آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
من هنا وهناك

كيف يمكن للأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي مراقبة نبض كوكبنا الذي تزداد حرارته؟

الثلاثاء - 18 فبراير 2025 - 06:25 م بتوقيت عدن
كيف يمكن للأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي مراقبة نبض كوكبنا الذي تزداد حرارته؟
رويترز

يعوّل خبراء وخبيرات من سويسرا وخارجها على منظومة متنامية من الأقمار الصناعية ونماذج الذكاء الاصطناعي، للحصول على رؤى ومعلومات أكثر دقة بشأن انبعاثات الغازات الدفيئة؛ باعتبار أن توفير البيانات بسرعة ودقة أكبر، قد يكون المفتاح لتعزيز جهود الدول في الحد من الانبعاثات.


وفقاً لاتفاق باريس للمناخ، يتعين على الدول تقديم تقارير دورية حول تقديرات انبعاثاتها من الغازات الدفيئة (GHG)، بالإضافة إلى جهودها في التخلص منها أو تقليلها. وتستند هذه التقديرات إلى بيانات الأنشطة المختلفة، مثل النقل، والصناعة، والتدفئة، وإنتاج الطاقة، وفقاً للمعايير والإرشادات الدولية المعتمدة من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). ومع ذلك، تظل عملية الإبلاغ هذه معقدة وطويلة، وتتطلب موارد كبيرة، وتواجه العديد من التحديات وحالات عدم اليقين.


ويُعرب غيريت كولمان، الباحث في المختبرات الفدرالية السويسرية لعلوم وتكنولوجيا المواد “إمبا” (Empa)،رابط خارجي عن اقتناعه بأن مراقبة الأرض باستخدام الأقمار الصناعية والابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تساعد الدول على تقييم انبعاثاتها بشكل أكثر دقة، والتحقق من حجمها ومدى انتشارها الجغرافي، مما يساهم في تعزيز الجهود للحد منها.


وفي حديثه لسويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، يقول كولمان: “يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات لقياس الانبعاثات الغازية بدقة، من خلال تحديد كميتها ومصادرها الجغرافية، مثل المصانع، والمركبات، ومحطات الطاقة، بالإضافة إلى تحليل تأثيرها على تغير المناخ. كما يساعدنا في تفسير هذه البيانات وتقديم فهم أعمق لأبعادها المختلفة.


ويشارك كولمان وزملاؤه وزميلاته في مختبرات “إمبا” الفدرالية السويسرية، في دراسات تندرج ضمن برنامج “كوبرنيكوس” (Copernicus) الأوروبي، بهدف تجهيز أقمار مراقبة الأرض بتقنيات قياس انبعاثات الغازات الدفيئة (GHG). وبذلك تُزوّد الحكومات، وصناع القرار وصانعاته عالميا، بخرائط دقيقة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2)، والميثان (CH4)، وثاني أكسيد النيتروجين (NO2). وتتيح هذه الرؤى التفصيلية للانبعاثات، المقدَّمة عند رصدها الفعليّ، للبلدان، على المستويين الوطني والإقليمي، التحقق من سياساتها أو تعديلها بسرعة، وحتى تحديد الانبعاثات المشكلة والنقاط الساخنة بدقة، مثل المنشآت النفطية والغازية أو محطات الطاقة، مما يتيح المجال لاستجابة فورية وفعالة للتحديات البيئية.


توسع هائل في استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة الأرض

ولقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً استثنائياً في عدد الأقمار الصناعية المخصّصة لمراقبة الأرض وقدراتها؛ فارتفع هذا العدد من حوالي 200 قمر صناعي في عام 2013 إلى ما يقارب 1،200 قمر في عام 2023،رابط خارجي مما يشكل حاليا ما يقرب من 20% من إجمالي الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض. وتتنافس شركات مثل”إكس سبيس” (SpaceX)، و”بلو أوريجين” (Blue Origin)، و”بلانيت لابز” (Planet Labs)، و”ماكسار تكنولوجيز” (Maxar Technologies)، على تطوير تقنيات متقدمة ودفع حدود الإمكانيات الحالية، من خلال أساطيل من الأقمار الصناعية الصغيرة التي تقدم صوراً فائقة الدقة، وتحليلات متطورة، تُستخدم لمراقبة صحة الكوكب، ومواجهة التحديات البيئية بأكثر كفاءة.


ويُتوقع أن يسهم مجال مراقبة الأرض بأكثر من 700 مليار دولار (640 مليار فرنك سويسري) في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، إلى جانب تقليل الغازات الدفيئة بمقدار 2 مليار طن متري سنوياً، وفقاً لتقريررابط خارجي المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) الصادر العام الماضي.


ولكن، يولّد هذا التوسع الهائل في عدد الأقمار الصناعية وتقنيات تحليل البيانات كميات ضخمة من المعلومات المعقدةرابط خارجي، التي تتطلب دقّة في التحليل والتنظيم. وتشير وثيقة بحثية حديثةرابط خارجي صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) والمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، إلى توفير تطورات تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، إلى جانب أدوات التنبؤ المتقدمة، قدرة فائقة على معالجة هذه البيانات وتحويلها إلى رؤى عملية، بسرعة غير مسبوقة.


* أوروبا في الصدارة مع برنامج كوبرنيكوس

وتشهد منصات مراقبة تغير المناخ المعتمدة على تقنيات الاستشعار الأرضي تطوراً كبيراً حول العالم، ومنها نظام مراقبة الكربون (CMS) التابع لوكالة ناسارابط خارجي، وخدمة مراقبة الغلاف الجوي الأوروبية (CAMS)، التي تديرها المفوضية الأوروبية بالتعاون مع المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (ECMWF).


وتُنسّق الجهود العالمية لرصد الغازات الدفيئة من خلال برنامج المراقبة العالمية لغازات الاحتباس الحراري  (G3W)رابط خارجي، الذي أطلقته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) العام الماضي، بهدف تعزيز التعاون الدولي وتوفير بيانات دقيقة وشاملة. في المقابل، يتولى المرصد الدولي لانبعاثات الميثان (IMEO)، التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)رابط خارجي، مسؤولية الإشراف على مراقبة انبعاثات الميثان بدقة، بما يشمل تحليل مصادرها وآثارها البيئية.


وقد تمكنت التقنيات والأقمار الصناعية الأمريكية واليابانية من مراقبتها بدقة على مدى سنوات، فأنتجت صوراً واضحة للتسربات الناتجة عن منشآت النفط والغاز، ومناجم الفحم، ومكبات النفايات، مما ساعد في تحسين فهم تأثير هذه الانبعاثات على الغلاف الجوي.


وفي هذا السياق، يقول كولمان: “تجري حالياً أبحاث وابتكارات مكثفة في أوروبا وعلى مستوى العالم لبناء نظام كهذا. ويسهم مختبرنا في هذا الجهود، بينما يعمل مئات الباحثين والباحثات دولياً لتحقيق هذا الهدف”.


ورغم قدرة الأقمار الصناعية على قياس تغيرات تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لأكثر من عقد من الزمن، فإنها لم تتمكن حتى الآن من توفير بيانات دقيقة ومتكاملة تغطي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم بشكل شامل ودون فجوات جغرافية. فقد ركزت هذه الجهود بشكل أساسي، على مراقبة تقلبات الدورة الطبيعية للكربون، مثل امتصاص الكربون وإطلاقه من قبل الغابات والمحيطات. وعملت وكالة ناسا مثلا، خلال العقد الماضي على تعقب ثاني أكسيد الكربون بدقة متزايدة باستخدام أدوات (OCO-2) و(OCO-3)  المثبتة على محطة الفضاء الدولية.


ومع ذلك، لا يزال قياس الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية وحدها يمثّل تحدياً كبيراً، كما أنه لا يوجد حالياً نظام عالمي مزود بقدرات تصويرية شاملة لرصد هذه الانبعاثات بدقة.


وسيُطلق القمران الصناعيان الأوّلان ضمن مهمة (CO2M) في عام 2026، مزوّديْن بأحدث الأدوات وأجهزة الاستشعار. وستوفر هذه الكوكبة متعددة الأقمار صوراً عالية الدقة، وتغطية عالمية، وزيارات متكررة للمواقع، مما سيحدث نقلة نوعية في مراقبة انبعاثات الغازات الدفيئة.


وتتميز أقمار (CO2M) الصناعية التابعة لبرنامج ”كوبرنيكوس”، بوجود جهاز طيفي مدمج يتيح قياس تركيزات ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين والميثان (CH4) في الغلاف الجوي. ويهدف هذا النظام إلى تقديم قياسات دقيقة وغير مسبوقة لانبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية، مع توفير البيانات في وقت قريب من الرصد.


* “كوبرنيكوس”: أداة دقيقة للتمييز بين مصادر انبعاثات الكربون البشريّة والطبيعيّة ستحدّد البيانات الملتقطة من أقمار (CO2M) الصناعية، إلى جانب القياسات الأرضية والنماذج الحاسوبية المتقدمة التي يطورها علماء خدمة مراقبة الغلاف الجوي الأوروبية (CAMS)، الفروقات بين الانبعاثات الناتجة عن النشاط البشري، مثل الصناعات واستخدام الوقود الأحفوري، والانبعاثات الطبيعية التي تنتج عن العمليات البيولوجية، كتنفس النباتات.


وقد قدم علماء مختبرات “إمبا” الفدرالية السويسرية توصيات مهمة لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA)،  لتطوير هذه الأقمار الصناعية، منها تصميم الجهاز الطيفي المدمج القادر على قياس تركيزات ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين معاً، إذ يُعتبر هذان الغازان مؤشراً قوياً على احتراق الوقود الأحفوري، مثل الفحم، والنفط، والغاز.


ويشرح كولمان: “عند رصد مستويات مرتفعة من ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين معاً، يمكننا التأكد بأن هذه التركيزات المرتفعة من ثاني أكسيد الكربون ناتجة عن الأنشطة البشرية، وخصوصاً عن احتراق الوقود الأحفوري”


ومن الجدير بالذكر، أن ثاني أكسيد النيتروجين لا ينتج عن العمليات الطبيعية التي تحدث عبر تنفس الغلاف الحيوي، مما يمنح جهاز القياس الموجود على القمر الصناعي القدرة على “عزل” إشارات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية، مثل احتراق الوقود الأحفوري، وفصلها عن تلك الصادرة عن العمليات الطبيعية، مما يتيح “تمييز” الانبعاثات البشرية بدقة عالية.


ولن تكتفي الأقمار الصناعية برصد انبعاثات الغازات الدفيئة فحسب، بل ستوفر أيضاً بيانات حيوية عن مدى خضرة الغطاء النباتي على الأرض وكثافته، مثل حجم كثافة الأوراق على الأشجار. فيقول كولمان: ” تخبرنا هذه البيانات بمدى قدرة النباتات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي”.


وقد شارك العلماء سويسرا وعالماتها في تطوير مشروع (CO2M) ضمن برامج البحث والتطوير الأوروبية “هورايزن 2020″ (Horizon 2020)، و”هورايزن أوروبا” (Horizon Europe). ورغم أنّ سويسرا ليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها عضو في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA).


ومع ذلك، لا يزال الانخراط الكامل في برنامج ”كوبرنيكوس” الأوروبي لمراقبة الأرض بعيد المنال بالنسبة لسويسرا. فلم تكن سويسرا منذ انطلاق المبادرة، جزءاً رسمياً منه. وصوت البرلمان عام 2023 لصالح الانضمام، لكن الحكومة تراجعت عن القرار في مايو الماضي، بسبب الضغوط المالية التي تعاني منها الميزانية الفدرالية.