آخر تحديث :الجمعة-21 فبراير 2025-09:33م
ملفات وتحقيقات

عدن بين شبح الانفجار وتكرار مشاهد التاريخ: أزمة الشرعية وصراع المصالح الإقليمي والدولي

الخميس - 20 فبراير 2025 - 01:43 ص بتوقيت عدن
عدن بين شبح الانفجار وتكرار مشاهد التاريخ: أزمة الشرعية وصراع المصالح الإقليمي والدولي
تقرير/ جمال جابر الحميدي:

تشهد مدينة عدن وبقية مناطق سيطرة الحكومة الشرعية حالة احتقان متصاعدة، تغذيها أزمات اقتصادية خانقة، وانهيار شامل للخدمات، وفساد مستشري في مفاصل الدولة. الشارع الغاضب، الذي ضاق ذرعًا بسياسات التجويع والإفقار، بدأ في التعبير عن سخطه عبر موجات من المظاهرات والاحتجاجات التي تحمل في طياتها نذر انفجار شعبي واسع، قد يعيد إلى الأذهان مشاهد ما قبل 2011، حينما تراكم الفشل والفساد ليُشعل شرارة الثورة ضد نظام صالح.


عدن في قلب الأزمة: انهيار اقتصادي وفوضى أمنية خانقة


هذه المرة، تبدو الأزمة أعمق وأكثر خطورة من تلك التي سبقت 2011؛ فالانهيار الاقتصادي بلغ مستويات كارثية وغير مسبوقة، حيث تهاوت العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها، وارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني، وسط تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، في مشهد ينذر بانفجار اجتماعي كبير.


وعلى الصعيد الأمني، تعاني عدن من حالة فوضى غير مسبوقة، حيث أصبحت المدينة تعاني من ضعف الجانب الأمني بسبب الصراع بين الاطراف السياسية ، والتي تتبع جهات مختلفة بولاءات متباينة، ما جعل التنسيق بينها شبه معدوم ، في ظل غياب دولة القانون وسيطرة مراكز القوى والنفوذ .


الأحزاب واستغلال الفوضى لتعزيز النفوذ


في خضم هذه الأزمات، تحاول بعض الأحزاب والقوى السياسية استغلال حالة الفوضى والانهيار لصالح أجنداتها، فتغذي الصراعات القائمة، وتستثمر في حالة الاحتقان الشعبي لتمرير مشاريعها السياسية، سواء عبر اختراق الحراك الشعبي، أو تأجيج الخلافات بين الأطراف المتصارعة، مستفيدة من الانقسام السياسي والتباين بين المكونات الأمنية والعسكرية في عدن ومحيطها من بقية المحافظات الجنوبية .


هل يعيد التاريخ نفسه؟ من مشاهد 2011 إلى حاضر ملتهب


ما يجري اليوم يحمل الكثير من ملامح المشهد الذي سبق ثورة فبراير 2011. آنذاك، كان الفساد والتدهور الاقتصادي عنوانًا، وكانت الطبقة السياسية متخمة بخلافاتها وتقاسمها للنفوذ، حتى انفجر الشارع. لكن الفارق اليوم أن الصراع أكثر تعقيدًا، والمشهد أشد تشرذمًا؛ فبدلًا من مركزية الحكم في صنعاء، أصبح القرار موزعًا بين مجلس قيادة رئاسي مفكك، وأطراف سياسية متناحرة، كل منها يحمل مشروعًا مختلفًا وولاءً لداعميه الإقليميين.


هل نحن أمام صراع داخلي أم معركة نفوذ إقليمية ودولية؟


يتساءل كثيرون: هل الأزمة الحالية هي نتيجة طبيعية لفشل حكومة الشرعية وتباين مشاريع أطرافها؟ أم أنها انعكاس لصراع إقليمي ودولي أعمق؟ الحقيقة أن كلا العاملين متداخلان:


1. تباين مشاريع أطراف مجلس القيادة الرئاسي:


هناك أطراف ترى أن حل الأزمة هو استعادة الدولة كاملة تحت مظلة مركزية.


يقابلها مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يدفع نحو الانفصال واستعادة دولة الجنوب.


وبين هذا وذاك، تتضارب أجندات القوى الشمالية والإسلامية التي تتبنى مشاريع مختلفة، بعضها يراهن على بقاء نفوذه تحت عباءة الشرعية.




2. الفوضى الأمنية وتعدد الولاءات العسكرية:


تعاني عدن من تعدد الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تعمل دون تنسيق أو قيادة موحدة.


يعود هذا التشتت إلى اختلاف ولاءات تلك الأجهزة، التي تنقسم بين من يتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن يتبع أطرافًا محسوبة على الشرعية أو قوى سياسية أخرى.


أدى هذا الوضع إلى جعل عدن ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية، مما زاد من معاناة المواطنين.




3. استغلال الأحزاب السياسية للأزمة:


تحاول بعض الأحزاب، وفي مقدمتها القوى التي فقدت نفوذها في الجنوب، الاستثمار في الفوضى الحالية لتعزيز وجودها.


تعمل هذه القوى على تغذية الصراعات وتأجيج الاحتجاجات بما يخدم مصالحها السياسية، دون اكتراث لمعاناة المواطنين.




4. الصراع بين الإمارات والسعودية:


برزت مؤشرات واضحة على تباين المصالح بين الرياض وأبوظبي.


تدعم الإمارات المجلس الانتقالي، بينما تحاول السعودية فرض نفوذها عبر قوى أخرى، مما جعل عدن ساحة لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية بين الحليفين.




5. الصراع الدولي على الثروة والممرات الاستراتيجية:


إلى جانب التنافس الإقليمي، تدخل أطراف دولية على الخط، إذ تتسابق شركات نفطية كبرى وقوى عالمية على بسط نفوذها في مناطق الثروة النفطية والموانئ الاستراتيجية، مستغلةً الفوضى السياسية والأمنية .





سيناريوهات محتملة: إلى أين تتجه عدن؟


في ضوء هذه المعطيات، يمكن استشراف عدة سيناريوهات:


1. سيناريو الانفجار الشعبي الشامل:


إذا استمر تردي الأوضاع الاقتصادية، فقد تتحول الاحتجاجات إلى انتفاضة شعبية واسعة.


لكن هذا السيناريو يحمل خطر انزلاق عدن إلى حالة من الفوضى الأمنية، خاصة مع انتشار السلاح وتعدد القوى المسلحة.




2. سيناريو انهيار حكومة الشرعية وتفكك مجلس القيادة الرئاسي:


مع استمرار الصراعات الداخلية، قد ينهار مجلس القيادة الرئاسي، ما سيفتح الباب أمام قوى جديدة لمحاولة فرض نفوذها، سواء عبر انقلاب سياسي أو تحالفات جديدة.




3. سيناريو التوافق الإقليمي المفاجئ:


رغم الخلافات، قد تتوصل السعودية والإمارات إلى تسوية تضمن تقاسم النفوذ وإعادة ترتيب المشهد في عدن، لكن هذا سيكون على حساب إرادة الشارع اليمني.




4. سيناريو الصراع الدولي المفتوح:


إذا تصاعد التنافس الدولي على النفوذ والثروة، فقد نشهد مرحلة جديدة من الصراعات بالوكالة، مع دخول قوى دولية أخرى على خط الأزمة، مما يجعل عدن مسرحًا لصراعات تتجاوز حدود اليمن.





هل تنبثق قوى جديدة من رحم الأزمة؟


من رحم الأزمات تولد عادة حركات سياسية جديدة تعبر عن تطلعات الشارع بعيدًا عن عباءة الأحزاب التقليدية. ومع تزايد الاحتقان الشعبي، قد يظهر تيار سياسي مستقل يتبنى خطابًا وطنيًا جامعًا، يرفض الوصاية الخارجية ويطالب بحل شامل ينطلق من إرادة الشعب، لا من مصالح القوى المتناحرة.


ختامًا:


عدن اليوم تقف على مفترق طرق خطير. بين مطرقة الفشل الداخلي وسندان الصراع الإقليمي والدولي، باتت الخيارات كلها مفتوحة. لكن المؤكد أن استمرار تجاهل صوت الشارع وعدم معالجة الأزمة الاقتصادية والسياسية والفوضى الأمنية سيقود حتمًا إلى انفجارٍ قد يعيد تشكيل المشهد برمته، وربما يعيد كتابة التاريخ بمشهد مغاير تمامًا عن حسابات المتصارعين.


جمال جابر الحميدي

رئيس مجلس الحراك المدني