آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-03:03ص
أدب وثقافة

غموض ( قصة) الغمة الرابعة

الأربعاء - 19 فبراير 2025 - 03:44 م بتوقيت عدن
غموض ( قصة) الغمة الرابعة
بقلم / عصام مريسي

تتدافع نسمات الهواء يدفع بعضها بعضا حتى يشتد هبوب الرياح التي تكشف عن الخفايا المتوارية خلف المشاعر المستترة في عوالم النفوس الغائرة وعلى أطراف العرصة الغبراء تقف الأم تدافع رغباتها مخاصمة لنفسها على تفريطها في حقوقها تارة وأخرى على إندفاعها سباقا خلف رغباتها الدفينة في المتعة ولو كانت مشروعة ؛ تقف حائرة تقلب بصرها نحو الجهات الأصلية الأربع وما بينهما من توابع للجهات وحيدة تتقاذفها الذكريات الحلوة وتتبعها ذكريات مؤلمة والبؤس يلف سواد عينيها التي تحاول إخفاؤه حتى يسقط ردائها الأخضر التي طالما كان عنوانها الأبدي في نظر ولدها وكل عائلتها وحتى زوجها المتصف دوما بالصمت كان لا يخفي اعجابه بشالها الأخضر وإذا افتقده على رأسها ملفوف حول جبينها سأل عنه؛

لماذا نزعت مقرمتك ( الشال) الأخضر

سريعا اجابتها خوفا من عصبيته وانفعاله الدائمين غير المبررين:

غسلته ونشرته حتى يجف

ينظر الأبن الغارق في مفارقات الحياة التي جمعت أمه الشابة الصغيرة المتعطشة للحياة بوالده العجوز الحانق لكل ما يدور حوله وهو ملقى في حضانة الرعاية للمواليد الخدج وانابيب الغذاء والدواء تصب مخزونها إلى نواحي من جسده .

مازال يجلس على مقعد القيادة ويحاول الإلتفاف للخلف والظلام يخيم على المكان والسكون يترجم عدم وجود الحياة غير أنفاسه المتصاعدة بين شهيق وزفير والأضواء المنبعثة من كشافات سيارته تنطلق نحو الأفق حتى يغيب بريقها وظل الصخور والأشجار الباسقة يتهاوى على الطريق كأنها شهب تتقاذف نحو الأرض حتى بدأ الضوء يقف امامه ويتصاعد نحو الأعلى كانه يحجز ولا يستطيع أن يتقدم فينحصر رويدا ويتكتل في زاوية ضيقة يتوقف ويترجل عن السيارة يتفحص المكان ويخوض غمار الضوء تحيطه الجمادات من حوله وظلها وضجيج الطبول التي تقرع وأصوات المنشدات المبحوح يصدحن بأهازيج زفة العرس:

قمري شل بنتنا.. قمري شلها وراح

والشابة الغارقة تارة بين الحزن وأخرى الفرح تجر قدميها كأنها تساق إلى مقصلة تقص رأسها.

يصرف نظره إليها تتراءى لها تارة عروس في أبهى زينتها وكل من حولها يقدم لها الهدايا المصحوبة بالتبريكات والقبل وهي في حالة من الخجل تكسو خديها الحمرة وسريعا تبدو مرتدية السواد وكأنها في موكب من الحزن المتلاحق ودموع عينيها قد خطت مجرى على وجنتيها وعلاها الهم والألم ورغم كل ما أصابها مازالت تبدو جميلة وبراقة.

يتقدم نحو بؤرة تجمع الضوء فيشتد الخناق ويضيق المكان وكأن كل شيء حوله يسير نحوه ويقترب من بعضه البعض حتى يضيق المكان يحاول الإندفاع نحو الجهات الأربع فيشعر بالحصار ينتابه احساس بالضيق فيصرخ وتتصاعد القوة في جسده فينزع كل الأنابيب الطبية المتصلة بجسده و ينهض من فراشه ويشد مئزره حول خاصرته و يضع الكوفية الزنجباري على هامته ويلف حولها كشيدته ( الشال) يمد كفه نحو ناحية من زوايا منزله العتيق( الممرج ) المطلي بالطين وينتزع ( الباكورة) العصا التي كان يستخدمها والده لا ليتعكز عليها ولكن لتظهر سيادته و هيبته ويشعر كل من يتجرأ او تسول له نفسه ذلك أن عقابه يسير فالعصا تقسم ظهر كل باغ .

يسير في زهو وكل الأنظار تتجه إليها في حالة من المهابة المشوبة بالمحبة و الاحترام وهو يلقي التحية لكل من يصادفه في طريقه المصحوبة بالدعابة متفقدا احوالهم:

السلام عليكم

ويتلقى التحايا وشكاوى الحضور بسعة صدر،:

عشت يا عم

واخر:

تسلم يا شيخ

وكلما وقعت عينه على نقص يتقدم يحاول اكماله ودعوة الحاضرين للمشاركة في العمل.

تنطفئ الأنوار وتحيط به الجمادات من كل ناحية فالطريق مغلق والعقبات تتوالى والحاقدون يحيطون بمنزله والطاعمون يتهافتون للاستيلاء على تركته التي خلفها لزوجه وولده الصغير القاصر ليتسلطوا على أهله وماله:

لقد مات

يبدو أسفهم ونفوسهم تتعطش لأخذ مكانه واستنزاف كل تركته واخضاع اهله بنية التقرب وتقديم العون.

تنهض العروس تنزع طرحة العرس البيضاء المرصعة بالمجوهرات التي ابهرته وهلة من الزمن وتعود ترتدي شالها الأخضر وهي تصرخ:

ارحلوا .. لن اعقد صفقة زواج مع أي خاطب

ساعيش راعية ولدي وداري وحدي

هيا.. غادروا المكان

يتردد صدى صوتها في كل مكان حتى يفزع الغرباء وينكصوا على اعقابهم


عصام مريسي