بينما تواصل المدارس الحكومية في مختلف المحافظات اليمنية استقبال طلابها بشكل طبيعي، تعيش مدينة عدن أزمة تعليمية خانقة نتيجة استمرار الإضراب في المدارس الحكومية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل التعليم في المدينة وما إذا كان هناك توجه لتجهيل أبنائها. في الوقت الذي يُعد فيه التعليم الركيزة الأساسية لتقدم المجتمعات ونهضتها، يواجه طلاب عدن حرمانًا قسريًا من حقهم في التعلم، نتيجة خلافات مستمرة بين المعلمين والجهات المسؤولة.
واقع التعليم في عدن.. مدارس مغلقة ومستقبل مجهول
تشهد المدارس الحكومية في عدن إغلاقًا مستمرًا منذ بداية العام الدراسي الحالي، حيث امتنع المعلمون عن التدريس احتجاجًا على تردي أوضاعهم المعيشية وتأخر صرف مستحقاتهم المالية، في حين أن المدارس في بقية المحافظات مفتوحة، ويستمر الطلاب هناك في استكمال مناهجهم الدراسية بشكل طبيعي.
هذا الوضع أدى إلى إعاقة العملية التعليمية بشكل كامل في المدينة، مما دفع الكثير من أولياء الأمور إلى نقل أبنائهم إلى المدارس الخاصة، التي أصبحت الخيار الوحيد لضمان عدم ضياع العام الدراسي. ومع ذلك، فإن التكلفة المرتفعة للمدارس الخاصة تجعلها خيارًا غير متاح لعدد كبير من الأسر ذات الدخل المحدود، مما يترك آلاف الطلاب بلا تعليم، في وقت يواجه فيه اليمن تحديات جسيمة في قطاع التعليم بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة.
المعلمون: نطالب بحقوقنا والجهات المسؤولة لم تستجب
يرى المعلمون المضربون أن مطالبهم مشروعة وعادلة، حيث أكد عدد منهم في تصريحات لـ صحيفة عدن الغد أن أوضاعهم المعيشية أصبحت لا تطاق، في ظل تدهور سعر العملة وارتفاع الأسعار، مشيرين إلى أن رواتبهم لم تعد تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية، مما دفعهم إلى الدخول في إضراب مفتوح لحين الاستجابة لمطالبهم.
يقول المعلم علي ناصر، أحد المشاركين في الإضراب: "نحن نطالب فقط بحقوقنا. منذ سنوات ورواتبنا مجمدة، بينما الأسعار تتضاعف يومًا بعد يوم. كيف يُتوقع منا أن نؤدي عملنا في ظل هذه الظروف؟ لا يمكننا أن نستمر دون تحسين أوضاعنا."
أما المعلمة منى أحمد فتقول: "نحن ندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ونعلم أن الطلاب هم من يدفعون الثمن الأكبر، لكننا مضطرون إلى هذا الإضراب لأن أوضاعنا أصبحت لا تُحتمل. لا نريد تعطيل التعليم، لكننا نحتاج إلى حلول عادلة."
أولياء الأمور: مستقبل أبنائنا في خطر
من جانبهم، يعبر أولياء الأمور عن قلقهم الشديد إزاء استمرار إغلاق المدارس، حيث يقول محمد عبدالله، وهو ولي أمر لثلاثة طلاب: "لا نعرف إلى متى سيستمر هذا الإضراب، بينما في المحافظات الأخرى يواصل الطلاب دراستهم بشكل طبيعي. إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن طلاب عدن سيتخلفون عن أقرانهم في باقي المناطق، وهذا ظلم كبير بحقهم."
فيما تضيف أم خالد، وهي أم لطفلين: "اضطررنا إلى تسجيل أبنائنا في المدارس الخاصة رغم أن تكاليفها مرتفعة جدًا، ولكن ماذا عن الأسر التي لا تستطيع تحمل هذه التكاليف؟ هل كتب على أبنائهم أن يُحرموا من التعليم؟"
تجاهل رسمي وحلول غائبة
وسط هذه الأزمة، تغيب الحلول الجادة من الجهات المعنية، حيث لم تصدر أي قرارات حاسمة لمعالجة قضية المعلمين أو لإنهاء الإضراب، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويجعل مستقبل الطلاب أكثر ضبابية.
ويؤكد مراقبون أن عدم معالجة هذه المشكلة سيؤدي إلى نتائج كارثية، منها ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، وزيادة الفجوة التعليمية بين طلاب عدن وبقية المحافظات، وخلق جيل يعاني من نقص في المهارات والمعرفة، مما سيؤثر سلبًا على مستقبل المدينة ومستوى كفاءاتها العلمية والمهنية في السنوات القادمة.
المطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ التعليم في عدن
في ظل هذه الأوضاع، يطالب المواطنون والناشطون التربويون بضرورة تدخل الجهات الحكومية واتخاذ قرارات عاجلة لإنهاء الأزمة، وذلك عبر تنفيذ إصلاحات جذرية تشمل تحسين أوضاع المعلمين، وضمان استقرار العملية التعليمية، وإيجاد حلول تضمن استئناف الدراسة دون مزيد من التأخير.
ويؤكد التربوي محمود حسن أن الحل يكمن في فتح قنوات للحوار بين الحكومة والمعلمين للوصول إلى حلول توافقية تضمن حقوق جميع الأطراف، مشيرًا إلى أن التعليم هو أساس أي نهضة، وأي إهمال لهذه القضية سيؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد على المجتمع ككل.
ويظل التساؤل مطروحًا: هل هناك إرادة سياسية حقيقية لإنهاء هذه الأزمة، أم أن طلاب عدن سيبقون رهائن لهذا الوضع دون أفق لحل قريب؟