آخر تحديث :الثلاثاء-11 فبراير 2025-11:47ص

بين الماضي والحاضر.. عدن تحت وطأة التضخم وانهيار القدرة الشرائية !

الأحد - 09 فبراير 2025 - الساعة 02:11 م
محمد المسيحي

بقلم: محمد المسيحي
- ارشيف الكاتب


في عام 2010م، كانت مدينة عدن تنعم باستقرار نسبي في الأسعار، حيث كانت تكاليف المعيشة تتناسب ولو بشكل مقبول مع دخل المواطن العادي، ولم يكن الحصول على حاجيات الحياة الأساسية يشكّل عبئًا خانقًا كما هو الحال اليوم، كان المواطن العدني يعبئ سيارته بدبة بترول مقابل 1300 ريال فقط، ويشتري دبة الغاز المنزلي بـ 1200 ريال، فيما لم تكن أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية تشكّل تحديًا يوميًا كما هو الحال الآن.


لكن اليوم، ونحن في2025 م ، تبدلت الأحوال وتغيرت المعادلة الاقتصادية رأسًا على عقب؛ فبعد مرور 15 عامًا، شهدت أسعار السلع والخدمات قفزات جنونية لا يمكن مقارنتها بالماضي، في ظل انهيار متسارع للعملة الوطنية، وتراجع القدرة الشرائية، وغياب أي سياسات اقتصادية ناجعة تحمي المواطن من براثن الغلاء الفاحش.

إذا ما ألقينا نظرة على الأسعار الحالية وقارناها بأسعار 2010 م، سنجد أن الفجوة اتسعت بشكل غير مسبوق، فأسعار الوقود اليوم تفوق بأضعاف ما كانت عليه، حيث بات المواطن يشتري دبة البترول والديزل بعشرات الآلاف من الريالات، فيما تضاعفت أسعار أسطوانات الغاز المنزلي بشكل مهول.


أما بالنسبة للمواصلات، فقد قفزت تعرفة النقل العام من 70 ريالًا، إلى أضعاف مضاعفة، حيث أصبحت أجرة التنقل بين المديريات في عدن تشكّل عبئًا حقيقيًا على المواطن البسيط، في ظل انعدام البدائل الحكومية التي تحدّ من هذه الأزمة.


وفي أسواق الغذاء، شهدت أسعار اللحوم والدواجن والمواد الأساسية ارتفاعًا تجاوز حدود المعقول؛ فكيلو اللحم البلدي الذي كان لا يتجاوز 700 ريال في 2010م ، أصبح اليوم يكلّف المستهلك عشرات الآلاف من الريالات، فيما بات طبق البيض، الذي كان سعره 350 ريالًا، يُباع اليوم بأضعاف مضاعفة، مما يجعل أبسط متطلبات الحياة اليومية حلمًا بعيد المنال.


في الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار بنسب تتجاوز الـ1000% في بعض السلع والخدمات، لم تشهد رواتب موظفي الدولة أي زيادات تُذكر تتناسب مع التضخم الجنوني الذي يعصف بالبلاد.


فالموظفون الحكوميون ما زالوا يتقاضون رواتب بالكاد تكفيهم لسد حاجاتهم الأساسية لأيام معدودة، ناهيك عن فترات انقطاع الرواتب التي تزيد من معاناتهم اليومية.


إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن راتب الموظف الحكومي في 2010 كان يوفّر له حياةً مقبولةً نوعًا ما، فإن راتب2025م، رغم تفاوت قيمته بين القطاعات، لم يشهد أي قفزة تتناسب مع الارتفاع المهول في الأسعار، وهذا يعني أن الموظف الذي كان يستطيع إعالة أسرته قبل 15 عامًا، أصبح اليوم عاجزًا عن تأمين أبسط احتياجاتها اليومية، ما يدفع الكثيرين إلى البحث عن مصادر دخل أخرى أو حتى التفكير في الهجرة بحثًا عن حياة أكثر استقرارًا.


السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: كيف يشعر المواطن العدني وهو يحسب الفوارق الصادمة بين 2010 و 2025م؟ كيف يمكن لراتب لم يزد إلا بنسبة زهيدة أن يواجه أسعارًا تضاعفت عشرات المرات؟ وكيف يمكن للإنسان أن يواصل حياته وهو لا يعلم متى سيحصل على راتبه، وهو في الأصل لا يكفيه حتى لسد رمق أسرته؟


إن ما يعيشه المواطن اليوم ليس مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل هو واقعٌ مريرٌ يُلقي بظلاله على كل تفاصيل الحياة، حيث أصبح الحصول على الغذاء والدواء والمواصلات وحتى أساسيات الحياة الأخرى معركة يومية يخوضها المواطن العدني في ظل غياب أي حلول جذرية تلوح في الأفق.


عدن اليوم ليست عدن 2010 م ، والمواطن فيها لم يعد ذاك الإنسان الذي كان يطمح لحياة كريمة مستقرة، بل أصبح مكافحًا في وجه غلاء لا يرحم، وتضخم يلتهم كل شيء، ورواتب لا تكاد تُذكر أمام طوفان الأسعار المتصاعد.


والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين تتجه عدن؟ وهل من أمل في كبح جماح هذه الأزمة التي تلتهم الأخضر واليابس؟


الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة، لكن حتى ذلك الحين، يبقى المواطن العدني أسيرًا لمعاناة مستمرة لم يعد يرى لها نهاية.