آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:39ص
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر يروي علاقات دولة عدن  والجماهيرية الليبية وماذا قال  القذافي عن الماركسيون؟( 23)

الإثنين - 01 مايو 2023 - 08:04 م بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر يروي علاقات دولة عدن  والجماهيرية الليبية وماذا قال  القذافي عن الماركسيون؟( 23)
((عدن الغد))خاص.

إعداد / د. الخضر عبدالله : 

ليبيا .. و عيد الجلاء 

بعد حديث الرئيس علي ناصر  في العدد الماضي حول سقوط بغداد .. يحدثنا اليوم  عن العلاقات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجماهيرية الليبية ، حيث قال مستدركا :" في 18 حزيران/يونيو 1970م كان عليّ أن أغادر عدن وأتوجه إلى ليبيا لحضور احتفالات الشعب الليبي الشقيق بعيد الجلاء. كانت الدعوة موجهة في الأساس إلى رئيس مجلس الرئاسـة «سالم ربيع علي»، لكنه اعتذر عن عدم المشاركة بسبب وضعنا الداخلي، وكان الاتفاق على أن أقوم بالزيارة نيابة عنه.

وصلت إلى طرابلس من طريق القاهرة، وفي المطار استقبلني الرائد الخويلدي الحميدي، عضو مجلس قيادة الثورة، وممثل عن وزارة الخارجية والوحدة الليبية.

بعد وصولي إلى فندق (الودان) الذي خصص لإقامتي، تبادلت مع الخويلدي الحميدي الحديث عن أسباب عدم مشـاركة «الرئيـس» شخصياً في الاحتفالات، وأخبرته بأنه مشغول باحتفالات (20 حزيران/يونيو) و(22 حزيران/يونيو) التي كانت وشيكة. وتوجهت إليه بطلب لتحديد موعد لمقابلة الأخ «معمر القذافي» قائد ثورة الفاتح الليبيـة. 

يواصل الرئيس ناصر حديث وقال :"  طوال يوم 19 حزيران/يونيو لم أتمكن من مقابلة أي من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفوق انشغال الليبيين في الإعداد للاحتفالات واستقبال الرؤساء والملوك العرب وبقية الوفود، كان لديهم انطباع سيئ عن النظام في عدن، وعمَّق هذا الإحساس عندهم عدم مجيء «الرئيس» للمشاركة في احتفالاتهم، غير أن كل ذلك لم يمنعني من طلب مقابلة أكبر عدد ممكن من المسؤولين الليبيين، وفي مقدمتهم «معمر القذافي».

توجهنا يوم 20 حزيران/يونيو حسب البرنامج إلى قاعدة «عقبة بن نافع» الجوية لمشاهدة الاستعراض العسكري الذي أقيم بالمناسبة.

في يوم 21 حزيران/يونيو تغير البرنامج فجأة بسبب عقد اجتماع طارئ لرؤساء وفود دول المواجهة العربية مع إسرائيل، وحضرته طبعاً مصر وسـورية والأردن باعتبارها دول المواجهة المعنية، وحضرها من الوفود العربية الأخرى رؤساء وفود العراق والجزائر وليبيا والسودان الذي عقد على مستوى الرؤساء. 

لينين السبب في عداء الجنوب 

يوم 23 حزيران/يونيو أتيحت لي فرصة مقابلة عدد من رؤساء الوفود العربية، فقابلت الرئيس المصري «جمال عبد الناصر»، ورئيس المجلس الجمهوري «القاضي عبد الرحمن الإرياني»، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، و«مأمون عوض أبو زيد» من السودان، والفريق أول «محمد فوزي»، وزير الحربية المصرية، والزعيم الليبي «معمر القذافي»، والرئيس السوري «نور الدين الأتاسي» الذي كان أول من قابلته.

تحدثنا عن العلاقات الثنائية بين سورية واليمن الجنوبية، وعن عدد من القضايا العربية والدولية المهمة. وشكرت له موقف بلاده من الثورة والنظام في بلادنا والدعم الذي قدمته سورية إلى بلادنا.

كان الرئيس السـوري صريحاً معي وهو يخبرني بأن الجو ملغوم بالنسبة إلى اليمن الجنوبية، وأن الطريق التي تسير فيها ستعزلها عن بقية الدول العربية… وأن الكل يركز عليها ويتهمها بالشيوعية! 

وقال إن احتفالاتكم بالذكرى المئوية لميلاد «لينين» قد أضرت بكم، واستغلت ضدكم وأكدت لدى الآخرين ما يتهمونكم به! وسألني: أهذا ممكن؟ ألم يكن بإمكانكم أن تفعلوا ذلك بصمت وبلا ضجة إعلامية وتوزيع صور؟!

وكان يعبّر عن رأي كثير في بلادنا وفي الخارج، لأن بعض القادة في بلادنا آنذاك كانوا لا يهتمون كثيراً بالعلاقات ببعض الدول العربية والإسلامية التي كانت تناصبنا العداء، بل إن البعض كانوا يهتمون بالعلاقات مع الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية أكثر من هذه الدول، وكانت الهتافات في ذروتها تطالب بإسقاط الإمبريالية والصهيونية وتشيد بالاشتراكية غير مهتمين بما يجري حولهم في ذروة الحماسة الثورية.

عودة للحديث عن علاقاتنا الثنائية، فقد أخبرته بالخطوات التي اتخذناها لتطوير علاقات «الجبهة القومية» ببقية فصائل العمل الوطني لتعزيز الجبهة الداخلية. وعبّر لي عن ارتياحه لوجود «أنيس حسن يحيى» في السلطة، واستدرك بأن هذا لا يعني أن يجري التعامل بيننا وبينكم من خلال الرفاق البعثيين في عدن. وأكد المزيد من التعاون بين البلدين الشقيقين. ولم ينسَ أن يستفسرني عن وصول المساعدات السورية التي حصلنا عليها خلال زيارتي السابقة لبلاده، فأخبرته بوصولها وشكرته مرة أخرى لوقوف سورية الشقيقة إلى جانب الثورة والنظام في اليمن الجنوبية. 

إنهم ماركسيون

واسترسل الرئيس علي ناصر قائلا :" قررت أن أستطلع الموقف الليبي قبل أن أقابل العقيد «معمر القذافي»، فسألت الرئيس الأتاسي، فأجاب: عند زيارة العقيد معمر القذافي دمشق في وقت سابق، قلت له إن الحكم في اليمن الجنوبية الشعبية حكم تقدمي يحتاج إلى مساعدتكم ومساندتكم لكن القذافي ردّ عليّ: إنهم «ماركسيون». تصور أنهم احتفلوا بميلاد لينين ولم يحتفلوا بميلاد الرسول محمد! كانت المعارضة قد سرّبت معلومات غير صحيحة عن الاحتفالات بالذكرى المئوية لميلاد لينين، وضخّموا ما جرى الذي لم يتعدّ احتفال الخبراء السوفيات بعدن مع بعض اليمنيين بهذه المناسبة. 

ومرة أخرى نصحنا بضرورة التحرك السريع لتصفية الأجواء والعمل بمرونة مع الآخرين، ووافقته على ذلك. وشرحت له كل الأوضاع التي تحيط ببلادنا، وطلبت منه أن يساعدنا على إقناع الليبيين بتنفيذ وعدهم السابق لنا بتقديم معونة مالية وعينية في زيارة رئيس الوزراء محمد علي هيثم، فوعدني بذلك. وعلمت فيما بعد أن الرئيـس الأتاسي تحدث مع العقيد معمر القذافي في الموضوع.

مع القذافـي لأول مرة..

في مساء يوم 23 حزيران/يونيو حدد لي موعد اللقاء مع العقيد القذافي وعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية. في مقر قيادة القوات المسلحة، ولكني لم أجد هناك سوى المقدم «أبو بكر يونس»، رئيس هيئة الأركان.

كان المقدم «أبو بكر يونس» رجلاً ودوداً ودمث الأخلاق، وقد أصبح صديقي فيما بعد وتوطدت صلاتي به وبالعديد من القادة الليبيين الشبان. وبعد أن لاحظ انزعاجي لغياب العقيد القذافي الذي جئت للقائه حسب الموعد، رحب بي بطريقة ودية. سررت بأن هذا العسكري يتمتع برقة وخصال دبلوماسية، وكنت سعيداً لأنني وجدت أخيراً من يمكنني الحديث والتفاهم معه. وهكذا دخلت في حديث مباشر معه، شرحت له أوضاعنا الراهنة الصعبة وحاجتنا الماسّة إلى دعم الجمهورية العربية الليبية لمواجهة الصعوبات التي تتعرض لها ثورتنا..

مع الرئيس معمر القذافي

كم كان سروري عظيماً عندما قال المقدم أبو بكر يونس: «سنجهز لكم غرفة عمليات متكاملة للمستشفى العسكري في عدن وسنحاول شـراء بعض الذخائر لكم من الجمهورية العربية المتحدة وإرسالها إليكم»، وأضاف: «إن قواتنا المسلحة هي الآن في طور البناء، وليس لدينا مخزون كافٍ من الذخائر والسلاح».

وأثناء ذلك دخل العقيـد معمر القذافـي إلى حيث كنا مجتمعيـن أنا والمقـدم أبو بكر يونس. 

في البداية نقلت له تحيات الرئيس سالم ربيع علي وتهانيه بعيد الجلاء واعتذاره عن عدم المشاركة، على أمل أن يزورهم مرة أخرى، وتوجهت بالحديث مباشرة إليه قائلاً:

نحن نقدّر مشاغلكم، لكن يهمنا أن نتبادل وإياكم الحديث بشأن آخر التطورات في اليمن والمنطقة. وشرحت له باختصار أوضاعنا السياسية والعسكرية والمشاكل الاقتصادية والمالية التي تواجهنا، والصعوبات التي خلّفها لنا الاستعمار في مجال الجيش والأمن. 

هنا تذكر العقيد القذافي صلاته ببعض ضباط القوات المسلحة في بلادنا، الذين جمعته بهم الزمالة خلال الدورات العسكرية التي كانوا يحضرونها معاً في بريطانيا قبل استقلال اليمن الجنوبية وقبل قيام ثورة الفاتح من أيلول/سبتمبر، ووصف كل الضباط الذين عرفهم في تلك الدورة بأنهم رجال ممتازون. وأشار إلى وجود الملازم «عوض صالح الجبواني» عندهم في ليبيا الذي كان أحد زملاء تلك الدورة، ووصفه بأنه ضابط ممتاز وأنه - أي العقيد القذافي - مستعد ليضمنه … وسألني: «ما سبب إخراجكم له من الجيش؟!».

عندما وجدت العقيد معمر القذافي يهتم بأمره إلى درجة أنه يتذكر اسمه ويثير موضوعه معي خلال أول جلسة مباحثات رسمية أكثر من اهتمامه بالنظام والعلاقة مع عدن، وجدت أنّ عليّ أن أشرح الأمر، فأخبرته بأن «الملازم عوض صالح طلب التقاعد بمحض إرادته، وقد دفعنا له كامل حقوقه، ومنحناه شهادة خروج من القوات المسلحة، وعندما علم أنكم قائد الثورة التي قامت في ليبيا، وهو صديق لكم فكر في المجيء إليكم لعله يجد عملاً مناسباً عندكم».

سألني العقيد معمر القذافي:

هل تستطيع توظيفه في سـفارتكم هنا؟

أجبت بأنني سأدرس موضوع توظيفه في السلك الدبلوماسي بعد العودة الى عدن. وهز رأسه ولم يعلق.

هنا اعتذر القذافي عن عدم مواصلة الاجتماع، وبرر ذلك بانشغاله، ولكنه حدد موعداً في اليوم التالي.

وفي اليوم التالي 24 حزيران/يونيو اجتمعت بالعقيد معمر القذافي ثانية، وحضر اللقاء من الجانب الليبي الرائد عبد السلام جلود، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، والمقدم أبو بكر يونس والرائد الخويلدي الحميدي. 

وبدأ العقيد القذافي حديثه بالنقاط الآتية:

إن الأخبار تصلنا باستمرار أنكم تنتهجون الخط «الماركسـي اللينيني» الذي يتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف وتراثنا وخطنا القومي. ولقد سمعت في الآونة الأخيرة أنكم احتفلتم بعيد ميلاد لينين، بينما لم تحتفلوا بذكرى مولد الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، وصور لينين تغطي ساحاتكم بشكل يثير مشاعر المواطنين…

إن علاقتكم بالجمهورية العربية المتحدة ليست طيبة، وإنكم لا تحبون قائد الأمة العربية جمال عبد الناصر… ونحن لا نقبل أي كلام يقال عن مصر وقائدها، ولا نقبل كذلك أن تكون علاقة أية دولة سيئة مع القاهرة مهما كانت هذه الدولة.

الوحدة اليمنية للبلد الواحد ضرورة حتمية، ولا بد أن تتم الوحدة بينكم وبين الشمال اليمني، وإذا كانت هناك خلافات بينكم وبين الأخوة في صنعاء فعليكم حلها، لأن الوحدة اليمنية هي الطريق نحو الوحدة العربية الشاملة.

وطلب مني أن أنقل هذه القضايا التي أثارها إلى المسؤولين في عدن. بعد ذلك تحول حديثه إلى القضايا المالية، فقال: 

«الدول العربية كلها تنظر إلى ليبيا وكأنها دولة غنية، بينما لا نزال في ليبيا فقراء وحفاة، وفي طرابلس العاصمة ما زال السكان يعيشون في أكواخ من الصفيح، وآخرون من المواطنين ما زالوا يشحذون في الشوارع… وإلى جانب ذلك لدينا بطالة… وبالنسبة إلى قواتنا المسلحة فقد كانت ميزانيتها في السابق 80 مليون جنيه إسترليني، ورفعنا ميزانيتها إلى 150 مليون جنيه حتى نستطيع بناء جيش حقيقي وحديث، ومع ذلك كله تطلب منا كثير من الدول العربية مساعدات». وأخذ يعطي الأمثلة وهو يشير إلى مشكلته:

أنتم تطلبون مساعدات، وأخوكم القاضي الإرياني ذكر أن بلاده تعاني جفافاً أدى إلى مجاعة السكان. وأضاف: وأرسل إلينا وزير التربية والتعليم يطلب مساعدات.

السودان قدمنا إليه مساعدة، ولكنه ما زال يطلب المزيد.

العراق بلد غني، وفيه أيضاً بترول، إلا أن صالح مهدي عماش طلب عدة مرات مساعدة العراق، ونحن نستغرب ذلك، بالرغم من أننا ساعدناهم أول الأمر.

تونس ولبنان (شارل الحلو) يطلبان مسـاعدات.

الثورة الفلسطينية تطلب مساعدات.

وعندما وصل إلى هذه النقطة سأل كالحائر: «ولا ندري ماذا نعمل؟!».

قلت له:

إن الحديث عن اتهامنا بالشيوعية ليس له أساس من الصحة وأريدكم أن تتذكروا أنه عندما قامت ثورة 23 يوليو في مصر، اتهمتها الدوائر الغربية المعادية بأنها شيوعية… وعليكم ألّا تستغربوا أنه في يوم من الأيام سيوجّهون إليكم وإلى ثورتكم هذه التهمة ذاتها إذا وقفتم موقفاً معادياً للمصالح الإمبريالية والاستعمارية… كنت أنطلق في حديثي من تجارب عديدة في بلادي وغيرها، فعندما اندفع بعض أوائل المناضلين في بلادنا، وحملوا بنادقهم لمقاومة الاحتلال الإنكليزي، وصفهم الاستعمار بالشيوعيين، مع أن كثيراً منهم كانوا أميين لا يجيدون القراءة والكتابة، ولم يسمعوا في حياتهم عن الشيوعية ولا ماذا تعني… والشيء ذاته الذي توقعته حدث للثورة الليبية، إذ سرعان ما وصفتها دوائر الغرب والبلدان المعادية لها بأنها شيوعية.

وقد انتهى اللقاء بإعطاء توجيهاته للسيد عبد السلام جلود بالموافقة على تقديم القرض الذي وافق الليبيون عليه عند زيارة رئيس الوزراء «محمد علي هيثم» لليبيا والبالغ (خمسـة ملايين) جنيه إسترليني.

وأجاب جلود:

أمرنا بإرسال «مليون جنيه، وسنراجع الاتفاقية ونعمل بما جاء فيها.

وعن المساعدات العسكرية، تولى الإجابة المقدم أبو بكر يونس، رئيس هيئة الأركان، فقال إن الفريق فوزي (وزير الحربية المصري) يقترح إرسال المعدات العسكرية عبر طريق صحراوي إلى السودان (الخرطوم) ومن ثم إلى ميناء بور سودان بسبب إغلاق قناة السويس، إلا أن الطريق غير معروف.

وذكرته بظروفنا الصعبة، وألححت على سـرعة إرسال المعدات بالجـو. وتدخل القذافي فقال:

عندنا طائرات كبيرة يقودها طيارون أميركان، هل تقبلون نزولها في عدن؟! وأخبرني أن الطيارين الليبيين لن ينهوا تدريبهم قبل ثلاثة أشهر.

وأجبت:

ما دامت الطائرات ليبية، فلا يهمنا من يقودها.

وكان هذا نهاية للاجتماع مع العقيد معمر القذافي وزملائه في مجلس قيادة الثورة.

وبعد هذه الزيارة جرى تبادل للزيارات بين المسؤولين في كل من عدن وطرابلس، ولعل أهمها كان زيارة العقيد معمر القذافي لعدن للمشاركة بالتوقيع على معاهدة عدن الثلاثية. 

معاهدة عدن الثلاثية 

ويكمل الرئيس علي ناصر  حديثه  مسترسلا :" لعل المدخل الأولي لتوقيع «المعاهدة الثلاثية» بين اليمن الديمقراطية وليبيا وإثيوبيا، كان الأحداث التي تمرّ بها المنطقة في خليج عدن والبحر الأحمر والخليج العربي والقرن الإفريقي والشمال الإفريقي. وكانت أساطيل القوى الاستعمارية الحربية تجوب المنطقة، رافعةً هراوتها، مهددة بالقمع، بدعوى حماية مصالحها.

وجاء الآن وقت توقيع المعاهدة، وحسب الاتفاق في أديس أبابا، اختيرت عدن مكاناً لتوقيعها، وحضر الزعيمان العقيد معمر القذافي، قائد ثورة الفاتح الليبية والرئيس الإثيوبي منغستو هيلا مريام، واستقبلتهما عدن بالحب والترحاب. ولبست المدينة أزياء الفرح في انتظار القادم الجديد.

ويواصل الرئيس  ناصر  بقوله :" بدأت القمة الثلاثية أعمالها صباح 17 آب/ أغسطس 1981 م، وتمخضت المعاهدة عن الاتفاق على تشكيل قوات عسكرية مشتركة من إثيوبيا واليمن الجنوبية وليبيا، وتتحمل ليبيا تكاليف تجهيز هذه القوات بالمال والسلاح، وتقدم اليمن الجنوبية الخبرة في تاهيل هذه القوات وتدريبها، التي ستتخذ من إثيوبيا مقراً لها. ومهمة هذه القوات ستكون الدفاع عن سيادة هذه البلدان في حالة التعرض لها من قبل أي دولة، وليست لها مهمات هجومية على أي دولة أخرى. كذلك اتُّفق على إقامة شركات مختلطة في مجال الزراعة والصناعة تقدم فيها ليبيا الإمكانات المالية للاستثمار في مجال استخراج الرخام والمعادن، والدعم للاستثمار في مجال الزراعة لإنتاج السكر في الأراضي التي تقع على نهر هواش. وفي بداية الاتفاق قدمت ليبيا مبلغ 150 مليون دولار للبدء بتمويل هذه المشاريع، وتوقفت وتعطلت هذه المشاريع، لأن الليبيين يوقّعون ولا ينفذون كعادتهم نتيجة التزاماتهم وتعهداتهم مع كثير من الدول العربية والإفريقية، وهذا ما أدى إلى أزمة بين السودان وليبيا عندما طالب القذافي باستعادة المبالغ التي قدمها إلى السودان، وطالب الرئيس السوداني جعفر النميري الشعب بالتبرع بالمال، وطالب النساء بالتبرع بمجوهراتهم من أجل إعادة الأموال الليبية، في ردٍّ مهين على القيادة الليبية. 

طز طز يا أميركا! برع برع يا استعمار! 

ويقول الرئيس علي ناصر  مستدركا  في حديثه :" أُقيم مهرجان كبير في مدينة «كريتر» الباسلة بمناسبة لقاء عدن التاريخي عصر يوم 18 آب/ أغسطس 1981م، أُلقيت كلمة في الجماهير المحتشدة التي كانت تملأ الملعب أعلنت فيها المعاهدة الثلاثية والمهمة النضالية الجديدة التي ستضطلع بها بلداننا الثلاثة، وصفق الناس طويلاً. وتحدث الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا مريام عن عمق العلاقات بين إثيوبيا وشعبها وكل من اليمن وليبيا وشعبيهما، وعن أهمية معاهدة عدن. وشدّ الخطاب الذي ألقاه الزعيم الليبي معمر القذافي الجماهير. وكان لهتافه «طز طز يا أميركا» معانٍ مؤثرة بعد كل ما عانته ليبيا من مصاعب ومحن من الولايات المتحدة الأميركية. وزحفت الجماهير نحو المنصة، وأخذت تهتف معه متجاوبة: «طز طز يا أميركا!».

تحدث العقيد القذافي بحب وعاطفة عن نضال الشعب اليمني ضد الاستعمار، وشدد على دور مدينة كريتر والأعمال الفدائية والبطولية لأبنائها، ولم يكن خطابه تقريراً رسمياً جافاً، بل حديثاً صريحاً وصادقاً، خاصة وهو يتذكر الشعر والأغاني الحماسية التي كان لها دور كبير في إذكاء روح النضال والمقاومة الشعبية ضد الاستعمار في تلك الأيام. وقد ذكر أغنية الفنان محمد محسن عطروش التي غناها خلال الكفاح المسلح: «برع يا استعمار برع/ من أرض الأحرار برع/»، وقد علقت هذه الأغنية في ذاكرة القذافي مذ كان طالباً في بريطانيا، ولا ينفك يستشهد بها في العديد من المناسبات القومية. كذلك ترددها الإذاعة الليبية بين الفينة والأخرى.

القذافي في الضالع 

ويردف الرئيس ناصر  متطرقا  ويقول :" في اليوم التالي، نُظّم مهرجان جماهيري آخر في مدينة الضالع، حيث استُقبل القذافي استقبالاً حاراً من قبل المواطنين الذين حملوا أعلاماً خضراء ووضعوا عمائم خضراء، وهم يهتفون بحياة الزعيم معمر القذافي، وكان الرصاص يلعلع من كل بندقية فوق رأسه، وبدا على مرافقيه الانزعاج خوفاً من رصاصة طائشة. هنا أيضاً، ألقى القذافي خطاباً حماسياً صريحاً، وتركّز خطابه في ذلك المهرجان على ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية. وقد طالب الجماهير بأن تزحف لتحقيق الوحدة إلى حدود الشمال وتحطيم الحدود، وقال: «لا بد من صنعاء، وإن طال السفر». وأشار إلى أن أصوله من قبيلة بني هلال في محافظة شبوة. 

أميركا تردّ في سرت 

 ويكمل الرئيس ناصر  ويقول :" في أثناء حضورنا مهرجان الضالع، اخترقت الطائرات الحربية الأميركية المجال الجوي الليبي، وأسقطت طائرتين ليبيتين فوق «خليج سرت». وكان هذا أول ردّ أميركي على معاهدة عدن. ووصل خبر إسقاط الطائرتين ونجاة الطيارين بعد المهرجان، واعتذر القائد معمر القذافي عن عدم تناول الغداء مع الضيوف والمضيفين، وبقي في جناحه بفندق الضالع حتى نظم صديقه صالح مصلح زفّة بالطبل والمزمار والرقص اتجهت إلى جناحه حتى قبل بالخروج ومشاركتنا الغداء والقات، بحضور الفنان محمد محسن عطروش الذي كان يعرفه القذافي ويردد أغانيه الحماسية ضد الاستعمار البريطاني، مثل أنشودته التي استشهد بها في مهرجان ميدان الحبيشي في عدن. 

وبعد توقيع المعاهدة في عدن، تابعت وكالة المخابرات المركزية في عهد «كيسي» العمليات الخفية ضد بلادنا وتقديم الدعم شبه العسكري إلى المعارضة، الذي بدأ في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر.

يشير كتاب الحجاب إلى أنّ القذافي وعد حلفاءه بدفع نحو 855 مليون دولار (ثم دفع 150 مليون دولار منها كبادرة لإظهار جديته)، ما أثار قلق كايسي ومحلليه الذين توصلوا في تقريرهم الاستخباري عن المعاهدة الذي انتهوا منه في 4 نوفمبر 1981م إلى أن «هدف الدول الثلاث هزيمة سياسة الولايات المتحدة في تلك المنطقة» . واستحصلت الوكالة على بضعة ملحقات عسكرية سرية لمعاهدة التعاون بين ليبيا وإثيوبيا واليمن الجنوبية، فحواها أنّ الدول الثلاث وافقت على إنشاء قوة من خمسة آلاف ليبي، وخمسة آلاف يمني جنوبي، وخمسين ألفاً من الاحتياطيين الإثيوبيين على نفقة ليبيا، وعلى أن يذهب عشرون ألف جندي إثيوبي إلى ليبيا. وأفادت تقارير الوكالة أيضاً بأن الدول الثلاث اتفقت على تنسيق عمل الثورة في الصومال إلى الجنوب الشرقي من إثيوبيا. وأظهرت الاستخبارات أن كوبا لديها ما بين 11 و13 ألف شخص في إثيوبيا. وكان هناك نحو 500 مستشار كوبي في جنوب اليمن . ولم يكن هذا الرقم صحيحاً، فقد كان عدد المستشارين أقلّ من ذلك بكثير، ومن بينهم مدربون للميليشيات الشعبية وأطباء وأساتذة يشرفون على كلية الطب وتسييرها في مراحلها الأولى. "