لا تبعد الحكمة والمثل الشائع على أشكالها الطيور تقع فلم يرى حمام تنخرط في سرب غراب ولا يجرؤ بوم أن يلاعب عصافير الكناري أو يخلط أسرابهم فالغراب لا يعاشر إلا الغراب والبوم لا يحط إلا في سرب بوم والحمائم لا تلتقط طعامها إلا مع أقرانها من الحمام والطيور لا ترحل في أسرابها إلا مع فصائلها من الطيور .
فالغث و الهزيل والنطيحة و المتردية تتألف مع بعضها البعض وتحاول أن تتعاضد مع بعضها لتخفي عورها وعيوبها ويسند بعضها البعض في مواجهة النقد الذي تتعرض له.
وهي بذلك تصنع حول نفسها سياج تحتمي به من النقد واللوم الذي يوجه اليها فهناك فصائل من البشر قد تمرغت بالأوحال والقاذورات ودناءة طابعها وسجاياها فمهما ارتفعت ومنحت من الأوصاف والعطايا واعتلت المناصب وشغلت الوظائف لكنها لا تستطيع أن تغير من ذاتها وتنخرط في طور المصلحين وتبرز كشخصية اجتماعية مصلحة وقدوة تتجاوز عن ماضيها الرديء وتبعد عن الأشخاص الموصومين بالأنحطاط والتردي الخلقي و الاجتماعي لتقفز إلى المكان الرفيع الذي قذفته اليه الأقدار وتخالط الصالحين من البشر ابدا لا تستطيع إلا مرافقة من هم على شاكلتها وممن هم يتصفون بسلوكها وسماتها لتبقى في سرب القاذورات و الانحطاط لن الطيور على أشكالها تقع.
فالثياب البراقة والالقاب الرنانة والمناصب العليا لم ترفعها لتكون من علياء القوم وتدفعها للاتصاف باوصافهم والتخلق بأخلاقهم والسير في مواكبهم أو حتى محاولة السير بل مازال ماضيهم يدفعهم إلى البحث عن أمثالهم في السوء و الدناءة و الإنحطاط لانهم على شاكلتهم ولانهم من سربهم فالغراب لا يحط إلا في سرب من الغراب والبوم لا يعاشر إلا بوم وقيل قديما لا تسل عن المرء وسل عن خليله .
فإذا أردت أن تعرف أخلاق إنسان أسأل عن أقرانه فإن القرين بالقرين يقتدي.
لهذا لا تقاس مكانة الإنسان بوظيفته ومنصبه وبدلته وهندامه إنما بسلوكه وسلوك أقرانه وأصحابه .
فالمظاهر وأن كانت براقه ربما تخفي خلفها سوء الخلق وانحطاط الأعمال ورداءة المخبر والعكس صحيح فربما المظاهر المتواضعة تخفي تحتها كنوز من الخلق العظيم والذهب المرصع بالجواهر الثمينة .
فإن اردت قياس أمة من الحضارة والرقي انظر لماضيها و فتش عن أصلها ودقق النظر بحدة في جذورها .
فلا يحتاج الأصل الطيب لمجهر لمعرفته فالذهب يلمع حتى من تحت التراب والصدأ والصخر العقيم يبقى صخر حتى لو لمع وزين ورصع بالياقوت يبقى صخر لا قيمة له إلا بالياقوت المرصع فقط.
عصام مريسي