آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:32ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: ما المستجدات السياسية التي أفضت إلى اعتماد قرارات لجنة معالجة قضايا المُبعدين؟

الخميس - 18 مايو 2023 - 08:10 ص بتوقيت عدن
تحليل: ما المستجدات السياسية التي أفضت إلى اعتماد قرارات لجنة معالجة قضايا المُبعدين؟
(عدن الغد)خاص:

قراءة في إمكانية تطبيق قرارات إعادة أكثر من 50 ألف مُبعد ومُسرّح عن الخدمة مدنياً وأمنياً وعسكرياً..

لماذا صدر قرار اعتماد إعادة المبعدين في هذا التوقيت بالذات.. وما دلالاته؟

هل يمكن بالفعل تطبيق القرار واستيعاب المُبعدين بعد ثلاثة عقود من تسريحهم؟

ما موانع أو عوائق تنفيذ القرار بشكل فعلي على أرض الواقع؟

هل حاول البعض التكسب من وراء هذا القرار أو استمالة طرف سياسي معين؟

ما الدلالات الإيجابية التي يحملها القرار.. وما الذي يمكن أن يحققه سياسياً واجتماعياً؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

مرّت اليمن بمراحل سياسية خطيرة، ومنعطفات حادة رافقتها الكثير من الانتهاكات الحقوقية، التي كان المنتصرون يمارسونها بحق الخصوم السياسيين المنهزمين، تارة بالتصفية الجسدية، وتاراتٍ بالإبعاد والتهميش والإقصاء، كعقاب على انتماءاتهم وخياراتهم في الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك.

لم تحدث هذه الانتهاكات عقب حرب صيف عام 1994، والتي أفرزت العديد من المظالم والسطو على الحقوق، ولكن ممارسات كهذه تكررت في مختلف مراحل الصراع السياسي التي عاشتها البلاد، شمالًا وجنوبًا على السواء.

فالجنوب شهد في مارس/آذار عام 1968 عملية إبعاد ضخمة لمئات والكوادر الإدارية في القطاع المدني، ألقت بظلالها لاحقًا على مستوى الأداء الحكومي، واستمرت هذه الممارسات عقب الحركة الانقلابية أواخر يونيو/ حزيران 1969، وبالتأكيد تلتها عملية إقصاء لكل من انتمى للطرف المهزوم، أو ساند أفكاره ورؤاه السياسية.

واستمر الأمر في نهاية سبعينيات القرن الماضي، في ظل الأحداث السياسية والأمنية التي رافقتها، والتصفيات الدموية التي طالت قيادات سياسية وأمنية، وبالتزامن كان ذات الأمر يحدث في شمال اليمن حين تم اعتقال وتهميش وترحيل كل من انتمى لما كان يُعرف بـ"الجبهة الوطنية" الموالية للنظام اليساري في جنوب البلاد، وما زالت تداعيات كل ذلك مستمرة حتى اليوم.

وعادت المأساة أكثر حدة في الجنوب عقب أحداث يناير/كانون ثاني 1986، حين تم الإقصاء والإبعاد على أساس الانتماء القبلي والمناطقي والقروي، وليس فقط على أساس الانتماء السياسي أو الأيديولوجي كما كان من قبل في كل الفترات والمراحل السياسية، وهو ما ألقى بتأثيراته على الأحداث العسكرية والأمنية التي تلتها في فترة ما بعد حرب عام 1994.

وبرأي حقوقيين، فإن ما أفضت إليه حرب الشمال والجنوب في منتصف العام 1994، من انتهاكات وإبعاد متعمد وتهميش حاد، طال حتى موظفي المرافق والمؤسسات المدنية والمصانع العامة، لازمه الحظ، كونه أول الانتهاكات الموثقة بشكل جدي، ووجدت لها أصداءً حقوقية تنافح عن أصحابها وتدافع عن كل ما تعرضوا التهميش والإقصاء، بعكس كل ضحايا المراحل والفترات السياسية الأخرى التي شهدتها اليمن، شمالًا وجنوبًا.

حيث لم يحظَ ضحايا الإبعاد والإقصاء في أعوام 1968، أو 1969،  أو 1978، أو 1986، في الجنوب، أو ضحايا الإقصاء والترحيل في سبعينيات القرن الماضي في الشمال أي مساندة تذكر، وطواهم التراويح بنسيانه، على العكس تمامًا من المبعدين ما بعد حرب عام 1994.

وحتى وإن حاول بعض المهمشين والمبدعين المنتمين لفترات الصراع السياسي في الجنوب والشمال العمل للحصول على حقوقهم، وإن بأثر رجعي، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل؛ نتيجة تركيز الإعلام وكافة الآلة التوجيهية نحو مبعدي عام 1994، ربما لأسباب ودواعٍ سياسية معروفة.

> مبعدو 1994

قد يكون مبعدو أحداث عام 1994، قد نالوا حظًا وافرًا أكثر من غيرهم، وصدر بهم قرار رئاسي لإعادتهم إلى وظائفهم وتسوية أوضاعهم بشكل مُرضي، بحسب كثير من السياسيين والحقوقيين، غير أن ما لا يدركه البعض أن هذا القرار وإن كان قرارًا صائبًا كما وصفه كثيرون، إلا أن قرارًا كهذا تأخر قرابة ثلاثة عقود.

لكن بحسب البعض، أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل أبدًا، وهو ما فعله المجلس الرئاسي مؤخرًا، مستكملًا ما بدأه الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، حين أصدر في العام 2013 قرار تشكيل لجنة معالجة قضايا المُبعدين والمُسرّحين بالمحافظات الجنوبية في المجال المدني والأمني والعسكري، ورغم المنعطفات السياسية والعسكرية التي مرت البلاد منذ تاريخ تشكيلها إلا أنها استطاعت استصدار قرارات اعتمدها مؤخرًا المجلس الرئاسي اليمني.

ولعل ما يجعل ضحايا الإقصاء والإبعاد في المحافظات الجنوبية، وتحديدًا ضحايا نتائج حرب 1994، محظوظون هو أن قضية الجنوب والحرب الناتجة عنها في ذاك التاريخ اتخذت أبعادًا سياسية وحقوقية معًا، وهو ما لم يحظَ به ضحايا الإقصاءات والإبعادات السابقة في مختلف فترات الصراع اليمني شمالًا وجنوبًا.

وما زاد من التسريع في إقرار إنصاف مبعدي 1994 أن القضية الجنوبية باتت قضية إقليمية ودولية ولم تقتصر على الجانب المحلي، وهذه الصفة في القضية الجنوبية لازمتها منذ اندلاع حرب ذلك العام قبل قرابة ثلاثين عامًا، وهو ما اعترف به مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013 - 2014)، وقدم اعتذارًا رسميًا لكل الجنوبيين على ما رافق تلك الحرب من مآسٍ وانتهاكات.

وكل تلك المستجدات السياسية والحقوقية أفضت بكل تأكيد إلى اعتماد القرار قرارات لجنة معالجة قضايا المُبعدين عن وظائفهم، والتي شملت كافة الموظفين المدنيين والأمنيين والعسكريين، في كافة المرافق الرسمية.

كما أن توقيت إصدار القرار باعتماد إعادة المبعدين وتسوية أوضاعهم لا يمكن فصله عنا يجري من أحداث وتطورات ومستجدات تمش القضية الجنوبية، وخاصة إعادة هيكلة المجلس الانتقالي الجنوبي، والتحول في سياسات الدولة اليمنية تجاه القضية الجنوبية، باعتبارها قضية محورية في المشهد اليمني العام، وإحدى مرتكزات الأزمة اليمنية الراهنة.

بل إن توقيت الإعلام عن هذه القرارات حمل تطمينات عديدة للجنوبيين بإمكانية حل ومعالجة كافة الملفات المتعلقة بالقضية الجنوبية، على طريق إيجاد حلول مُرضية تتناسب وتطلعات أبناء المحافظات الجنوبية، أو هكذا رآها مراقبون وسياسيون.

> إمكانية تطبيق القرار؟

رغم الجوانب الإيجابية في قرار اعتماد قرارات لجنة معالجة قضايا المُبعدين، وما نتج عنه من أصداء مُشجعة في الشارع الجنوبي خاصة واليمني عمومًا، إلا أن ثمة العديد التساؤلات الطارئة على السطح، والتي تدور حول إمكانية تطبيق القرار وتنفيذه على أرض الواقع، في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد على مختلف الأصعدة والمستويات.

فهناك من يعتقد أن القرار تأخر كثيرًا، حتى أن عددًا من المُبعدين قد قضوا آجالهم وهم ينتظرون إنصافهم نظير ثلاثين عامًا من التسريح عن أعمالهم ووظائفهم، بل إن ذويهم وابناءهم هم من تكفلوا بمتابعة حقوق آبائهم وأجدادهم، وحتى وإن حصلوا على مثل هذا القرار فإنه لن يكون بنفس وطأة الإنصاف عند المستحقين أنفسهم.

كما أن ثمة من يشكك في إمكانية تنفيذ وتطبيق هذا القرار عطفًا على أوضاع البلاد وظروفها المالية، وهو ما اعترف به غير واحد من المسئولين الحكوميين، الذين أشاروا إلى حاجة الحكومة إلى ما يقارب 4 مليارات ريال يمني لسد متطلبات تنفيذ قرار إعادة المُبعدين وتسوية أوضاعهم، وهذا المبلغ أعلن عنه حين كانت الدولة تمتلك إيرادات تصدير النفط والغاز، غير أن العجز المالي قد ضرب كافة مفاصل الدولة.

يأتي هذا في ظل توقف صادرات النفط؛ نتيجة تهديدات وقصف مليشيات الحوثي لموانئ وناقلات الوقود، ما جعل خزائن الدولة خاوية على عروشها، وغير قادرة على صرف مرتبات موظفي الدولة المنتظمين في السلكين المدني والأمني والعسكري، فما بال الموظفين المُبعدين والعائدين مؤخرًا بقرار رئاسي.

بالإضافة إلى مطالبة البعض بتعويض المُسرّحين بأثر رجعي، ومنحهم مستحقاتهم خلال فترات انقطاعاتهم وإبعادهم عن وظائفهم، وليس فقط إعادتهم إلى أعمالهم، ومطلب كهذا يمكن أن يكون منطقيًا خاصة وأن كثير من المُبعدين قد تحاوز أحد أجلي التقاعد، ويُصعب عليه العودة للعمل ميدانيًا، بعد أن قضى زهرة شبابه في انتظار التعويض.

تلك الموانع والعوائق قد تجعل من قارا اعتماد إعادة المُسرّحين حبرًا على ورق، خاصة وأن اللجنة المعنية بمعالجة قضايا هؤلاء المُبعدين تحدثت بكل صراحة خلال مؤتمر صحفي عقدته أخيرًا، أن مهامها تقف عن الرفع بقرارات تتضمن أسماء وأعداد المشمولين بالعودة إلى وظائفهم وتسوية اوضاعهم.

وأشارت اللجنة إلى مهمة التنفيذ مرتبطة بمدى توفر المال، فقرار كهذا يستهدف أمثر من 50 ألف مُبعد ومُسرّح من وظيفته، يتطلب موارد مالية كافية، وهي مهمة الحكومة ممثلة بوزارة المالية وصندوق معالجة المُبعدين، بالإضافة إلى جهات ومؤسسات عديدة معظمها ذات صفة حكومية.

حتى أن البعض أعاد التذكير بإسهامات دولة قطر في ذلك الحين، حين بادرت في عام 2013، بدعم صندوق معالجة أوضاع المُبعدين وبمبلغ 350 مليون دولار، غير أن أحدًا لا يعلم أين ذهبت تلك الأموال أو تلك الوعود إن لم تكن قد تم دفعها للحكومة اليمنية، بل إن هناك من يتحدث عن استلام الحكومة جزء من ذاك المبلغ مقدر بـ150 مليون دولار لا يُعرف مصيرها.

ومهما يكن من عوائق أو موانع تحول دون تنفيذ هذا القرار، إلا أن أي تأخير أو تلكؤ في عدم تنفيذه قد يسبب من هذا القرار قيمته السياسية والاجتماعية والحقوقية، خاصةً وأن كثيرين اعتبروه بداية حقيقية لانطلاق عملية "جبر الضرر" كخطوة أولى على طريق "العدالة الانتقالية" التي ينتظرها هذا البلد، ليس لحرب عام 1994، وإنما جبر ضرر كافة المنعطفات وفترات الصراع السياسي التي مر بها اليمن شمالًا وجنوبًا.

كما أن الاهتمام بالعمل على تنفيذ قرار كهذا، سيؤكد دلالته السياسية والحقوقية والاجتماعية التي حملها معه، بالإضافة إلى أن تطبيقه سيقطع الطريق أمام كل من حاول التكسب من قضايا المُبعدين عن وظائفهم أو توظيفها سياسيًا، رغم أن معاناة الإقصاء والإبعاد سبق وأن مارسها الجنوبيون بحق أنفسهم منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، قبل أن يمارسها الشماليون بحق الجنوبيين.