آخر تحديث :الثلاثاء-11 فبراير 2025-11:47ص

أدخلوا مصر آمنيين !!

الأحد - 21 مايو 2023 - الساعة 01:25 م
محمد علي محسن

بقلم: محمد علي محسن
- ارشيف الكاتب


دعاني صديقي الرائع صالح علي الفقيه الشاعري إلى مقابلته في العشرين في شارع الفيصل ؛ فذهبت إليه ووجدته يعيش في اليمن .
فأغلب محيطه يمانيون ، في قهوة العمدة وجوها شاحبة تشبه جبال اليمن في الشتاء ، تتناول مأكولات ومشروبات يمنية . أذَّن لصلاة المغرب فولجنا جامع الصلاة الذي يؤمُّه شيخًا مصريًا بينما معظم  المُصلِّين يمنيين .
وأثناء تجوالنا في الحي ، حدَّثت مستضيفي " أبو جهاد " أنني أعيش في الخرطوم ، فالعمارة والحي الذي نزلت فيه يعجُّ بالأشقِّاء السودانيين النازحين ، وما أطيب هؤلاء البشر ، وما أجمل روحهم !! .

بعد الصلاة عزمني مضيفي على عشاء في مطعم يمني ، قال لي أنَّ صاحبه من أبين ، وأنَّ والده من نازحي حرب ٩٤م إلى سوريا ، وكان أن فتح هناك مطعمًا للمأكولات اليمنية إلى أن حلَّت الحرب ، فنزح الإبن مع الآف النازحين السوريين إلى مصر .

مطعم بسيط قدم لنا طبقًا شهيًا ، وجبة عشاء مكونة من خبز موفأ وتوابعه من حلبة ومرق  ، ما لفت نظري هو الدجاج المشوي بالحجارة وفق طريقة يمنية شهيرة لطباخة اللحم المضبي . 
صاحب المطعم أقبل نحوي مبتسمًا  : أنت الذي كنت تكتب في صحيفة " الأيام " ، فأومت له بالإيجاب ، قائلًا  : كانت أيامًا ".

انصرفنا إلى مطعم مجاور ، شربنا الشَّاي العدني ، وزاد الشيخ صالح أن أصرَّ علي بطعم ولو حبة خمير ( باخمري) ، لذيذ جدًا عندما يؤكل ساخنًا مع الشَّاي بالحليب  .

وفي داخل وفناء المطعم رأيت وجوهًا هرمت وشاخت في المنفى أو النزوح ، وما أثار حفيظتي هو رؤية نساء يمنيات يتسولنَّ السابلة ، ولا أعلم كيف وصلنَّ هنا ؟! ومع هذه المأساة أطفأت حرقتني بكلام الله : وأمَّا السآئل فلا تنهر ".
المهم يشعر الواحد وكانّه في اليمن ، أجواء اعتيادية روتينية اعتادها أحفاد سبأ وحمير ، جبلوا مزاولة حياتهم طوال أعوام نزوحهم إلى بلاد مصر العزيز .

وكم كانت المحروسة بالله كريمة للغاية مع الوافدين ، فلم تضعهم في معسكرات أو مخيمات للاجئين ، بل وأعطتهم كامل حقوق المواطنة .
كما أن مصر لم تضق بهم أو تتعامل معهم كغرباء ، تحسرت على ذاتي وعلى بلادي التي يخجل الإنسان من ذكر قسوة ما يحدث للنازحين اليمنيين داخل وطنهم  .

وقبل أن أطفق عائدًا ابتعت علبتي حليب الممتاز بخمسين جنيه من محل يافطته تشير إلى بيعه لمواد غذائية يمنية ومصرية ،قلت مازحا لأبي جهاد : وداعا يا صاحبي ، سأغادر اليمن إلى السودان ، والله يعينك يا مصر ، وما أعظمك يا شعب مصر  .

وداعا يا أهل اليمن ، سأعود الآن إلى الخرطوم ، عذرًا إلى أول الفيصل حيثما يمتزج النيل الأزرق بالنيل الأبيض ، وفي مشهد عربي انساني أخلاقي قلَّما تعثر عنه في أي بلد آخر ..

محمد علي محسن
القاهرة 
٢١ مايو ٢٠٢٣م