11 فبراير من كل عام ذكرى أليمة، وحزن يطوفنا، يوم مشؤوم لا مكان فيه سوى الحزن.
منذ سبعة وعشرين عامًا، رحل عنّا أيقونة السلام والكرم والحكمة والنضال، عمي المرحوم الشيخ عبدالله مهيوب علي علوان الكمالي، حيث شكّل رحيله خسارة كبيرة، ليس لأهله ورفاقه وأبناء منطقته في شرعب فحسب، بل لكل المناضلين الذين اشتركوا معه في مختلف مواقع النضال ضد الظلم ونصرة الحق.
كان الشيخ المرحوم يتمتع بصفات نادرة؛ حيث كان خفيف الظل، محبوبًا من الجميع، سواء من المواطنين أو رفاق دربه وأصدقائه. قدّم كل ما في وسعه من خدمات جليلة ظلت وستظل خالدة في وجدان الأجيال. حيث تركت بصمات نضاله في شرعب آثارًا ناصعة في أزهى صفحات التاريخ، حيث سطّرت شجاعته في الصخور والجبال والسهول، جنبًا إلى جنب مع رفاق دربه، وهم يتصدّون لحملات البطش والتنكيل التي مارستها أجهزة سلطة صنعاء ضد المناضلين من أبناء المنطقة المدافعين عن حقوقهم وحريتهم وممتلكاتهم.
عاش الشيخ لأبناء منطقته ورفاق دربه أكثر مما عاش لنفسه، ومن يعرف برنامج حياته اليومية يدرك أنه كان يقضي جلّ وقته في خدمة الناس والقضايا العامة، صباحًا وعصرًا وحتى ساعة متأخرة من الليل. لم يكن يهمل الأمور العامة، ولم يخذل ملهوفًا، ولم يردّ طالبًا للمساعدة، ولم يتردد في نصرة مظلوم، أو في تبنّي قضايا أصحاب الحاجات. وأجمل ما في جهده أنه لم يكن يملّ أو يتبرّم من كثرة ما يُعرض عليه من قضايا، ولم يضق ذرعًا بذوي المطالب، بل صار ذلك جزءًا من حياته، في حِلّه وترحاله، في المحن والملمّات، حيث كان الوجهاء والعقلاء يهرعون إليه بحثًا عن مخرج للأزمات.
وها نحن اليوم نشعر بالفراغ الكبير الذي تركه الشيخ عبدالله، ونحن نعيش أوضاعًا وأحداثًا كبيرة في مناطق شرعب، ولا سيّما الشريف، حيث لا يجد الناس مرجعًا يعودون إليه ويثقون بحكمته. كان ثقله الاجتماعي والسياسي، وماضيه وتاريخه، يفرضون الاحترام لرأيه، وحتى حين لا يُسمع له، كان العامة والخاصة يشعرون بالاطمئنان، ويقولون: "إن الشيخ لن يسكت على الباطل، ولن يقبل بالظلم"، وذلك - في حد ذاته - نوع من الأمن النفسي، وعامل مساعد في الاستقرار.
نشعر اليوم بالحزن والألم لأن أصواتًا طائشة لا تستطيع أن تقدم شيئًا مما كان يقدمه الشيخ، بحكمته وشجاعته وحسن معالجته للأمور بعقلانية وبُعد نظر.
سبعة وعشرون عامًا، وما زال الليل يرفض الانجلاء...
تغمّد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته مع الخالدين والأبرار.