونية تمول مشاريع إجرامية أو تضر بسمعة العلامات التجارية.
لكن الأبحاث، التي أجرتها شركة أداليتيكس وغيرها، تشير إلى أن شركة غوغل وصناعة تكنولوجيا الإعلان قد أرسلت أموالاً إعلانية من عملاء، بمن في ذلك أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وشركات متعددة الجنسيات، إلى قائمة طويلة من المواقع الإلكترونية المشبوهة، في حملات إعلانية تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، وربما أكثر من ذلك.
وتشمل القائمة مواقع إلكترونية تعرض "دعاية أجنبية (معادية)"، ودعوات إلى العنف العنصري، ومحتوى سياسي متطرف، ومواد إباحية، فضلاً عن المواقع الموجودة في بلدان تواجه عقوبات تجارية أمريكية مثل إيران وسوريا وروسيا.
ووفقاً لـ أرييل غارسيا، الرئيسة التنفيذية لمجموعة مراقبة الإعلانات الرقمية "Check My Ads"، فإن حوادث مثل هذه تكشف عن إحدى المشاكل الرئيسية في الإعلانات الرقمية، بأن الأنظمة التي تدير هذه الإعلانات معقدة للغاية بحيث يصعب على أي شخص معرفة ما يحدث بالفعل.
وتقول: "هذا ليس خطأ غير مقصود، إنها غير شفافة عمداً. صناعة تكنولوجيا الإعلان تستغل هذا التعقيد".
وتقول غارسيا إن عدداً متزايداً من المعلنين يشكون من أن اللاعبين الكبار في مجال تكنولوجيا الإعلان يزودونهم بمعلومات أقل، وإن الافتقار إلى الشفافية يجعل من الصعب اكتشاف هدر الأموال والممارسات السيئة.
ويوضح متحدث باسم غوغل أن الشركة لديها سياسات صارمة، حول نوع محتوى المواقع التي يمكنها تشغيل الإعلانات، وتستخدم "أنظمة إنفاذ متطورة للغاية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي"، بالإضافة إلى فرق من المراجعين البشريين لفرض هذه السياسات على نطاق واسع.
ويقول المتحدث إن غوغل تعطل تشغيل الإعلانات على المواقع، التي يُكتشف مثل هذا المحتوى فيها.
لكن الأمثلة مثل تلك التي كشفت عنها شركة أداليتيكس أثارت الشكوك بين الشركات، التي تدفع ثمن الإعلانات في المقام الأول.
يقول أحد المسؤولين التنفيذيين عن الإعلان بإحدى شركات الرعاية الصحية الكبرى، التي ظهرت إعلاناتها على موقع ImgBB عبر شبكة إعلانات غوغل وأمازون: "ليس لدينا أي فكرة عن المكان الذي تذهب إليه إعلاناتنا. ليست هناك ثقة على الإطلاق".
وطلب المسؤول التنفيذي عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخوّل بالتحدث في هذا الشأن.
وأضاف: "أمازون وغوغل مسؤولان عما يوجد داخل مخزونهما. ربما نتمنى أن تكون إزالة محتوى مثل هذا هي الأولوية رقم واحد".
ويقول متحدث باسم شركة ستاربكس إن الشركة لديها نهج قوي، لضمان تشغيل إعلاناتها على المواقع التي تتوافق مع معايير المسؤولية الاجتماعية. وتقول الشركة إنها تضمن خضوع شركائها من وسائط الإعلام لعمليات تدقيق نصف سنوية.
ويضيف متحدث باسم يونيليفر أن الشركة تستخدم إرشادات ومعايير مماثلة، وتخطط للتحقيق في نتائج التقرير. ولم تستجب شركات ماستركارد ونستله لطلبات التعليق.
يقول متحدث باسم أمازون: "نأسف لحدوث هذا الأمر، واتخذنا إجراءات سريعة لمنع هذه المواقع من عرض إعلاناتنا. لدينا سياسات صارمة ضد عرض الإعلانات على محتوى من هذا النوع، ونحن نتخذ خطوات إضافية للمساعدة في ضمان عدم حدوث ذلك في المستقبل".
يقول متحدث باسم مايكروسوفت إن الشركة لا تسمح بالإعلان على المحتوى الذي ينتهك سياساتها، ومن ضمنه المحتوى الذي ينشئه المستخدم، والذي لا يخضع للتنظيم أو التعديل بشكل كافٍ. وتقول الشركة إنها تتخذ إجراءات فورية عندما تكتشف أي انتهاكات.
ومع ذلك، فإن هيمنة غوغل على صناعة الإعلانات تعني أنه يجب أن يتحمل نسبة كبيرة من اللوم، كما تقول لورا إيدلسون، أستاذة علوم الكمبيوتر التي تدرس الاقتصاد الرقمي في جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة.
وتقول: "لا أحد مسؤول عن هذا أكثر من غوغل. بالتأكيد، قد يكون من الصعب إصلاح هذه الأشياء. لهذا السبب تحصل غوغل على الكثير من المال. هذه مجرد مشكلة هندسية – إنها من نوع المشاكل التي يحلونها كل يوم. يجب محاسبة غوغل. هذا يضر بمجتمعنا".
وتقول إيدلسون إن موقع ImgBB قد يكون أيضاً مثالاً لمشكلة أكبر بكثير.
"من الواضح أن هذا الموقع مصمم لتسهيل الأشياء السيئة"
يقول المطلعون على صناعة الإعلانات وخبراء سلامة الأطفال إن موقعاً مثل ImgBB كان يجب حظره من أنظمة الإعلان مسبقاً.
يسمح الموقع للأشخاص بتحميل الصور بشكل مجهول، دون إنشاء حساب، ويوفر إعدادات تخفي الصور عن محركات البحث - وهي ميزات مثالية للأنشطة الإجرامية، كما يقول خبراء.
حُذفت التفاصيل المتعلقة بملكية موقع ImgBB من سجلات مواقع الإنترنت العامة، وهذه المعلومات غائبة عن شروط خدمة الموقع وسياسة الخصوصية، على عكس الممارسات القياسية. ولم يستجب موقع ImgBB لطلب التعليق.
يقول روب ليذرن، أحد المديرين التنفيذيين السابقين في كل من غوغل وميتا (الشركة الأم لفيسبوك)، وعمل في قضايا سلامة الإعلان: "إذا قضى أي شخص (من مسؤولي شركات تكنولوجيا الإعلان) وقتاً في النظر إلى هذا الموقع كان سيحذفه (من مخزونات شبكات الإعلانات الخاصة بهم)".
وأضاف: "تعني آليات (ImgBB) أنه كان ينبغي لمجموعة متنوعة من اللاعبين في المنظومة أن يتوخوا مستوى أكبر من العناية والاجتهاد. إنه عام 2025. هذه ليست صناعة جديدة. لا ينبغي أن تمر هذه الأشياء".
هذه ليست أول تجربة لـ ImgBB مع استضافة صور الاستغلال الجنسي. فمنذ عام 2021، أرسل المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين (NCMEC) 27 إشعاراً إلى ImgBB حول مواد للاستغلال الجنسي للأطفال على المنصة. قد يكون الرقم أعلى من هذا بكثير، إذ لم تصدر بيانات عام 2024 بعد.
يقول المركز الوطني إن الموقع أزال المحتوى في كل حالة.
وقال جون شيان، الذي يشرف على عمليات المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين المتعلقة بالجرائم الجنسية ضد الأطفال، إن المركز لن يعتبر الموقع الإلكتروني المستضيف لمثل هذه الصور مشكلة كبيرة، فيما يتعلق بمواد الاستغلال الجنسي للأطفال، بناء على نقطة البيانات هذه وحدها. ومع ذلك، فإن "أي منصة تسمح للأفراد بتحميل الصور ومقاطع الفيديو بشكل مجهول، ستكون ذات احتمالية عالية للإساءة"، كما يقول.
يقول جوش غولين، المدير التنفيذي لمجموعة الدفاع عن حقوق الأطفال (فيربلاي): "إنها منصة مشبوهة. من الواضح أن هذا الموقع مصمم لتسهيل الأمور السيئة. من الجنون أن نعلم أن هناك إعلانات يتم وضعها على هذا الموقع بالأساس".
وفقا لـ أرييل غارسيا من مجموعة مراقبة الإعلانات الرقمية Check My Ads، كان بإمكان أمازون وغوغل وشركات تقنية الإعلان الأخرى استخدام أي أسلوب لاستئصال ImgBB من مخزوناتها. كان يمكن لتحليل النص أن يشير إلى أوصاف المواد الإباحية للبالغين على الصفحة. ويمكن للخوارزميات المدربة على اكتشاف مواد الاستغلال الجنسي للأطفال تحديد المحتوى غير القانوني. وقد تكشف المراجعة اليدوية لخصائص موقع ImgBB أيضاً عن مخاطر محتملة.
وهناك بديل آخر، إذ يمكن لغوغل والشركات الأخرى أن تكرس مرحلة إضافية من العناية لمراجعة المواقع الإلكترونية، التي تظهر في تقارير الإفصاح الخاصة بالمركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين NCMEC، كما تقول غارسيا.
لم تُجب غوغل وأمازون على الأسئلة المتعلقة باستخدام أي من هذه الأساليب المحددة، لفحص المواقع الإلكترونية في أنظمتها.
ولا عجب أن مواقع مثل ImgBB تتسلل، وفقاً لما قاله مات ستولر، الذي كتب على نطاق واسع عن صناعة التكنولوجيا في دوره كمدير للأبحاث في مشروع الحريات الاقتصادية الأمريكية، الذي يعارض احتكار الشركات.
ويقول إنه كلما زادت الموارد التي تنفقها شبكات الإعلانات، للتأكد من أن الإعلانات تنتهي بجوار المحتوى الموثوق فقط، كلما انخفضت هوامش ربحها.
لا يُجمل ستولر كلماته، ويقول: "لا ينبغي لنا أن نسأل عن كيفية منع هذا. يجب أن نسأل عمن سيتحمل المسؤولية. نحن لا ننظر فقط إلى نظام تكنولوجيا الإعلان، نحن ننظر إلى مسرح الجريمة. الطريقة لإصلاح هذا هي الأصفاد [أصفاد السجن]"، وفق تصريحه.
ويضيف: "يجب أن يذهب شخص ما في غوغل إلى السجن. يجب أن يذهب شخص ما في أمازون إلى السجن".
* سلامة العلامة التجارية
بالإضافة إلى صور الاستغلال الجنسي للأطفال على موقع ImgBB، تقول أداليتيكس إنها وجدت صوراً وحشية، ومواد أخرى غير قانونية محتملة وجبال من الصور الإباحية للبالغين.
ووثق تقريرها مئات الأمثلة على الإعلانات للشركات متعددة الجنسيات، وحتى الحكومة الأمريكية، المنشورة جنباً إلى جنب مع هذا النوع من المحتوى.
كما تحققت بي بي سي بشكل مستقل من عينة من نتائج أداليتيكس، ولاحظت وجود إعلانات لشركات من كبريات 500 شركة أمريكية، منشورة جنباً إلى جنب مع مواد إباحية للبالغين على موقع ImgBB. ولم تقم بي بي سي بمراجعة أي مواد تجسد استغلالاً جنسيا للأطفال، أو أي محتوى غير قانوني آخر.
غوغل ليست الشركة الوحيدة التي تتعرض للانتقاد. تحدثت بي بي سي إلى ما يقرب من اثني عشر من المسوقين وخبراء الإعلان. وأشار كل منهم إلى ما يراه من إخفاقات في صناعة "سلامة العلامة التجارية".
سلامة العلامة التجارية هو مصطلح الصناعة المستخدم لوصف إبعاد الإعلانات عن المحتوى، الذي يمكن أن يضر بسمعة الشركة. بالنسبة للعديد من المعلنين، فإن الظهور على موقع مثل ImgBB هو أسوأ سيناريو.
لمزيد من التأكيد، يستأجر بعض المعلنين شركات مختصة بسلامة العلامة التجارية لعملهم. يقول القادة في هذه الصناعة، DoubleVerify و Integral Ad Science (IAS)، إنهم يستخدمون مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي وغيرها من الأساليب، لضمان عدم ظهور إعلانات عملائهم على المواقع الخطأ.
على سبيل المثال، تقول شركة "دبل فيرفاي-DoubleVerify" إنها تستخدم خوارزميات الرؤية الحاسوبية وأدوات أخرى، لتحليل الصور والفيديو والصوت والنص على صفحة الإنترنت.
ووفقاً لموقع الشركة الإلكتروني: "يساعد هذا التحليل البصري الدقيق في ضمان أن تكون المكونات المرئية المحيطة بإعلاناتك مناسبة، ومتسقة مع رسالة علامتك التجارية"
ومع ذلك، يشير تقرير أداليتيكس والتحقيقات الأخرى المشابهة له إلى أن أنظمة سلامة العلامة التجارية هذه لا تجدي نفعاً.
تعد برامج الرؤية الحاسوبية فعالة للغاية في تحديد الأجسام العارية، على سبيل المثال، وكان من الممكن من خلال إجراء بحث بسيط باستخدام الكلمات الرئيسية، أن يُشار إلى أن الصفحات التي رصدتها أداليتيكس تحتوي على مواد إباحية للبالغين.
ورغم ذلك، ادعى مسؤولون تنفيذيون عن الإعلان في الشركات التي ظهرت إعلاناتها على موقع ImgBB في تصريحاتهم لـ بي بي سي، أن كل من شركتي DoubleVerify وIAS صنفا ImgBB على أنه "آمن بنسبة 100 في المئة"، بما في ذلك الصفحات المليئة بالمحتوى الإباحي للبالغين.
ويقول روب ليذرن: "إذا كان الناس يضعون ثقتهم في هؤلاء المزودين (لخدمة سلامة العلامة التجارية)، فيجب عليهم إعادة النظر في الأمر، لأنه من الواضح أنها لا تجدي نفعاً".
يقول متحدث باسم شركة IAS: "لا تتسامح الشركة مطلقاً مع أي نشاط غير قانوني، ونحن ندين بشدة أي سلوك يتعلق بمواد الاستغلال الجنسي للأطفال".
وأضاف: "نحن نراجع الادعاءات، ونركز على ضمان سلامة الوسائط لجميع عملائنا". ونشرت الشركة على مدونتها توضيحاً مفصلاً لخططها "لإعادة تقييم تصنيفاتنا لمواقع استضافة الصور".
يقول متحدث باسم DoubleVerify إن الشركة منعت عشرات الآلاف من الإعلانات، من الظهور على موقع ImgBB في الأيام الثلاثين الماضية.
ويضيف المتحدث أن مرات ظهور الإعلانات على موقع ImgBB لا تمثل سوى ( 0.000047 في المئة) من إجمالي الإعلانات، التي قاسوها خلال تلك الفترة، وأكثر من 80 في المئة من تلك الإعلانات عُرضت على الصفحة الرئيسية. ونشرت الشركة منشوراً على مدونتها يفند الانتقادات الأخرى الواردة في التقرير.
لم تجب كل من شركة IAS وDoubleVerify على الأسئلة المسجلة حول منهجيتهما، أو لماذا رأى المعلنون صفحات تحتوي على صور إباحية للبالغين رغم وضع علامة عليها على أنها آمنة.
توجد قوانين في صناعات أخرى تتطلب نوع عملية المراجعة، التي ربما كانت لتضع علامة تحذير على موقع ImgBB. على سبيل المثال، لدى الصناعات المالية والقانونية، من بين أمور أخرى، ما يسمى بقوانين "اعرف عميلك". يُطلب من البنوك التدقيق في العملاء المحتملين، للتأكد من أنهم لا يسهلون غسيل الأموال أو الإرهاب أو الجرائم الأخرى. لا توجد مثل هذه القوانين للإعلان الرقمي. في الواقع، لا تخضع الصناعة للتنظيم بشكل كامل تقريباً في الولايات المتحدة، والعديد من الأجزاء الأخرى من العالم.
يقول جاك ماركوكس، مدير الأبحاث والتحليلات في المركز الكندي لحماية الطفل: "تجربتنا هي أن صناعة التكنولوجيا بشكل عام فشلت في اتخاذ إجراءات ذات مغزى. ولهذا السبب كانت منظمتنا، إلى جانب العديد من المنظمات الأخرى في جميع أنحاء العالم، تدعو إلى التنظيم الحكومي".
يقول ماركوكس إن معالجة هذه القضايا تتطلب نهجاً متعدد الطبقات، يشمل كل أصحاب المصلحة في سلسلة التوريد الرقمية. يجب على شبكات الإعلانات التي تدرج مواقع الويب (لاستقبال إعلاناتها) أن تشارك في عمليات مراجعة أكثر قوة، يجب على المعلنين المطالبة بالمساءلة لضمان عدم ظهور إعلاناتهم بجوار محتوى ضار أو غير قانوني، ويجب على شركات الدفع المالي، التي تتعامل مع المعاملات والتعويضات على طول سلسلة تكنولوجيا الإعلان، أن تطبق شروطاً أكثر صرامة وممارسات "اعرف عميلك" أيضاً، كما يقول ماركوكس.
تقول لورا إيدلسون "لن نصلح هذه المشكلة بدون تنظيم أفضل، ودون وجود تبعات فعلية وحقيقية وخطيرة، لتقديم الإعلانات التي تمول الشركات والأنشطة المروعة".
وأضافت "أن تجاهل هذه المشكلة مربح للغاية. وسوف يكون من المستحيل حلها دون تغيير الحوافز المرتبطة بها".