مصرع الغشمي
يواصل الرئيس علي ناصر محمد حديثه عن العلاقات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجامعة الدول العربية.. وفي هذا العدد يحكي لنا حول موقف جديد وفريد وقال موضحا في حديثه :" أثار مصرع الرئيس اليمني الشمالي (أحمد حسين الغشمي) بالحقيبة الدبلوماسية عام 1978 عاصفة من الجدل العنيف في أروقة جامعة الدول العربية، وعلى خلفية تطورات الموقف الموشك على التفجر بين الجمهوريتين اليمنيتين، عقد مجلس الجامعة اجتماعاً طارئاً يومي 1 و2 /7/1978 وأصدر القرارات الآتية:
1-شجبه الشديد لاغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي.
2-إدانته لكل من قام أو شارك في تخطيط جريمة الاغتيال وتنفيذها.
3-تجميد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول الأعضاء وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
4-وقف العلاقات الاقتصادية والثقافية والمعونات الفنية التي تقدمها الدول العربية إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
5-أن يعيد مجلس الجامعة النظر في هذه الإجراءات عندما تقوم حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية باحترام أحكام ميثاق جامعة الدول العربية.
وبذلت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية جهداً كبيراً في الاتصال بالأطراف المعنية على أمل معالجة الموقف المتدهور بين جنوب اليمن وشماله، وكانت التوترات وتصاعد الأحداث يصلان أولاً بأول إلى جامعة الدول العربية، ويمكننا رصد ذلك من خلال العديد من المذكرات التي رفعت من قبلنا إليها عن الحشود الشمالية تجاه بلادنا.
حرب صنعاء وعدن
ويذكر الرئيس ناصر في حديثه :" انه في 10/7/1978: بعثت منظمة التحرير الفلسطينية بمذكرة تضمنت قيام المنظمة بدور الوساطة بين الدولتين للحيلولة دون نشوب قتال بينهما، ورحبت بها بلادنا، فيما رفضتها صنعاء لأنها ترى أي وساطة بين البلدين أمراً غير وارد على الإطلاق من أية جهة كانت.
في 6/3/1979: عقب نشوب الحرب بين النظامين في صنعاء وعدن عام 1979 قامت الجامعة بدور حاسم في فضّ النزاع بين الشطرين، واستعرض مجلس جامعة الدول العربية المنعقد بالكويت في دورة استثنائية الوضع القائم بين الدولتين، وخطورة الأحداث المؤسفة بينهما، وما يمكن أن تلحقه من أضرار بالأمة العربية وكل من صنعاء وعدن، فكان أن أصدر المجلس القرار (ق 3796/د ط / ج3- 6/3/1979) الذي تضمن ما يأتي:
1-الموافقة على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين دولتي اليمن من طريق لجنة الوساطة العربية المؤلفة من ممثلي سورية والعراق والأردن.
2-البدء فوراً بتنفيذ هذا الاتفاق وانسحاب القوات المسلحة للطرفين خلال مدة أقصاها عشرة أيام.
3-الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية من قبل أي فريق لدى الفريق الآخر ومن قبل أي طرف ثالث.
4-وقف الحملات الإعلامية من قبل الطرفين.
5-فتح الحدود بين البلدين وإعادة العلاقات الطبيعية بينهما، بما في ذلك العلاقات التجارية وانتقال الأفراد.
6-تشكيل لجنة متابعة تشرف على تنفيذ هذا القرار، مؤلفة من وزراء خارجية الدول الآتية: الأردن، الإمارات، الجزائر، سورية، العراق، فلسطين، الكويت، والأمين العام لجامعة الدول العربية.
7-تشكيل لجنة إشراف عسكرية من ممثلي البلدين ودول لجنة المتابعة.
8-للجنة المتابعة الحق في دعوة مجلس جامعة الدول العربية لعرض أي تطور يتعارض مع هذا القرار من أجل تحديد المسؤولية.
9-تقدم لجنة المتابعة كما يقدم الأمين العام تقريراً في أول اجتماع لمجلس الجامعة يتضمن عرضاً لمراحل تنفيذ هذا القرار.
جدل صاخب وتبادل أتهامات
ويسترسل الرئيس ناصر ويقول :" والجدير ذكره أن الجلسة التي اتخذ بها هذا القرار التاريخي رفعت قرابة الساعة الثالثة فجراً من صباح يوم 6/3/1979 بعد جلسات طويلة جداً عُقدت خلال يومي – 4 و5 /3/1979 – استهلكت في الجدل الصاخب والردود المتشنجة وتبادل الاتهامات، إطلاق الشائعات والتكهنات، إلا أن الجلسة الختامية شهدت أيضاً إلى جانب الاتفاق على صيغة القرار تسابقاً بين الدول الأعضاء لتقديم بعضها الاعتذارات لبعض، وعودة مياه المحبة والدفء الأخوي إلى مجاريها الطبيعية.
العمل الإسلامي الجماعي بين قمتي لاهور والطائف
ويستطرد الرئيس ناصر ويقول :" وحول العمل الإسلامي الجماعي بين قمتي لاهور والطائف استقبل الرئيس سالم ربيع علي يوم الثلاثاء 11 شباط/فبراير 1974م، القائم بأعمال سفارة باكستان الإسلامية السيد حامد علي خان، الذي سلّمه رسالة من رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو، تتعلق بدعوة للرئيس ربيع إلى المشاركة في القمة الإسلامية التي ستعقد في لاهور في 22 شباط/فبراير من العام نفسه.
كانت أول دعوة توجه إلى اليمن الديمقراطية لحضور قمة إسلامية، إذ إن بلادنا لم تُدعَ إلى القمة الإسلامية الأولى التي عقدت في الرباط عام 1969م إثر حريق المسجد الأقصى، رغم أن اليمن الديمقراطية كانت الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية بسبب ذلك الحريق!
عقد مجلس الرئاسة اجتماعاً لمناقشة موضوع حضور الرئيس ربيع مؤتمر القمة الإسلامي بلاهور، وكان رأيه ألّا نشارك في المؤتمر، لكنه لم يُبدِ أسباباً مقنعة تستوجب رفض الدعوة أو عدم المشاركة، وعندما أصرّ على موقفه، عرضنا أمر الذهاب على عبد الفتاح إسماعيل الأمين العام للجبهة القومية والعضو الثاني في مجلس الرئاسة، لكنه أيضاً رفض، متذرعاً بأنه ليس رئيس دولة، وأن وجوده سيبدو غريباً! قلنا له إن العقيد القذافي يقول إنه ليس رئيس دولة ومع ذلك سيشارك في المؤتمر، لكنه أصرّ على موقفه.
المشاركة في المؤتمر الإسلامي
ويتابع الرئيس ناصر حديثه قائلا :" وكان رأيي ضرورة مشاركتنا في المؤتمر الإسلامي، باعتبارنا جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية. وإن عدم الحضور سيكون خطأً وزيادة في عزلتنا، وحضورنا سيؤكد التزامنا الثابت والعميق والمنطقي بأننا جزء من الأمة العربية والإسلامية. لقد نشر اليمانيون على كاهلهم الدعوة الإسلامية، مقدمين للإسلام على امتداد تاريخه الرجالات الكبار في مجالات العلم والثقافة والدين والمقاتلين، ناشرين قيم الخير والعلم والأخلاق والتضحية... ولهذا من غير المنطقي أن نتخلف نحن عن حضور قمة إسلامية ستبحث في قضايا المسلمين وهمومهم في العصر الراهن.
في الأخير، اتخذ القرار بالمشاركة في مؤتمر لاهور برئاستي.
القمة الأولى في مؤتمر عربي
ويتابع الرئيس ناصر حديثه ويقول :" كان أول مؤتمر قمة في حياتي أحضره على هذا المستوى الرفيع. كانت تجربة مهمة بالنسبة إليّ على الصعيد الشخصي، إذ أكسبتني معرفة وخبرة جديدة لم تكن متاحة لي من قبل، كذلك هيأت لي فرصة تعرف عدد من قادة العالم العربي والإسلامي وزعمائه لأول مرة، خصوصاً من دول الخليج العربي.
ويقول :" لأول مرة سألتقي الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والملك فيصل، ملك السعودية، وأمير البحرين، وحاكم قطر وذو الفقار علي بوتو رئيس وزراء الباكستان، ومجيب الرحمن رئيس جمهورية بنغلادش وغيرهم، وقد كانت المشاركة مهمة لبلادنا، التي طالما اتهمت بالشيوعية، وكان حضورنا يختزل مسافات من التشويهات التي لحقت ببلادنا ونظامنا الوطني.
حرصت في لاهور على أن ألتقي القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري في صنعاء، وخصصنا لقاءنا للأمور التي تهمّ اليمن ووحدتها وكذا القضايا التي سيناقشها مؤتمر القمة الإسلامي، واجتمعت أيضاً بالرئيس حافظ الأسد، وبأمير دولة الكويت الشيخ صباح سالم الصباح، والرئيس الجزائري هواري بومدين، وتقي الدين الصلح رئيس وزراء لبنان، وسواهم.
كلمة معتدلة
ويضيف قائلا :" الاهتمام الذي أبداه ذو الفقار علي بوتو بوفدنا كان كبيراً. فقد حرص على الاجتماع بي فور وصولي إلى لاهور، وبحث معي القضايا المتعلقة بإنجاح المؤتمر، بالإضافة طبعاً إلى علاقات البلدين. ومن وجهة نظري، يعود هذا الاهتمام إلى عدة أسباب، منها أن اليمن الديمقراطية كانت صديقة للصين الشعبية من وجهة نظره، وكانت باكستان أقرب في صداقتها إلى الصين مقابل صداقة الهند للاتحاد السوفياتي. أما السبب الأهم فقد كان يتعلق بأن الباكستان دولة مضيفة للمؤتمر، وكانت حريصة على ألّا تكون مشاركتنا سبباً في تعكير أجواء القمة، خصوصاً أن بوتو كان يعلم بالخلافات بين بلادنا والسعودية، ورجاني في اليوم الأول لوصولي، عندما التقينا، عدم إثارة أي شيء قد يفهم منه الإساءة إلى دول الخليج والجزيرة، ما قد يسبب تعكير الأجواء. وقد احترمت رغبة علي بوتو والدولة المضيفة، وألقيت في المؤتمر كلمة معتدلة على غير عادتنا في مهاجمة الإمبريالية والدول الرجعية.
وفود تمثل 27 دولة إسلامية
ويستطرد الرئيس ناصر ويقول :" حضر مؤتمر القمة الإسلامي الثاني وفود تمثل 37 دولة إسلامية ، وقد افتتح أعماله يوم الجمعة 22 شباط/فبراير واختتم أعماله يوم 24 شباط/فبراير 1974، وألقى ذو الفقار علي بوتو كلمة نوّه فيها بأهمية التضامن الإسلامي في مثل هذه الظروف التي يجتازها العالم. وتحدث في الجلسة أيضاً الرؤساء العرب: حافظ الأسد وأنور السادات ومعمر القذافي. وفي كلمتي حيّيت رئيس المؤتمر والحكومة الباكستانية على الجهود التي بذلوها لعقد المؤتمر وإنجاحه، وأشدت بقرار الحكومة الباكستانية الاعتراف بدولة بنغلاديش، وجاء فيها:
«إن قراركم الحكيم والشجاع الذي ينمّ عن الروح الواقعية والشجاعة باعترافكم ببنغلاديش لقرار يستحق منا كل التقدير، وأكسب المؤتمر أهمية خاصة، وإنه لمن دواعي السرور أن يشاركنا الأخ مجيب الرحمن في مؤتمرنا التاريخي هذا... إن لقاءنا في مدينة لاهور يمثل ولا شك بداية جادة لنشاط إسلامي واسع يعزز وحدة الشعوب الإسلامية وحقها في الحياة الكريمة».
بعد 17 عاماً كاملة من زيارتي لاهور وحضور مؤتمر القمة الإسلامي والتقائي رئيس وزراء الباكستان الراحل ذو الفقار علي بوتو بحضور السيدة زوجته نصرت بوتو وابنيه بنازير، ومرتضى، تجدد لقائي بأسرته هذه المرة في منزل ابنة مرتضى علي بوتو في مدينة دمشق وفي حيّ المزة مع أرملة السيد علي بوتو الذي أعدم بتدبير من خصمه ضياء الحق ، حيث تفرقت أسرته بين عدة عواصم، واستقرّ بها المقام أخيراً في دمشق ضيوفاً على الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
ذكريات في لاهور
ويتابع الرئيس ناصر حديثه :": وقد استعدنا ذكريات لقائنا الأول في لاهور، والمحنة التي أصابت العائلة بعد إعدام ذو الفقار علي بوتو في 3 نيسان/أبريل 1979، وصمود العائلة في وجه كل هذه العواصف التي لم تثن ابنته عن خوض المعركة والعودة إلى رئاسة الحكومة في باكستان عام 1990م. استغرقت مشكلة كشمير حيّزاً كبيراً من حديث السيدة نصرت بوتو، حيث رفضت الهند التخلي عن جزء كبير من كشمير التي يعيش فيها أكثر من خمسة ملايين مسلم. وقد حاولت أن أشرح لها أن الظروف والوضع اليوم يختلفان عن عام 1971م من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والجغرافية، وأن الحل السلمي والحوار هما الأجدى في ظل هذه المتغيرات الدولية لحلّ النزاع الهندي - الباكستاني حول كشمير.
السيدة نصرت من أصل فارسي، وكانت تبلغ حين حصل هذا اللقاء الرابعة والستين من عمرها، قوية، وأنيقة، ومتحدثة لبقة، وكانت تبدو في ملابسها الوطنية وحركتها كأنها الطاووس.
وكان ابنها (مير) متزوجاً امرأة أفغانية، ولكنه طلقها. أما أخوه المتوفى، فقد كان متزوجاً أختها، وقد نصح بأن يطلقها بعد أن اكتشف أنها وأختها تعملان ضدهما لحساب جهات أجنبية. بعد ذلك بسنوات عاد مرتضى إلى باكستان ولقي مصرعه على يد الشرطة الباكستانية خلال فترة حكم أخته بنازير بوتو. ويبدو أن اللعنة قد حلّت بهذه الأسرة كما حلّت قبل ذلك بأسرة آل كينيدي وأسرة نهرو. واستمرت اللعنة تلاحقهم حتى نالت من بنازير بوتو رئيسة الوزراء السابقة في 27-12-2007م، حيث ذهبت ضحية تفجير أودى بحياتها بعد عودتها من منفاها في الخارج.
قمة الطائف
ويستدرك الرئيس ناصر في حديثه قائلا :" القمة الإسلامية الثالثة التي شاركت فيها، عقدت بمدينة الطائف في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 1981م. هذه المرة حضرتها بوصفي رئيساً لدولة اليمن الديمقراطية. ولم يثر أحد اعتراضات على الاشتراك هذه المرة، بعد أن نشأ وضع جديد في علاقتنا بالسعودية ودول المنطقة الخليجية بعد سياسة الانفتاح التي اتبعناها بدءاً من عام 1980م عندما قمت بجولة سياسية شملت أهم دول المنطقة في الجزيرة والخليج. وكانت مكانة اليمن الديمقراطية قد بدأت تتوطد في أسرة الدول العربية الإسلامية.
كان مؤتمر الطائف وما حدث فيه مناسبة جيدة للتحقق من هذا الوضع. الأشقاء السعوديون استقبلونا بحفاوة وتكريم، سواء الملك خالد أو ولي عهد المملكة الأمير فهد. عقدت أول اللقاءات بأمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان، والرئيس الصومالي سياد بري، والرئيس علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، والرئيس الباكستاني ضياء الحق الذي دار الحديث معه حول الوضع في المنطقة وضرورة حلّ الخلافات بين بلاده وأفغانستان بالطرائق السلمية والحوار المسؤول بما يخدم مصلحة الشعبين. كذلك التقيت جوكوني عويدي رئيس الحكومة الانتقالية في تشاد، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والرئيس العراقي صدام حسين.
اهتمام عالمي
كان مؤتمر الطائف مثار اهتمام عالمي، بعد أن أخذت منظمة المؤتمر الإسلامي تمارس دوراً في الحياة الدولية، وفي خدمة قضايا العالم الإسلامي والدفاع عنها، ومنها قضية فلسطين.
ألقى كورت فالدهايم (الأمين العام للأمم المتحدة)- لأول مرة كلمة في المؤتمرات الإسلامية عرض فيها الأوضاع الدولية الراهنة، وأشاد بمساهمة منظمة المؤتمر الإسلامي في الحياة الدولية، وبدعم منظمة الأمم المتحدة. وأعرب عن القلق الشديد الذي تشعر به منظمة الأمم المتحدة تجاه تصعيد العنف والإرهاب في بعض مناطق العالم. وبذلك انتزعت منظمة المؤتمر الإسلامي التي أُنشئت في عام 1969 في الرباط بالمغرب لنفسها اعترافاً دولياً بها. وألقى كلمة رئيس المؤتمر الملك خالد بن عبد العزيز ولي عهده الأمير فهد نيابةً عنه. كذلك أدار أعمال المؤتمر. واستمع المؤتمرون إلى خطاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب بشأن «وثيقة القدس» التي تقدم بها إلى المؤتمر اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية، باعتباره .
مؤتمر الطائف 1981م
ويواصل الرئيس ناصر ما تبقى في هذا المؤتمر.. حيث يقول مستدركا :" في الكلمة التي ألقيتها في اجتماع الملوك والرؤساء اختصرت موقف اليمن الديمقراطية من القضايا المعروضة في القمة الإسلامية الثالثة بالطائف، وقلت: «إن انعقاد مؤتمرنا يساير تطلعات شعبنا اليمني وجهوده نحو السلام والاستقرار والتعاون بين بلدان منطقتنا القائم على أساس الاحترام المتبادل للاستقلال والسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية».
وفي المؤتمر دعوت إلى عقد مؤتمر سريع على مستوى القمة لدول الخليج العربي والجزيرة العربية والقرن الإفريقي وكل الأطراف المعنية للبحث في قضية تصفية المنطقة تصفية شاملة من القواعد الأجنبية والأساطيل الحربية. كذلك وجهت الدعوة مجدداً إلى أشقائنا العراقيين والإيرانيين «باللجوء إلى الحوار لمعالجة المشاكل بينهما»... وأشرت إلى قضية أفغانستان التي كانت أيامها من القضايا الساخنة، وأكدت ضرورة البحث عن حلّ سياسي يضمن استقلال وسيادة أفغانستان وعدم انحيازها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
لكن توجهات المؤتمر كانت غير ذلك، فقد اتخذت قمة الطائف قراراً يدين الحكومة الأفغانية في كابول والتدخل السوفياتي في أفغانستان، وأصدرت قرارين ضد إثيوبيا، أولهما يتضمن الوقوف إلى جانب الإريتريين ويناشد دعمهم في صراعهم مع الحكومة الإثيوبية في أديس أبابا. والثاني يدعم الصومال ويؤيدها في صراعها مع إثيوبيا.
اعتراض القرارين ضد افغانستان واثيوبيا
ويمكل الرئيس ويقول :" غير أنني اعترضت على كلا القرارين ضد أفغانستان وإثيوبيا، معلناً تحفظي أمام المشاركين في المؤتمر جميعاً، ما أثار غضب البعض من قادة الدول الإسلامية وقادة المجاهدين الأفغان. فمن هذا الذي يجرؤ في الطائف وفي مؤتمر قمة إسلامي على أن يعترض ويقف موقفاً يبدو لأغلبية الحاضرين أنه إلى جانب غير المسلمين؟! غير أنني كنت أرى أن المشاكل من هذا النوع لا تحلّ بالقرارات والإدانات لهذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع، لأننا محكومون برؤية المشاكل من بعض الزوايا فقط، بينما الحوار والبحث عن حلّ بالطرائق السلمية من الأطراف المعنية يكسر حدة الانفعالات ويساعد على رؤية المشاكل من جميع الزوايا، وبالتالي يصبح الحلّ ممكناً ومتاحاً مهما كانت المشكلات شديدة التعقيد.
لكن الموقف الذي اتخذته في «قمة الطائف» ضد قرارات الإدانة للسوفيات والإثيوبيين والأفغان أظهرني في موقف المعترض الوحيد على قرارات تلقى إجماع معظم المؤتمرين. غير أن الأمر لم يكن كذلك تماماً، فقد تحفظ عن القرارات نفسها رؤساء كل من سورية والجزائر وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، لكن بصورة غير معلنة، إذ قدموا تحفظاتهم «المكتوبة» إلى سكرتارية المؤتمر، بينما أعلنت أنا موقفي على رؤوس الأشهاد، ما أذهل المؤتمرين لأنهم عدّوه موقفاً غير معهود، أو أقله غير متوقع.
الرئيس صالح لعلي ناصر: لم يساندك أحد في موقفك
ويستطرد الرئيس ناصر في حديثه قائلا :" كان وفدنا قد أجرى أعمالاً تنسيقية مع بعض الدول العربية ورؤساء الوفود المشاركة وخصوصاً دول «جبهة الصمود والتصدي» بهدف التعاطف مع الحكومتين الأفغانية والإثيوبية، والوقوف ضد أية قرارات بإدانتهما، لكن طريقة كل منا في التعبير اختلفت. فبينما فضلوا هم السرية، اخترت أنا الطريق العلني.
وجد الرئيس علي عبد الله صالح ضالته في ذلك، فقال لي خلال الاستراحة: ألا ترى أنكم، التقدميين، يخذل بعضكم بعضاً، فلم يساندك أحد في موقفك، بينما نحن وأصحابنا ننسّق أفضل منكم؟!
في اليوم التالي، سبر حقيقة مشاعري الشيخ زايد بن سلطان، فقال لي بمشاعره الدافئة التي جذبتني إليه منذ أول لقاء لنا في لاهور: ها يا أخ علي، هل ما زالت عندك تحفظات أخرى؟!
أجبته: يا شيخ زايد، إذا كان هناك ما يستوجب التحفظ، فسأفعل ذلك من غير تردد، حتى ولو بقيت وحدي في هذا الموقف.
ردّ الشيخ زايد: أريد أن أقول لك بصراحة، لقد احترمتك أمس لأنك سجلت موقفاً من الصعب أن يقف مثله شخص آخر في هذا المؤتمر، لأنك طالبت بالحوار وحلّ المشاكل سلمياً بين أفغانستان والمجاهدين وبين إثيوبيا وأريتريا وبين الصومال وإثيوبيا.
انتصار المجاهدين على السوفيات
ويردف الرئيس ناصر ويقول :" مرت السنون وانتصر المجاهدون على السوفيات وعلى نظام كابول، وشهدت كابول أخطر المعارك وأشرسها في تاريخ أفغانستان والتهمت الحرب الأخضر واليابس، وكان الحوار السلمي والحلّ السلمي الذي دعوت إليه قبل 17 عاماً هو الذي كان سينقذ أفغانستان من الدمار.
المهم أن هذه الحرب التي دارت رحاها على الأرض الأفغانية بقيادة وكالة المخابرات المركزية الأميركية أرادتها رداً على هزيمتها في فيتنام عام 75م، وكان وقود هذه الحرب الشعب والجيش الأفغاني والجنود السوفيات والأفغان العرب، والمال العربي هو السلاح الذي استخدم في حسم المعركة.
وأكرر الآن أن هذه القوى من المجاهدين العرب والأفغان ومن يسمون اليوم بالإرهابيين قد خاضت هذه الحرب نيابة عن الولايات المتحدة الأميركية، وقد اصطدمت بها فيما بعد، بعد احتلالها أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001م، وبعد أن أصبح صديق الأمس عدو اليوم!!
مواجهة ودية مع قابوس
أما آخر ما حدث لي في الطائف، فكان مناسبة جيدة تتعلق بأول لقاء بيني وبين السلطان قابوس، سلطان سلطنة عمان. فبعد انتهاء أعمال المؤتمر، أخذ الرؤساء والملوك بمغادرة القاعة واحداً تلو الآخر، ولم يبقَ فيها سواي والرئيس علي عبد الله صالح، بالإضافة إلى الشيخ زايد والسلطان قابوس. بعد قليل غادر الشيخ زايد، وتبعه علي عبد الله صالح، لكنه قبل أن يخرج قال لي وهو يضحك: يظهر أنك ستبقى أنت وقابوس وحدكما!
حدث أن نادوني قبله، وكان يجلس في مكان لا أستطيع معه تفادي السلام عليه، فنهضت، وخطوت باتجاه الباب، محاولاً قياس ردّ فعله، وأصبحت قريباً منه. وقبل خطوة أو خطوتين نهض السلطان قابوس من مقعده وتقدم نحوي خطوتين، مادّاً يده بالسلام، وتقدمت إليه. كان يقف مبتسماً، وتصافحنا. وبادرني بالسؤال:
أأنتم مسافرون الآن؟ فأجبته: نعم.
قال: أتمنى لكم التوفيق، وأرجو أن نلتقي عما قريب. قلت: إن شاء الله.
تصافحنا مرة أخرى قبل مغادرة القاعة إلى السيارة. وكان هذا أول لقاء بيني وبين السلطان قابوس، وبداية تطبيع العلاقة بين اليمن الديمقراطية وسلطنة عمان.
( للحديث بقية)