تمر الأيام، وتتعاقب السنون، لكن بعض الأسماء تأبى أن تغادر الذاكرة، وبعض المواقف تظل محفورة في سجل التاريخ بأحرفٍ من نور. في الذكرى الثالثة لرحيل اللواء الركن عبدالله أحمد الصبيحي، نقف أمام رجلٍ لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان روحًا نابضة بالشجاعة، وضميرًا متقدًا بالولاء، ورمزًا خالدًا للبطولة والتضحية.
رجلٌ لا يهاب الصعاب
لم يكن اللواء الصبيحي رجلًا عابرًا في ميادين القتال، بل كان فارسًا يسبق الصفوف، لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلًا، ولا يتراجع أمام التحديات. في معركة السهم الذهبي، حين كان الوطن يئن تحت وطأة الظلم، وحين ساد الظلام في عدن تحت سيطرة مليشيات الحوثي، كان عبدالله الصبيحي من أوائل القادة الذين لبّوا نداء الواجب، فقاد جحافله إلى النصر، وانتزع الحرية من بين أنياب الطغيان.
لقد كان نموذجًا للقيادة الحكيمة التي لا تخضع إلا لضميرها، ولا تنحني إلا لراية الوطن. لم يكن يبحث عن الألقاب، ولا يسعى خلف الأضواء، لكنه كان يضيء الطريق لمن حوله بشجاعته وتفانيه. كان قائدًا يشارك جنوده في الميدان، يتحمل المشقة قبلهم، ويدفع ضريبة الوفاء بعرقه ودمه.
رحيلٌ لا يمحو الأثر
حين ترجل الفارس عن صهوة جواده، لم يترك خلفه فراغًا فحسب، بل خلّف إرثًا من القيم والمواقف التي لا تُنسى. لقد كان عبدالله الصبيحي رجلًا من معدن نادر، رجلًا اجتمعت فيه النخوة والكرم والإيثار. كانت شجاعته تُلهم من حوله، وكان كرمه يسبق اسمه، فكان الأب الحاني، والقائد العادل، والصديق الوفي.
في كل محطةٍ من محطات حياته، كان حاضرًا بروحه النقية، وقلبه الذي لم يعرف الحقد، وإرادته التي لم تعرف الانكسار. ظل شامخًا حتى آخر لحظة، مؤمنًا بقضيته، وفيًا لوطنه، مضحيًا بروحه فداءً لما آمن به.
ستظل ذكراه خالدة
ليس الموت هو النهاية، فبعض الرجال يرحلون لتبدأ حكاياتهم في الخلود. سيبقى اسم اللواء الركن عبدالله الصبيحي حيًّا في ضمير الأحرار، محفورًا في وجدان كل من عرفوه، مضيئًا في صفحات التاريخ كنجمٍ لا يأفل.
في ذكراه الثالثة، نقف بإجلال أمام هذا البطل الذي اختار الطريق الصعب، وسار فيه حتى النهاية. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل مثواه الفردوس الأعلى.
سلامٌ عليك يا ابا سمير أيها القائد النبيل... وسلامٌ على كل الشرفاء الذين وهبوا أرواحهم للوطن، ولم ينتظروا شيئًا في المقابل.
------
✍️ عبدالعزيز الحمزة
السبت ٢٢ فبراير ٢٠٢٥م