آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:32ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: التصدعات الأخيرة في المجلس الرئاسي هل تنذر بتفككه؟

الأربعاء - 01 مارس 2023 - 11:47 ص بتوقيت عدن
تحليل: التصدعات الأخيرة في المجلس الرئاسي هل تنذر بتفككه؟
(عدن الغد)خاص:

قراءة في أوضاع المجلس الرئاسي والصراعات العاصفة بين أجنحته السياسية المختلفة..

كيف يستفيد الحوثيون من خلافات كهذه تسيء لموقف المجلس التفاوضي في إنهاء الحرب؟

التصدعات الأخيرة في المجلس الرئاسي هل تنذر بتفككه؟

أم أن الخلافات الرئاسية عادية وواردة ومؤشر صحي على عمل المجلس؟

كيف يمكن أن يعمل المجلس خلال الفترة القادمة في ظل هذه الخلافات؟

أين دور التحالف العربي في لجم هذه الخلافات وإنهائها؟

ما مدى عبثية هذه الخلافات في ظل الوقت الراهن الذي تعيشه الأزمة اليمنية؟

المجلس الرئاسي والصراعات العاصفة

(عدن الغد) القسم السياسي:

كثيرون تحدثوا عند تأسيس وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن عن توليفة غير متجانسة تضمنها المجلس، نتيجة احتوائه على مكونات وكيانات سياسية متعارضة في مشاريعها السياسية وأجنداتها الخاصة.

حتى وإن اتفقت مكونات المجلس الرئاسي اليمني على مناهضة مليشيات الحوثي، كعدو مشترك للجميع، إلا أن غايات كل طرف من أطراف المجلس الرئاسي تختلف عن بعضها البعض، إذا لم تكن متعارضة أصلاً.

فرغم أن الحكومة اليمنية تمثل حكومة مناصفة بين أكثر من مكون سياسي، ورغم أن المجلس الرئاسي يعكس توافقاً للأطراف والمكونات المناوئة لمليشيات الحوثي الانقلابية على ضرورة مواجهة المليشيات، إلا أن كل طرف ما زال متمسكاً بأجنداته الخاصة.

تلك الأجندات، التي وإن خفت صوتها أو تأجلت وترحلت لحظة الإعلان عن تشكيل المجلس، إلا أنها تبقى "تحت الرماد"، لم تخبو جذوتها، ومستعدة للاستعار متى ما تطلب الوضع، حينها يتم التلويح بها كورقة ضغط أو ابتزاز.

وعلى هذا الأساس حذر عديد سياسيين من التهديدات المحدقة باستقرار المجلس الرئاسي، عطفًا على طبيعة التركيبة المعقدة التي اتسمت بها البنية الهيكلية للمجلس، وهذه التحذيرات تُشاهد اليوم للعيان بشكل جلي، بعد نحو عشرة أشهر فقط منذ تشكيل المجلس.

> اختلاف المشاريع

تسعى الشرعية اليمنية مدعومةً من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى استعادة الدولة والعاصمة اليمنية صنعاء من بين أيدي الانقلابيين الحوثيين، أو على الأقل هكذا تروج.

وتتفق مع الشرعية اليمنية عدد من القوى السياسية المتماهية مع غاية استعادة الدولة والجمهورية، وضرورة التغلب على المليشيات الحوثية، سلمًا أو حربًا، حتى وإن كان لديها بعض الخصومات مع داعم الشرعية المتمثل في التحالف العربي.

غير أن ثمة قوى ومكونات لا ترى أي غاية في استعادة العاصمة صنعاء من الحوثيين، أو حتى استعادة الدولة اليمنية بمفهومها الوحدوي، وغير مستعدة حتى لمواصلة القتال ضد الحوثيين في المناطق الشمالية من اليمن.

تلك القوى تكتفي بما تحت يديها من مناطق، وما تتمتع به من سلطة وسيطرة، وتنادي باستعادة دولتها أو فرضها على المناطق التي تسيطر عليها، بعيدًا عن رغبة بقية القوى الأخرى باستعادة ما اغتصبه الحوثيون.

وتعدد المشاريع هذا يضع المجلس الرئاسي أمام مخاطر تهدد بتفككه، وهذا التفكك أمر وارد إذا استمر الحال على هذا المنوال، بطابع يغلب عليه الصراع القائم على الخصومة السياسية، بناءً على تعارض الغايات، والتي قد تصل بالأمر إلى المواجهة.

وهذا الخيار الأخير، تم طرحه بكل صراحة ودون أي مواربة، من قبل قيادات تمثل مكونات سياسية داخل المجلس الرئاسي بعد تصاعد الخلافات، وتبادل التصريحات التي أكدت مدى الشرخ والتصدع في بنيان المجلس الرئاسي، الأمر الذي يرجح إمكانية التفكك.

ولعل الواقعة الأخيرة، التي تمخضت عن تصريحات رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، بشأن مصير بحث ومعالجة القضية الجنوبية، والسجال الدائر عقبها بين كل طرف، دليل مؤكد على حجم التصدع الذي ضرب هيكل المجلس منذ نشأته.

> خلافات طبيعية أم خطيرة؟

في الوقت الذي تبدو فيه خلافات الرئاسي اليمني خطيرة وتهدد بتفككه، يرى البعض أن ما يجري في المجلس مؤشر صحي على العمل السياسي المتعدد، القائم على التنوع، وهي طبيعة أصيلة في الشخصية اليمنية الثرية.

وينصح هؤلاء بأن تقوم المكونات والأطراف السياسية اليمنية بالامتثال للحوار، والعودة إلى بعضها البعض للتدارس وتعهد الاتفاقات وإحياء ما تفاهمت عليه تلك القوى، والعمل على توحيد قواها وطاقاتها لتجاوز نقاط الخلاف، والتركيز على القواسم المشتركة.

ومن المؤكد أن هناك الكثير من القواسم التي يمكن أن يلتقي حولها اليمنيون، الشماليون منهم والجنوبيون، أكثر من تلك النقاط التي تتسبب باختلافهم.

قد يبدو حديثاً كهذا، كلاماً إنشائياً لا يتصل بالواقع بأي صلة، لكنها الحقيقة التي لا يؤيد البعض تقبلها، أو الاقتناع بها، بعد أن طغى عليهم التمسك بالمشاريع السياسية والأجندات التي تجد من يدعمها ويؤازرها خارجيًا.

أصحاب هذا الرأي، يعتقدون أن ما يجري في المجلس الرئاسي من خلافات هي أمور طبيعية ووارد حدوثها، تعيشها أية كيانات سياسية شبيهة، خاصة وأنه هجين من قوى مختلفة المصالح والغايات، حتى وإن بدت أنها متناقضة.

وهؤلاء يحذرون فقط من إمكانية استغلال هذه الخلافات من قبل بعض المتربصين، وعلى رأسها مليشيات الحوثي الانقلابية، التي ربما تعمل على إذكاء مثل هذه الصراعات؛ بهدف إضعاف المعادل الطبيعي لها، كون المليشيات طرف انقلابي لا تحبذ أن يقابلها طرف قوي.

> استغلال حوثي

من المؤكد أن الخلافات والتصدع الذي يعيشه المجلس الرئاسي ليس في صالحه، سواء على المستوى السياسي أو حتى على المستوى العسكري، ولا حتى على المستوى الداخلي والخارجي على السواء.

فالمجلس لا يظهر بمظهر جيد أمام الشعب اليمني، بعد أن بدأ الشك يدخل قلوب الكثيرين الذين بالغوا في الآمال التي عقدوها على المجلس في التعامل المثالي مع الملفات السياسية والعسكرية والخدمية، وتغيير الواقع الذي يعيشه اليمنيون.

كما لا يظهر بمظهر مناسب أمام الخارج والمجتمع الدولي، الذي لا يرى في الرئاسي اليمني تماسكاً بنيوياً يغريه في الثقة به، بينما هذا التماسك والجبهة الواحدة القوية هو ما تتميز به مليشيات الحوثي للأسف، وذلك واضح في كافة مواقفها.

وهذا بالضبط ما يستغله الحوثيون في الترويج لأنفسهم، ويُظهرون للعالم أنهم الأنسب والأقوى في البقاء وخدمة مصالح المجتمع الدولي في اليمن، بينما الطرف الآخر المعترف به دوليًا ضعيف ولا يقوى على تلبية مطالب الخارج.

كما من المؤكد أن الحوثيين يستغلون هذا الوضع الضعيف للمجلس الرئاسي (الشرعية) المعترف بها دوليًا حتى في مجال الموقف التفاوضي مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الخاصة في إنهاء الأزمة اليمنية، ووقف الحرب اليمنية.

الأمر الذي من المؤكد أنه سيؤثر على مواقف المجلس الرئاسي التفاوضية بعد أن ظهرت مكوناته على غير كلمة سواء تجمع بينها، تتنازعه قضاياه الهامشية، وتثير صراخ قياداته تصريحات إعلامية تستنزف المجلس في معارك جانبية.

لذلك، فإن الموقف التفاوضي لمعسكر الشرعية اليمنية سيكون مهزوماً بالمعنى التفاوضي، حتى قبل أن تبدأ المفاوضات أصلاً، فالهزيمة داخلية وليست بسبب الخصم الخارجي، الذي يسعد في استغلال خلافات الطرف الآخر لصالحه سياسياً وعسكرياً.

فلسان حال الحوثيين هذا، لا يقتصر على الجوانب العسكرية فقط، ولكنه يحقق لهم أسبقية أخرى في الملف العسكري، حيث تبدو قوات المجلس الرئاسي مشتتة ومتشظية بتشتت الكيانات والقوى السياسية التي تتبعها، فيما تبدو قوى الحوثيين العسكرية في تصاعد مستمر.

> خلافات تعيق العمل

تأسس المجلس الرئاسي اليمني في أوقات حرجة، عصفت فيها المواجهات الثنائية والصراعات بين المكونات التي كانت تمثل المعسكر المناوئ للحوثيين، وعمل المجلس على جمع هذه القوى والمكونات في بوتقة واحدة، لتوحيد جهودها السياسية والاقتصادية والعسكرية لمواجهة المليشيات.

وكانت هناك العديد من المهام المناطة بعاتق هذا المجلس الوليد، الذي لم يتجاوز عمره عاماً واحداً، لكن ما كابده وشاهده جعل من المهام الموكلة إليه تترحل وتتأجل، بسبب الصراعات البينية، وغالبية تلك المهام خدمية ومعيشية ومرتبطة بشكل مباشر بالبسطاء من الناس.

حتى تلك المهام العسكرية التي كان يتوقعها البعض، أن يقوم بها المجلس الرئاسي في الجبهات ضد مليشيات الحوثي، كانت أقل شأناً من الملفات الاقتصادية والمعيشية الأكثر إيلامًا بواقع المواطنين.

إلا أن شيئًا من تلك المهام لم ينفذ، لا عسكريًا ولا خدمياً حتى، وتأجلت أعمال المجلس أو تم عرقلتها نتيجة الخلافات العاصفة، ما يؤكد أنها خلافات ونزاعات عبثية ليس إلا، لم ينتج عنها سوى مزيد من تعقيد المشهد في المحافظات المحررة، على مختلف الأصعدة والملفات، في وقت كان المواطنون ينتظرون فيه انفراجة حقيقية.

الأمر الذي يستوجب على التحالف العربي، وهو الجهة الراعية والتي أسست بنفوذها هذا المجلس، التدخل لإعادة تصحيح مسار المجلس الرئاسي وتوجيه بوصلته لتحقيق أهدافه التي وجد من أجلها، فالناس ليس بمقدورهم احتمال مزيد من التسويف في معالجة أوضاعهم المتردية.