آخر تحديث :الثلاثاء-11 فبراير 2025-11:47ص

البحث عن الجذور 

الأحد - 19 يونيو 2022 - الساعة 11:14 ص
فضل علي مندوق

بقلم: فضل علي مندوق
- ارشيف الكاتب


البحث عن الجذور 
Searching for  the roots....
مقالة بقلم: م/فضل مندوق.

     تنشغل الأوساط السياسية والحزبية والمذهبية في اليمن في الوقت الراهن بمجريات الأحداث المتسارعة في الشأن الداخلي، وخاصة بعد الأحداث المخطط لها في عام 2011م، والتي سميت باسم (الربيع العربي) والتي رسمتها قوى استخباراتية إقليمية وبايعاز دولي، وتم تنفيذها باياد يمنية مختلفة ومتناقضة فكرياً ومذهبياً، لا يجمعها سوى عداءها لنظام حكم علي عبدالله صالح، الذي حكم اليمن منذ عام 1978م، بدء ذلك النزاع على الحكم حينما هيئ النظام ورموزه المقربين للحكم الأسري، قبل ذلك بعدة سنوات، وكانت تلك التهيئة بمباركة دول الجوار ودعم غربي، وعلى راسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
   لم يكن لذلك المخطط أن ينفذ لولا تواطئ حلفاء النظام ورموزه في الداخل من القوى القبلية المتنفذة في مناطق شمال اليمن وقوى  أخرى في مناطق الجنوب تنادي بفك الارتباط، وبدعم خارجي من دول الجوار... فقد ارتكب نظام علي عبدالله صالح سلسلة من الأخطاء السياسية والعسكرية القاتلة أثناء فترة حكمه للبلاد،  فقد مارس النظام وقواه المتنفذة جرائم بشعة بحق الشعب، من خلال نهب ثروات الأمة والسيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية، كما مارس عمليات الإقصاء و التهميش والتمييز المناطقي، مما نتج عنه خلق صراعات خطيرة هددت بتمزيق النسيج الاجتماعي وإضعاف روح الانتماء للوطن الذي كاد أن يكون موحداً لولا تلك الأخطاء الكارثية والتي نشات بعد إعلان الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، واستعر لهيب هذا الصراع بين المكونين الرئيسين للسلطة الاسمية حينها، حتى انفجر الوضع في عموم اليمن عام 1994م.
  لم يحاول النظام الحاكم بعد انتصاره على القوى المناوئة له والداعية إلى فك الارتباط كما سميت حينها،  ولم يتجنب الأخطاء السابقة التي أدت الى الحرب الوطنية، بل على العكس من ذلك تبنى المزيد من سياسات الضم والإلحاق ورفض المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة، ولعب على حبل التوازنات المناطقية، وشراء الذمم للمحافظة على بقائه وتوريثه للحكم.
  خلال فترة حكم نظام علي عبدالله صالح لليمن، حاول النظام ممارسة سياسات برجماتية متناقضة، وتوجه نحو تحالفات إقليمية معادية لبعض دول المنطقة، وكان النظام يسير باستراتيجية متخبطة وفاقد للبوصلة السياسية الدقيقة، وفقد مصداقيته كثيرا بعد حرب الخليج الثانية، فاستعدى دول الجوار، ودخلت اليمن في أزمات اقتصادية متتالية ترتب عنها تهيئة الظروف لتغييره والانقلاب عليه والانتقام منه نتيجة لمواقفه المتذبذة والمعادية لتلك الدول التي ما فتئت إلا أن يكون اليمن مستضعاً وخانعاً لإرادتها وتابعاً لسياستها.  
    اليوم،  وبعد مرور خمس سنوات من إغتيال (صالح)، وبالرغم من الفساد الذي مارسه ذلك النظام، إلا ان الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ازدادت سواءا وفقدت اليمن سيادتها على أراضيها، وسيطرت المليشيات المسلحة المدعومة من القوى الإقليمية المتربصة دوما على تفتيت اليمن إلى أجزاء مختلفة تحت مسميات عدة.
  أن التدخل الأجنبي للبلاد كان معد له مسبقاً، إذ تشير تلك التدخلات منذ ما قبل عام 2004م إلى وجود مخطط رهيب لتقسيم البلاد وتسليمها لقوى إقليمية متناحرة... هذا المشهد القريب للأحداث ... بينما واقع الأمر اليوم يكشف بما لا يدع مجالا للشك أن السيناريو القادم هو الابشع ... فالصراع على منطقة حيوية واستراتيجية جدا من العالم لم يكن مثار اهتمام القوى الاستعمارية القديمة فقط منذ قرون مضت، بل هو صراع أزلي وسيظل كذلك بين المستعمرين الجدد  المتنافسين على تجارة الشرق والغرب من خلال السيطرة على وسط العالم والتحكم بطرق التجارة... إن الصراع الحقيقي اليوم هو صراع على ميناء عدن، وموقعه الإستراتيجي  كمنفذ بحري وحيد وبوابة رئيسية بين الشرق والغرب.  
 إن ما نشهده اليوم من حراك سياسي وعسكري وإعلامي في المنطقة ما هو إلا تهيئة لتسليم جزء مهم من الوطن اليمني لقوى ادعت سابقآ انتماءها التاريخي  وارتباطها الجذري والديني كسكان اصليين لجنوب اليمن،  هذا التحرك الذي بدأ بإذكاء روح الانتماء الحقيقي للإسرائيليين على أساس عرقي ومكون أصيل للقومية اليمنية القديمة، ودعم تلك الادعاءات بنصوص دينية من التوراة والإنجيل وبروز بعض المؤرخين العرب والأجانب لدعم هذا التوجه وربطها بنظرية أن جذور سيدنا إبراهيم أصله من اليمن... كل ذلك يشير إلا أن المخطط القادم هو فصل منطقة بعينها لتكون مهد جديداً لعودة الديانات القديمة  وعلى وجه الخصوص الديانة اليهودية وعودة الإسرائيليين كسكان ذوي انتماء تاريخي لليمن (1) وتجريف من تبقى من أجناس لا صلة لها بذلك العرق... 
إننا اليوم امام واقع جديد سيعصف بالمنطقة والعالم... وسيخلق كيانات أخرى منسجمة مع بعضها البعض على أساس ايدولجي وديني ومذهبي، وتقسيم المقسم وتفتيت ما دون ذلك.... 
    اذا لم تعي الأمة لهذا السيناريو فإن مقولة إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة ארץ ישראל השלמה (2), من المحيط إلى الخليج ستكون أمرا واقعاً خلال السنوات القليلة القادمة.
(1): يمكن العودة إلى الأبحاث التاريخية التي نشرها الأكاديمي العراقي المتخصص في علم الاثار والانثروبولوجيا الدكتور/ فاضل الربيعي مؤخراً.
(2):  ארץ ישראל השלמה: أرض إسرائيل الكبرى هو مصطلح جيوسياسي وأيديولوجي في تاريخ الأمة اليهودية و الحركة الصهيونية وفي سياسة دولة إسرائيل، التي تشير إلى أرض إسرائيل ضمن حدود تاريخية موصوفة في مصادر توراتية أو تاريخية ، وترى هذه الحدود على أنها الحدود المرغوبة للدولة اليهودية أو دولة إسرائيل. 
        عدن.
18/يونيو/2022م