يحزنني حقاً ذلك النشاط الاعلامي الملحوظ من بعض الكتّاب والصحفيين من ابناء المحافظات الشمالية خصوصا المنتمين للفكرة الاممية ، وذلك ضد عدن اولا ًوضد المقاومة الجنوبية ثانياً .
كنت اعتقد ان زملاء المهنة والهم الانساني مثقفون بدرجة تحصنهم من الوقوع في فخ المناطقية ، وأنهم دعاة دولة ومدنية وتعايش حضاري وإنساني ، وان رابطا أمميا يجمعنا ، وطموحات مشتركة بحياة مليئة بالكتب خالية تماماً من البارود ، ولا يهم في اي بقعة جغرافية سنحقق تلك الطموحات ، او كما كنا نبدو متفقين في كثير أوقات ان عدن كمدينة جامعة للإنسان بغض النظر عن انتمائه المناطقي والعرقي والأيدلوجي ان وجد ، هي وحدها كفيلة بإجتذاب تعاطفنا معها والاصطفاف للذود عنها بإعتبارها اخر معاقل التمدن والتعايش الانساني وآخر أحلامنا وأن لم ننتمي اليها ، بل يكفينا ان تظل جذوة متقدة بالمدنية والتعايش الانساني والحضاري ومنها نقتبس نورا .
ومما لا شك فيه ان المواقف الباردة لزملاء ورفاق الطموحات العدنية حيال عدن وما عانته من تنكيل وإقصاء وقتل روحها المدنية طيلة عشرون عاما الماضية كان يؤجج إحباطي شخصياً ، لكن ان يصل الحال بهم الى ان يتخندقوا خلف مناطقية نتنة ويعمدوا الى التشفي نتيجة ما تعانيه عدن من قتل وإرهاب يومي بل يذهبون الى كيل الاتهامات لأهلها وكذلك لكادحي المقاومة الجنوبية من انهم سبب كل ما تعانيه عدن ، بات أمراً لا يدع مجالا للشك من انهم ليسوا اقل إرهابا من الدولة العميقة والخلايا النائمة للرئيس السابق ونظامه البائد ، وان الجميع مشترك في قتل عدن كلا ًبطريقته وأدواته.
ان ما يثير الغرابة هو ان يؤمن هؤلاء بالمبادئ والقيم الداعية الى حق الشعوب في الحرية والاستقلال والبحث عن دولة ضامنة لتحقيق طموحاتهم بحياة يسودها الدستور والقانون والعيش الكريم ، ثم يقفون في صف واحد مع اقطاعييهم ومليشياتهم ضداً لمشروعية ابناء الجنوب في العودة الى "دولتهم " .
يا هؤلاء ان امر استعادة ابناء الجنوب لدولتهم هو المدخل الرئيس لتحقيق طموحاتنا الواسعة في الشمال والجنوب على حد سواء ، وهنا وجب التذكير بان المقاومة الجنوبية الذاهبة باتجاه استعادة " دولة " لا استعادة مشيخة او ميليشيا تضعكم في مأزق ضمائركم المثقفة كما تدّعون ، وان أمر الانتصار لها ولمطالبها المشروعة يعنيكم قبل ابناء الجنوب أنفسهم ، ذلك تقديرا لما تؤمنون به من أفكار محرضة على الانعتاق والحرية والمعرفة والدولة المحققة لتلك الأهداف السامية .
ان كُنْتُمْ مثقفين حقاً فأعيدوا لعدن تاريخها الماجد ، اين منكم القومية والاشتراكية ومعهد جميل غانم وباذيب ودار رامبو والكنائس والعيدروس وزكّو والتلال ... ؟ ، اكتبوا عن عدن العامة والعميقة جدا والسامقة جدا جدا .. وان لم يكن لكم في مستقبلها نصيب .. انها عدن رمز انسانيتكم .