قراءة لما بعد زيارة المبعوث الأممي إلى عدن ولقاءاته بقيادات الرئاسي والانتقالي..
كيف سيبدو مشهد المفاوضات.. وهل سيقبل الحوثيون بمفاوضة أكثر من طرف؟
هل ستكون سابقة أولى من نوعها.. وفدان يفاوضان الحوثي على إيقاف الحرب؟
حوثي.. وشرعية.. ووفد جنوبي.. من سيمثل الجنوب في هذه المفاوضات؟
كيف سيتم اختيار وفد الجنوب وسط وجود فصائل حراكية وجنوبية عديدة؟
ما حقيقة الصراع حول الأطراف التي يجب أن تفاوض الحوثي؟
لماذا يطالب الانتقالي بوفد مستقل في المفاوضات مع الحوثيين؟
من سيمثل الجنوب في المفاوضات مع الحوثي؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
ليست بالزيارة العادية تلك التي قام بها المبعوث الأممي الخاص السيد يوهانز غروندبرغ إلى مدينة عدن مؤخرًا، والتي التقى خلالها قيادات في المجلسين الرئاسي اليمني والانتقالي الجنوبي.
الزيارة لا يمكن فصلها عما يجري حاليًا من ترتيبات ومفاوضات ومشاورات للتهيئة لحل نهائي للحرب والأزمة اليمنية، الذي باتت أولى خطواته تُرسم وتحدد معالمها بدقة وعناية، وهو ما يجعلها "زيارةً غير عادية".
كما أن زيارة المبعوث الأممي خصصت نصيبًا كبيرًا من وقتها للجلوس مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، الأمر الذي يؤكد أن هدفها هو التهيئة لما بعد التسوية السياسية للحرب في اليمن، وتدارس مصير المطالب الجنوبية التي يحاول الانتقالي الظهور بأنه ممثلها الوحيد.
ولعل هذه النقطة الأخيرة قد احتلت متسعًا كبيرًا من نقاشات المتحاورين والفاعلين الإقليميين والدوليين؛ حتى أنها فرضت أن يتواجد غروندبرغ بنفسه في عدن ويناقشها وجهًا لوجه مع المعنيين المباشرين بالقضية الجنوبية.
يأتي ذلك، في ظل تمسك المجلس الانتقالي الجنوبي بضرورة "تقرير المصير" وهي قضية لا تبدو أن الانتقالي سيتناول عنها بسهولة، خاصة مع اقتراب التوافق على حل سياسي للحرب في اليمن مع مليشيات الحوثي الانقلابية.
تمسك الانتقالي بخيار استعادة دولته كحل أخير ونهائي للقضية الجنوبية، يحتم عليه أن يتواجد كطرف أصيل في أية مفاوضات للتسوية السياسية في اليمن، تضمن له وللجنوبيين تحقيق المطالب السياسية التي وُجد الانتقالي من أجلها.
لكن السبيل إلى ذلك لا بد وأن يمر بآليات وطرق سياسية، ووفق خطوات مدروسة، أولها وعلى رأسها أن يتواجد من يمثل الجنوب في مفاوضات الحل النهائي للأزمة اليمنية، حتى يؤمن مسارًا يتفق عليه الجميع وتحقيق حل مُرضي للقضية الجنوبية.
> واقع الصراع اليمني
طبيعة الصراع الجاري في اليمن قائم على معادلة ثابتة "شرعية وانقلاب"، فالشرعية هي التي انقلبت عليها مليشيات الحوثي، وتركز الصراع منذ أواخر عام 2014 حول هذه المعادلة السياسية، رغم كل ما مر بالأزمة اليمنية من منعطفات.
وبالتالي فإن القضية الجنوبية قد تبدو وكأنها غائبة عن هذه المعادلة، فالشرعية تمثل اليمن الواحد، شماله وجنوبه، ولا يمكن أن يتخلى أي كيان سيادي يمثل الشرعية اليمنية عن هذه الواحدية الوطنية.
حتى مليشيات الحوثي نفسها، سبق وأن أكدت أكثر من مرة وبشكل علني عن عدم التنازل عن وحدة اليمن شماله وجنوبه، رغم أن حاضنته الشعبية والاجتماعية تكمن في أقاصي الشمال اليمني، إلا أن هذه الورقة لا يمكن أن يتوقع فيها تنازلًا حوثيًا.
حديث كهذا، قد يبدو وكأنه يضع الشرعية والحوثي معًا ضمن سلة واحدة في مواجهة القضية الجنوبية وخيار الانفصال، أو أنهما يظهران معاداة بعضهما البعض ظاهريًا ويتفقان جوهريًا على الجنوبيين.
لكن الحقيقة السياسية تؤكد أن الشرعية اليمنية لا يخولها أي قانون بالتخلي عن أي جزء من أرض اليمن، إلا في حالة التوافق أو المضي في خطوات دستورية متدرجة متفق عليها محليًا مع ممثلي الجنوب، وبرعاية خارجية إذا تمت.
أما الحوثيون فليسوا سوى مجرد انتهازيين، لا يرون في أية قضية سوى استغلالها كورقة ضغط للحصول على مزيد من المكاسب والمصالح السياسية التي تضمن لهم البقاء في مناطق سيطرتهم في الشمال.
وهذا الواقع للصراع في اليمن، يفرض على الجنوبيين والكيانات الجنوبية التي تدعي تمثيل الجنوب والقضية الجنوبية البحث عن طريقة تضمن لها تحقيق تطلعات الشعب الجنوبي، أو هكذا تقول، وذلك خلال مفاوضات الحل النهائي القادمة.
> وفد جنوبي.. ومفاوضات ثلاثية
لقاءات المبعوث الأممي الأخيرة مع قيادات الانتقالي في عدن، كشفت عن صراع حقيقي بين الأطراف اليمنية، أو بالأحرى الأطراف الممثلة للشرعية، بما فيها المجلس الانتقالي، حول من سيفاوض الحوثي، وعلى ماذا سيفاوضه.
فالمحاور التي سيُتفاوض بشأنها مع الحوثيين خلال مفاوضات الحل النهائي لا يمكن ضمان أن تخرج بنتائج مُرضية للجنوبيين والحصول على ما يطالبون به، حتى وإن وكلوا الشرعية اليمنية نيابةً عنهم للقيام بهذه المهمة، باعتبار أن الشرعية هي من ستفاوض الحوثي.
لهذا، طالب المجلس الانتقالي الجنوبي خلال لقائه المبعوث الأممب بـ"وفد مستقل" يمثله ويمثل القضية الجنوبية في مفاوضات التسوية السياسية للأزمة اليمنية، وإيقاف الحرب في البلاد، وذلك فيما يشبه "المفاوضات الثلاثية".
ووجود "مفاوضات ثلاثية"، تضم الحوثي والشرعية والانتقالي، قد يقود إلى أزمة متوقعة أخرى، لكن هذه المرة هي أزمة متعلقة برؤية الحوثيين وحتى الشرعية اليمنية بالقبول أو بوجود مثل هذا الخيار الذي يرجح أن يكون الانتقالي قد طالب به بالفعل.
فإذا وافقت الشرعية بإفساح المجال أمام الانتقالي للجلوس إلى جانبها والتفاوض مع المليشيات الحوثية الانقلابية، فلا يرجح أحد أن يقبل الحوثيون بهذه الفكرة، التي تجعله في طرفين، وليس طرف واحد كما اقتضت العادة.
لأن هناك من المحللين وخبراء التفاوض السياسي لا يرون أن فكرةً أو مطلبًا كهذا ممكن الحدوث والتطبيق على الأرض، فهو يعارض كافة أسس وبديهيات التفاوض، كما الجانب العملي لمثل هكذا شكل للتفاوض لا يمكن أن يتحقق عمليًا؛ لأنها أولًا ستكون سابقة أولى من نوعها في التاريخ السياسي.
كما أن السبب في عدم إمكانية حدوث ذلك يعود إلى محتوى وفحوى التفاوض نفسه، والمحاور التي سيناقشها هذا التفاوض، في ظل عدم وجود ثقة متبادلة بين الشرعية والانتقالي في أن يمثل كلاهما الآخر، أو أن يقوم كلاهما بضمان مصالح ومطالب الآخر أثناء التفاوض، وهذا ما يمنح الحوثي أسبقية على بقية الأطراف المحلية المتصارعة.
> من سيُمثل الجنوب؟
وجود وفد جنوبي للتفاوض على مصير القضية الجنوبية يقود إلى تساؤلات أخرى أكثر عمقًا وأهمية في الجهات التي يمكن لها أن تمثل الجنوب وشعبه ومطالبه السياسية.
مراقبون ومحلل وسياسيون يرون أن مجرد جلوس المبعوث الأممي ولقاءاته بقيادات المجلس الانتقالي يجعل من الأخير مخولًا فعليًا بتمثيل الجنوب والحديث عن مصيره، وهو الذي تبنى هذا التفويض منذ تأسيسه في مايو/أيار 2017.
غير أن آخرين يعتقدون أن المجلس الانتقالي ليس الكيان الجنوبي الوحيد المخول بتصدر القضية الجنوبية، فثمة كيانات جنوبية عديدة يصل عددها إلى 30 فصيلا حراكيا وجنوبيا، كثير منها يسبق تأسيس المجلس الانتقالي بعقود، وقدمت تضحيات كبيرة وتستحق أن تمثل الجنوب.
الأمر الذي قد يخلق صراعات جنوبية جنوبية حول هوية الكيان السياسي الجنوبي المستحق لتمثيل القضية الجنوبية في المفاوضات، خاصة في ظل عدم الرغبة بإسناد الحديث عن الجنوب ومصير مطالبه السياسية إلى الشرعية اليمنية، وسط ترجيحات بإمكانية تجاوز القضية الجنوبية في المفاوضات إذا لم يتواجد أي كيان جنوبي مخول بالدفاع عن مستقبل الجنوب.
وهذا بالفعل ما يرجح إمكانية تمسك الانتقالي أو الجنوبيون بشكل عام بضرورة وجود ممثلين عنهم في مفاوضات التسوية النهائية، ورغم أن مطلبًا كهذا قد يهدد استمرار أي مفاوضات ويعجّل بفشلها، خاصة أنه أمر متوقع من الحوثيين الباحثين عن ما يفشل التفاوض.
> آلية للحل
مشكلة تمسك الجنوبيين بوفد يمثلهم في مفاوضات التسوية، قد تكون معضلة كبيرة تهدد سير المفاوضات برمتها، لكنها في نفس الوقت قد تحمل في طياتها حلًا ممكنًا.
وهو حل يرجح أن يكون قد تم مناقشته أصلا، حتى قبل وصول المبعوث الأممي إلى عدن وجلوسه مع قيادات الانتقالي الذي تركز لقاؤه معهم للحديث عن محاور وقضايا التفاوض فقط.
وهذا الحل يكمن في أن يكون هناك من يمثل الانتقالي والجنوب كأعضاء ضمن وفد الشرعية اليمنية، ويتم من خلال هؤلاء الأعضاء مناقشة مصير القضية الجنوبية عبر محاور محددة متفق بشأنها مسبقًا مع القيادات السياسية الجنوبية.
حل كهذا ممكن للغاية، بل يرجح أن يكون هو الممكن الوحيد في ظل تمسك الكيانات الجنوبية بما فيهم الانتقالي بضرورة إيجاد رؤية لتقرير مصير الجنوب في مفاوضات الحل النهائي، وهو ما قد يضغط بشأنه التحالف والمجتمع الدولي والمبعوث الأممي أيضًا؛ لإيجاد وفد واحد مشترك يواجه ويفاوض الحوثي.
خاصة وأن الانتقالي أصلًا يمثل جزءًا من الشرعية اليمنية، ويمتلك ممثلين في المجلس الرئاسي اليمني والحكومة اليمنية، ومختلف هيئات الدولة الأخرى، وهذا ما يجعله جزءًا من الشرعية المقابل الطبيعي للانقلاب الحوثي.
ولا يعني وجود وفدين فقط في المفاوضات أن القضية الجنوبية لن تُناقش، أو أنها لن تكون ضمن محاور التفاوض، فلا شيء يوحي بذلك أبدا، وتحديدًا إذا شمل وفد الشرعية ممثلين عن الجنوب وقضيته، وهو أمر وارد جدًا.
فمن المؤكد أن محاور التفاوض التي ستركز على قضية إنهاء الحرب وترتيبات إنسانية وسياسية وأمنية وعسكرية لتطبيع الأوضاع في فترة ما بعد الحرب أن تناقش أيضًا رؤى وتطلعات ومطالب كل طرف بما يحويه من أعضاء تختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية، وحتى البحث في مصالحهم وأجندات كل من يدعمهم.