آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:32ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: ما الذي تهدف إليه الحكومة من قرارات "الجرعة الجديدة"؟

الأحد - 15 يناير 2023 - 06:42 ص بتوقيت عدن
تقرير: ما الذي تهدف إليه الحكومة من قرارات "الجرعة الجديدة"؟
(عدن الغد)خاص:

رصد للتحركات الشعبية والأصداء الرافضة لقرارات الحكومية الأخيرة..

ما الانعكاسات المحتملة لهذه القرارات على معيشة المواطنين؟

هل تمر هذه القرارات مرور الكرام ويتماهى معها الناس؟

كيف يمكن للتحرك الشعبي والسخط العارم إيقاف تنفيذ القرارات؟

الضربة القاضية.

(عدن الغد) القسم السياسي:

حرب جديدة، فتحت أذرعها بوحشية لليمنيين البسطاء، وليس كل اليمنيين، فالحرب هذه موجهة نحو السواد الأعظم من الشعب المطحون بهمومه وأعبائه وتبعات الحرب العسكرية المستمرة منذ نحو تسع سنوات.

الحرب الجديدة هذه، هي حرب معيشية بالمقام الأول، حرب تستهدف أقوات الناس وأحلامهم المؤجلة واستقرار حياتهم، بل إنها تغتال كل أمل تبقى عندهم بجلاء قتامة الوضع الراهن، حتى إنها جعلت من هذا الوضع أكثر قتامة.

فبالتوازي مع الحرب العسكرية التي أعلنها مليشيات الحوثي ضد اليمنيين، أعلنت الحكومة الشرعية حربًا جديدة، أشد وطأةً ووجعًا على المواطنين، وتقاسمهم قوت يومهم، وتزيد أوجاعهم التي لم تندمل بعد من حرب الحوثيين.

قاوم اليمنيون حرب المليشيات منذ تسع سنوات تقريبًا، وظلوا متمسكين بأمل انتهائها ذات يوم، وبقوا صامدين في انتظار ذلك اليوم حتى يستطيعوا استئناف أحلامهم والعمل من أجل تحقيقها، حتى وإن مضى منها قرابة عقد من الزمان.

غير الحرب المعلنة من قبل الحكومة الشرعية من المؤكد أنها ستؤدي إلى فقدان الآمال نهائيًا، واغتيال أحلام البسطاء وليس فقط تأجيلها، لأنها حرب تمس معيشتهم وتلحق الضرر بمستقبلهم، وتحيل واقعهم إلى جحيم من البؤس.

هذا الواقع أكده أكثر من خبير اقتصادي ومحللون سياسيون ومراقبون ماليون، بعد القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الشرعية برفع سعر صرف الدولار الأمريكي المفروض على استيراد البضائع من الخارج، وزيادة الضرائب على أجور النقل والمحال التجارية.

وبالتالي فإن كل هذه الأعباء التي يتكبدها التجار، لن يجدوا أنسب من المواطن البسيط ليعوضوا خسائرهم وما يدفعونه للحكومة، باعتبار المواطن هو الحلقة الأضعف في سلسلة "الدورة التجارية" التي تبدأ من الحكومة وتمر بالتجار وتنتهي عند المواطنين.

وهو ما يزيد بالفعل من تبعات الحرب إنسانيًا ومعيشيًا، ويجعل من الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم أكثر بؤسًا، ما لم تتراجع الحكومة الشرعية عن قراراتها الأخيرة.

فليس هناك ما يبرر صدور مثل هذه القرارات، حتى وإن جاءت في سبيل تخفيف وطأة التهديدات الحوثية والقصف الذي طال الموانئ اليمنية المخصصة لتصدير النفط، ومنع الحكومة من تصدير الوقود والنفط الخام، والتسبب بالحرمان من إيراداتها المالية الناتجة عنها.

وكما سيرفع التجار تكاليف كل تلك القرارات على كاهل المواطن المطحون، تعمل الحكومة نفس الآلية من خلال تسهيل عملية القهر هذه بحق المواطنين، بدلًا من البحث عن حلول ومعالجات أخرى لتهديدات المليشيات الحوثية.

وهو ما يؤكد أن المواطن هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة البيروقراطية المملة من الإجحاف والمعاملة السيئة التي لا تعطي المواطن أي اهتمام أو رعاية لحقوقه ووضعه الإنساني والمعيشي، فلا أحد يهتم بمصالح المواطنين، لا مليشيات الحوثي ولا التجار، ولا حتى الحكومة المعترف بها دوليًا.

> قرارات مجحفة

أصدرت الحكومة الشرعية قراراتها برفع سعر الدولار الجمركي على السلع غير الأساسية بنسبة 50 ٪، لتزيد من 500 ريال يمني إلى 750 ريالا، كما أن القرارات التي أقرها اجتماع لمجلس الوزراء تضمنت رفع سعر الغاز المنزلي بذات النسبة تقريبًا، وزيادة تعرفة فواتير الكهرباء والمياه، ورفع أسعار المشتقات النفطية.

غير واحد من المراقبين والمحللين الاقتصاديين اليمنيين اعتبروا أن قرارات الحكومة الشرعية مجحفة للغاية، كما أنها تمثل تنفيذًا لجرعة سعرية مركبة، لا تستهدف سوى المواطن المغلوب على أمره، وتزيد من آلامه وأوجاعه التي بدأت منذ اندلاع حرب مليشيات الحوثي، وتفاقمت بقرارات الحكومة هذه.

المحللون أضافوا أن القرارات تعبر عن الأزمة التي تواجهها الحكومة جراء توقف تصدير النفط نتيجة تهديدات الحوثيين، وسيتحمل عبء ذلك المواطن، وأشاروا إلى انعدام وجود معالجات أو حلول واضحة أو فاعلة لمواجهة تبعات التهديدات الحوثية.

واقترح خبراء الاقتصاد أن تقوم الحكومة بدلًا من قراراتها تلك بمعالجة الفساد في أروقة ووزارات الحكومة، والسلك الدبلوماسي الخارجي، والمؤسسة العسكرية، وكبح جماح هدر الموارد العامة.

بالإضافة إلى ترشيد نفقات كبار المسئولين في الداخل والخارج، باعتبارهم الأولى بالتضييق على أسلوب حياتهم الترف والباذخ، وليس محاربة المواطن الباحث عن أساسيات الحياة.

غير أن الحكومة على يبدو أنها فكرت بالحل الأسهل، وتجنبت أية حلول أخرى كان يمكن أن تقترحها لجانها الاقتصادية ومؤسساتها المالية، والعقليات التي تتلقى آلاف الدولارات دون أن تقدم حلًا بمنأى عن المواطن، وكأن الحكومة تعمل ضد البسطاء وليس في صالح، يقول اقتصاديون.

ويقترحون أن الحكومة كان يمكن لها أن تعلن تخفيض مرتبات كبار المسئولين في الداخل والخارج، بنسبة 10 % فقط، بشكل لن يؤثر على حالة الترف التي يعيشها المسئولون، وفي نفس الوقت توفر سيولة مالية بالملايين، وتكسب تأييد الشعب المطحون والمغلوب على أمره.

غير أن الحكومة يبدو أنها اختارت مواجهة الناس والمكتوين بنيران الحرب العسكرية الحوثية، فزادتهم حرب الحكومة الاقتصادية وجعًا وفقرًا وعوزًا.

> ما هدف الحكومة؟

في العام 2018 أعلن رئيس الحكومة الشرعية الحالي الدكتور معين عبدالملك، أن أولويات حكومته ليست عسكرية ولا قتالية، بقدر ما هي أولويات معيشية، اقتصادية، تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي والإنساني جراء حرب مليشيات الحوثي.

غير أنه ومنذ تلك الفترة لم تتحسن أوضاع المواطنين المعيشية أبدًا، بل ازدادت أوضاعهم سوءًا، حتى إن مرتباتهم التي تمنحهم عيشة الكفاف توقف بعضها وتأخر صرف الآخر منها.

وعند تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/ نيسان 2022، أعلن رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي أنه سيعمل على تخفيف وطأة وتأثيرات الحرب الحوثية على المواطنين، خاصةً مع استمرار الهدنة الأممية وتوقف القتال، وهو ما سيساعد على الانصراف نحو تحسين المستوى المعيشي.

إلا أن هدفًا كهذا لم يتحقق حتى الآن، بل إن التهديدات الحوثية عقب انتهاء الهدنة مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي جعل المجلس الرئاسي في مواجهة تحديات جديدة وكبيرة، ومنعته من تحقيق غايته من وجوده، وقام المجلس برفقة الحكومة بهندسة القرارات المجحفة الأخيرة.

وحتى الهدف الذي قالت الحكومة إنها تسعى لتحقيقه من وراء هذه القرارات، وهو "إفشال تهديدات الحوثيين لموانئ تصدير النفط"، هدف غير واضح وغير مبرر من قبل المواطنين وحتى خبراء الاقتصاد؛ كونه يهدد استقرار الحالة المعيشية للبسطاء.

بل إن الهدف الوحيد الواضح هو إثقال كاهل البسطاء من المواطنين، الذين انتظروا انفراجةً من الحكومة، غير أنهم تفاجئوا بقرارات مجحفة لا تقل في خطورتها عن خطورة تهديدات الحوثي نفسه.

> انعكاسات مخيفة

بحسب تقييم المراقبين الاقتصاديين، فإن ما يترتب على هذه القرارات مستقبلا، يؤكد أن البلاد مقبلة على حالات مفزعة من المجاعات واتساع رقعة الفقر والمحتاجين في المحافظات المحررة، ومساواتها بإخوانهم من المواطنين في مناطق سيطرة المليشيات الحوثي، المحرومين من مرتباتهم أصلا.

فالانعكاسات المتوقعة من مثل هكذا قرارات، تجعل المواطن منكفشًا أمام التزايد الكبير للأسعار والمشتقات النفطية، حتى وإن كان يتقاضى راتبًا شهريًا، فهذا الراتب لن يقوى على مواجهة الارتفاعات في كل شيء، باعتبارها نتيجة طبيعية للقرارات.

حتى المواد والسلع الأساسية التي تقول الحكومة إنها معفية من الارتفاعات والسعر الجديد للدولار الجمركي، ستخضع هي الأخرى لكل تبعات هذه القرارات، كون هذه القرارات طالت أيضا أسعار النقل الثقيل للبضائع والسلع الأساسية.

ما يجعل الوضع مأساويًا، حتى بالنسبة لأولئك الذين يتقاضون المرتبات من الحكومة، والمصنفين ضمن الطبقة المتوسطة، التي بدأت بالتلاشي منذ الحرب، ومرشحة للاختفاء كليًا نتيجة القرارات التي ستقضي عليها نهائيًا.

هذا في حالة مرور هذه القرارات الحكومية مرور الكرام، واعتمادها رسميًا، خاصةً وأنها اعتمدت بصمت مريب، يهدف إلى تفادي رأي العام الساخط عليها، إلا أن الخطورة الكامنة في تنفيذ هذه القرارات يجعل من السكوت عليها بمثابة الاستسلام للموت.

فمن الصعوبة بمكان أن يتماهى الناس مع مثل هذه القرارات؛ لأن نتائجها وتبعاتها ستكون قاسية، ولن يقوى عليها البسطاء، ما يستوجب تعاملًا مختلفًا معها، والوقوف ضدها بشكل عنيف، وعدم الاستسلام لها أو قبولها بأي شكل من الأشكال.

ولعل إيقاف قرارات الموت هذه لن يكون إلا من خلال تحرك شعبي ضروري وحتمي، لإنقاذ ما تبقى إنقاذه من آمال بالحياة لهذا الشعب المكلوم، ومواجهة الحكومة باحتجاجات لا غاية لها سوى إيقاف العمل بهذه القرارات ومنع تنفيذها؛ حفاظًا على بقاء البسطاء على قيد الحياة.