آخر تحديث :الثلاثاء-11 فبراير 2025-12:08م

انتصار الثورة السورية: ملحمة الخلاص والحرية

الإثنين - 09 ديسمبر 2024 - الساعة 11:09 ص
فضل علي مندوق

بقلم: فضل علي مندوق
- ارشيف الكاتب


بقلم: م/ فضل علي مندوق


مع فجر الثامن من ديسمبر 2024، تجلت لحظة فارقة في تاريخ الشعب السوري، الذي حمل آلامه وأوجاعه على أكتافه، ليخط بدمائه مسارًا جديدًا نحو الحرية والانعتاق من ظلم استمر لعقود. لم يكن هذا التغيير مجرد انتصار سياسي أو عسكري، بل هو تتويج لرحلة طويلة من الصبر والتحدي، رحلة اختار فيها الشعب السوري أن يصمد في وجه كل أشكال الظلم والاستبداد. في تلك اللحظة التاريخية، توحدت القلوب، وتلاقت الأرواح على حلم مشترك: حلم بالتحرر من قيد الطغيان وبناء وطن يعم فيه السلام والعدالة. صدحت أصوات النصر من أنحاء الوطن، متحدّة في وجه الظلم، ليظهر للعالم أن إرادة الشعوب، متى تجمعت وتوحّدت، قادرة على صنع واقع جديد مهما كانت الظروف.


الطغيان والموت البطيء


لسنوات طويلة، ساد حكم بشار الأسد سوريا بقبضة حديدية، فاعتمد على القوة العسكرية والشرطة السرية للهيمنة على الشعب. كان يرفع شعارات مزيفة تخفي وراءها واقعًا مريرًا من القمع والتسلط، ظنّ أنه قادر على أن يظل في السلطة إلى الأبد. استمر النظام في استغلال موارد الدولة في قمع شعبه، وظل يتبع سياسة استبدادية عنيفة، تستخدم السجون والمعتقلات كأدوات للترهيب ولمنع أي محاولة للمطالبة بالحرية. كما استخدم البراميل المتفجرة التي كانت تسقط على المناطق السكنية، داعمة بذلك سياسات التدمير الشامل التي استهدفت الإنسان والمكان معًا. كان الأسد وأعوانه في طليعة من يعملون على تجويف مفهوم العدالة، وبناء نظام استبدادي يحكمه الفساد ويغطيه الخوف. تلك الهيبة التي حاول النظام تجسيدها لم تكن سوى غطاء هش يخفي الفساد المستشري، ويرتدي ثوبًا زائفًا من القوة المزعومة. مع مرور الوقت، بدأت الحقائق تنكشف تدريجيًا، ليظهر للعالم كله أن هذه الهيبة لم تكن إلا وهمًا، وأن هذا النظام الضعيف الذي يحاول التمسك بالسلطة لا يمكنه أن يدوم.


مآسي السجون وصمود الأسرى


في ظل هذا الاستعباد السياسي، تحولت السجون في عهد النظام إلى أماكن مليئة بالعذابات والمآسي، حيث عانى المعتقلون من شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. كانت الزنازين الباردة والأماكن المعزولة تحت الأرض شاهدة على سنوات طويلة من الألم أولئك الأبطال من رجال ونساء وأطفال، الذين تم تعذيبهم لتدمير أرواحهم وكسر إرادتهم ، ومن بين تلك الجدران الباردة، وداخل ذلك الظلام الدامس، انبثقت قصص بطولية تجسد صمود الإنسان أمام أعتى أنواع القهر. لم يكن المعتقلون مجرد ضحايا للظلم، بل أصبحوا رموزًا للحرية، وجودهم كان شهادة حية على أن كل نظام قمعي له موعد مع الانهيار، والظلم، وإن ظل طويلاً، يواجهه الشعب بحقيقة لا مفرّ منها. وعلى الرغم من الوحشية التي مورست ضدهم، ظل الأمل ساطعًا في قلوبهم، مؤمنين أن الحرية آتية مهما طال الزمن.


هيئة تحرير الشام: القيادة الحكيمة


في هذه الأوقات الصعبة، برزت هيئة تحرير الشام كقوة سياسية وقيادية ناضجة جسدت آمال وتطلعات الشعب السوري في مواجهة الظلم. عبر خطة استراتيجية محكمة وقيادة حكيمة شجاعة، نجحت الهيئة في توحيد مختلف القوى الثورية تحت راية واحدة، مما أعاد الأمل إلى قلوب السوريين الذين أصبحوا يرون في هذه الهيئة رمزًا للالتفاف حول هدف واحد، هو تغيير النظام الظالم وبناء وطن جديد. أحد أبرز إنجازات الهيئة كان تحرير المعتقلين من قبضة النظام، حيث خرج الأبطال من السجون حاملين راية التغيير، ليؤكدوا أن الأمل لا يموت أبدًا، وأن الحرية تأتي بعد معاناة وصبر طويل. هذه الخطوة شكلت علامة فارقة، وبات حلم التغيير وشيك الحدوث.


الثورة السورية: درس للشعوب المظلومة


مع سقوط الأسد، انقشع ظلام الطغيان عن سوريا، ليعلن الشعب الحر انتصاره على قوى الاستبداد، ويثبت أن الشعوب حين تتحد، قادرة على كسر قيود الظلم وبناء مستقبل أفضل. أثبت الشعب السوري أن الطغيان لا يستطيع أن يظل قائمًا إلى الأبد، وأن القهر والذل مهما طال، لا بد أن ينهار في النهاية. هذا الانتصار لم يكن فقط للشعب السوري، بل هو رسالة موجهة إلى كل الشعوب المضطهدة في أنحاء العالم بأن الأمل حقيقي، وأن المستحيل يمكن تحقيقه بالإرادة والعزيمة والتضحية. شهد العالم أن الشعب السوري الذي صمد في وجه كل أشكال القمع والتعذيب، بما في ذلك الهجمات الوحشية مثل البراميل المتفجرة، استطاع أن يحقق حلمه في الحرية، وأن هذه الحرية هي حق لكل إنسان على وجه الأرض.


سوريا المستقبل: تحديات وآمال


الآن، وبعد هذا الانتصار الكبير، يقف الشعب السوري أمام مرحلة جديدة في تاريخه، مرحلة تتطلب العمل الجاد والمثابرة لإعادة بناء وطن مزقته سنوات من الحرب والدمار. إن مهمة بناء سوريا الجديدة لا تقتصر فقط على إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، بل تمتد لتشمل إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري، ووضع أسس دولة قادرة على احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامة كل مواطن. إن هذه المرحلة ليست مجرد تحديات سياسية أو اقتصادية، بل هي فرصة ذهبية لكتابة فصل جديد في تاريخ سوريا، فصل يتأسس على العدل والمساواة، فصل يحقق فيه السوريون حلمهم في دولة ديمقراطية تحقق العدالة وتضمن المساواة بين الجميع.