تقرير يتناول مصير المحادثات السعودية الحوثية في صنعاء للوصول إلى تسوية سياسية شاملة.
ما مصير المحادثات بين الرياض وصنعاء في ظل غموض يكتنف نتائجها؟
لماذا لم يتم الإعلان عن أي تقدم حقيقي في المحادثات رغم مرور نحو شهرين منذ بدايتها؟
هل تعثرت المحادثات وفشلت فعليًا.. أم أن بحث التفاصيل يحتاج إلى وقت طويل؟
ما حقيقة رفع الحوثيين لسقف مطالبهم.. وما هي أبرز العراقيل التي تواجه المحادثات؟
المحادثات.. هل هي مناورة سياسية بين الجانبين.. أن رغبة حقيقية منهما؟
ما مصير القضية الجنوبية من المحادثات بين صنعاء والرياض.. وما موقف الانتقالي من نتائجها؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
ما زال الغموض يلف المحادثات السعودية الحوثية الجارية في صنعاء، والتي أكملت تقريبًا شهرها الثاني دون الإعلان عن أي تقدم حقيقي في الملفات التي تم مناقشتها، رغم أن الجميع لأحد مدى الحفاوة والترحاب الذي حمله كل طرف للآخر، ما جعل التفاؤل في أعلى مستوياته، وأوحى بقرب التوصل لتسوية سياسية.
غير أن الأنباء الواردة حول المحادثات لم تكن كذلك، ولم تتضمن أو تفاؤل أو مؤشرات لحدوث اختراقات وانفراجات في النقاشات، بل إن تقارير عديدة رجحت إمكانية فشل المحادثات، وعدم توصلها إلى أي حل؛ نتيجة العديد من العوامل والمسببات المتعلقة بطرفي المحادثات ورؤيتهم السياسية.
ففي بدايات شهر أبريل/نيسان شهدت المحادثات زخمًا كبيرًا بين الرياض والحركة الحوثية المسلحة، بما في ذلك زيارة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة قام بها وفد سعودي – عماني إلى صنعاء، لكن شهر مايو/آيار الماضي انتهى دون توقيع أي اتفاق، فيما كشفت المحادثات عن حالة عدم الثقة، ووجود غموض وضبابية وعدم توافق بشأن جدول المحادثات والملفات محل النقاش.
يبدو أن اطرغبو السعودية وحرصها على إنهاء تدخلها العسكري في اليمن وسعيها لإعادة تقديم نفسها كوسيط بدلاً من طرف أساسي في الصراع، لم يعجب مليشيات الحوثي التي تصر على اعتبار الرياض طرفًا أصيلا في الحرب.
لكن في المقابل، يتمسك السعوديون بقوة بأمل التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن، غير أن الأمر ليس بالسهل، في ظل وجود العديد من القضايا الخلافية التي لم تحسم بعد، بما في ذلك تلك القضايا التي عرقلت مفاوضات الهدنة في العام الماضي، إلا أن المحادثات ما تزال قائمة ومستمرة، لكن يبدو أنها في حالة انتظار وترقب، والكثير من الضبابية.
وهذا الحرص السعودي هو ما دفعها في بداية مايو/آيار الماضي إلى استدعاء المجلس الرئاسي اليمني إلى الرياض وشخصيات بارزة أخرى في الحكومة المعترف بها دوليًا، لاطلاعهم على المحادثات وجس نبض رؤيتهم للتوصل لتسوية نهائية، وهو ما وافق عليه الجميع مبدئياً، على الرغم من أنه ربما لم يكن لديهم خيار آخر في هذا الشأن.
يشمل الاتفاق الذي عُرض على الحوثيين مقترحاً للتفاوض مع الحكومة ينقسم إلى ثلاث مراحل، يجري تنفيذه خلال عامين بعد الانتهاء من المحادثات الحالية بين السعودية والحوثيين.، وتتضمن الستة الأشهر الأولى الانخراط في إجراءات بناء الثقة، مثل دفع الرواتب المتأخرة للموظفين المدنيين، وإعادة فتح الطرق، وتوسعة الرحلات الجوية من مطار صنعاء، تليها ثلاثة أشهر يجري خلالها التحضير لمحادثات الحل النهائي.
ويجب التذكير هنا بأن تفاصيل هذه البنود هي بالضبط ما عرقل جهود تمديد هدنة الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الماضي، إلا أن الاتفاق لم يضع أية معلومات إضافية حول كيفية حل هذه الإجراءات.
عراقيل الحوثي
إلا أن المحادثات على ما يبدو واجهت عراقيل حول من يتعين على الحوثيين توقيع الاتفاقية معه، هل هي الحكومة اليمنية أم السعودية، وهو ما صرحت به العديد من وسائل الإعلام الحوثية بأن اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن يوقع مع الرياض باعتبارها قائد التحالف الذي شن الحرب في مارس/ آذار 2015، وليس مع الحكومة.
وهو ما أكدته قيادات حوثية على رأسها القيادي الحوثي امحمد البخيتي على حسابه في تويتر، الذي قال إن المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تلعب دور الوسيط إلا بعد أن توقف العمليات العسكرية وترفع الحصار بشكل رسمي، متناسيًا حصار جماعته على الكثير من المدن اليمنية وتدميرها.
قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحوثيين أوردت بيانًا هي الأخرى، قالت فيه إن على السعودية أن تعلن رسميا إنهاء الحرب ورفع الحصار وسحب جميع القوات الأجنبية والتعهد بالتعويض وإعادة الإعمار ودفع جميع رواتب القطاع العام من إيرادات النفط والغاز. لهذا، انتهت الزيارة التي استغرقت خمسة أيام دون التوصل إلى اتفاق.
ورغم أن المسؤولين في الرياض كانوا متفائلين بأنه لا يزال من الممكن إبرام وقف إطلاق النار بشكل رسمي وسريع، حيث أعرب السعوديون وفقًا لتقارير، عن أملهم في إقامة مراسم توقيع الاتفاق بمكة المكرمة خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، إلا أنه لم يحدث أي تقدم يذكر في هذا الصدد.
فقد استؤنفت الاتصالات بين الجانبين على المستوى المنخفض في مسقط، فيما تسعى السعودية الآن إلى تنظيم زيارة لوفد من الحوثيين للرياض أو زيارة أخرى لوفد سعودي إلى صنعاء، ولكن لا يوجد توضيح بشأن توقيت هذه الزيارات المحتملة، في ظل توقعات المملكة العربية السعودية تشير إلى أن سلطات الحوثيين ستتراجع في نهاية المطاف إذا ما ضمنت تأمين اتفاق ينص على دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين وإعادة الإعمار بتمويل سعودي.
ومن ضمن العراقيل الحوثية، تأكيدات بعض التقارير على أن المليشيات الحوثية تطالب السعودية بدفع تعويضات هم التدخلات السعودية في اليمن، في ظل تقديرات الحوثيين للإعمار قد تصل إلى 30 مليار دولار، ويرى مراقبون أن السعودية وبما أنها اتخذت خطوات استباقية وأعلنت عن رغبتها في إحلال السلام، فقد فتحت الباب على مصراعيه أمام المطالب المتصاعدة من قبل الحوثيين.
وبالفعل، فقد أصبحت مثل هذه المطالب المتطرفة مألوفة الآن من قبل مليشيات الحوثي، حيث يسعون إلى تحقيق مكاسب من عنادهم وعرقلتهم لمسار المفاوضات، بسبب إدراكهم للرغبة السعودية في إنهاء الحرب، ولهذا فهم يرفعون سقف مطالبهم بشكل مبالغ فيه، بحسب مراقبين، في ظل موقفهم العسكري الذي يمنحهم نفوذًا كبيرًا على الأرض، من خلال استمرار تهديداتهم للمناطق المحررة من البلاد.
ماذا لو فشلت المحادثات
يرى البعض أن المحادثات الجارية بين السعوديين والحوثيين، ما هي إلا مناورة سياسية يقوم بها الطرفان، فالرياض تسعى إلى فضح موقف الحوثيين أمام المجتمع الدولي، والتأكيد على أنهم لا يرغبون أبدا بأي سلام، وهو ما قد يبرر تصعيدهم في حالة فشل المحادثات.
في المقابل، يرى الحوثيون أن المحادثات فرصة لابتزاز السعوديين والحكومة الشرعية والعالم كله، من خلال الحصول على أكبر مكاسب ممكنة في أسرع وقت، ما دام الجميع يخشاهم ويضع حسابًا لقوتهم العسكرية وسيطرتهم على مناطق واسعة من شمال اليمن.
وهذا ما قد يرجحه المراقبون، الذين يرون أنه إذا فشلت المحادثات في نهاية المطاف، فيبدو أن المملكة تعتقد أن المجتمع الدولي سيحمل القيادة الحوثية مسؤولية ذلك، وفي هذه الحالة وحتى لو عادت الحرب المفتوحة، يمكن للرياض تجنب بعض الانتقادات التي وجهت لها في الأوساط السياسية الدولية خلال السنوات الأخيرة.
وهو ما كشف المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية، عن بعض الإحباط فيما يتعلق بالمحادثات، حيث وصف هذه المحادثات بأنها جاءت نتيجةً للجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة على مدى العامين الماضيين.
كما أكد على أن المجتمع الدولي يجب أن يقود عملية إعادة الإعمار، وشدد على أنه يجب على اليمنيين أنفسهم معالجة القضايا الحساسة، وأضاف أن المجتمع الدبلوماسي لا يزال يتوقع أن تسفر المحادثات عن بعض النتائج، حيث ستتولى الأمم المتحدة المسؤولية في النهاية بمجرد توقيع اتفاق مبدئي.
ولا يمكن أيضًا إغفال العديد من التحفظات حول المحادثات داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذي جرى تهميشه في العملية وعدم اطلاعه على تفاصيل ما يدور داخل أروقة المحادثات، حتى الاجتماع الذي حدث بداية شهر مايو/آيار الماضي في الرياض، لم يكن يحمل تفاصيل ما يجري في المحادثات، بحسب مراقبين.
مصير الجنوب
في ظل هذه الضبابية والغموض لما يدور من محادثات بين الرياض وصنعاء، تبرز العديد من القضايا التي ما زالت في طي عدم الوضوح، وتعاني من الغموض والضبابية هي الأخرى، ولعل أبرز هذه القضايا تأتي القضية الجنوبية على رأس تلك القضايا.
وهو ما أعرب عنه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وهو أيضًا عضو المجلس الرئاسي السمني، عن الشعور العام بعدم الارتياح بين أعضاء المجلس، مشيرًا إلى أن المحادثات ”غير واضحة”، وهو ما يعزز من الغموض الذي يكتنف هذه المحادثات.
كما أصر الزبيدي خلال اجتماع مع مسؤولين سعوديين على ضرورة مناقشة القضية الجنوبية في المحادثات المستقبلية، في إشارة إلى القضية الجنوبية، وقال إن وضع الموارد الجنوبية تحت تصرف الحوثيين في صنعاء فكرة "غير مقبولة”، حسب وصفه.
ورغم كل ذلك، إلا أن الزبيدي أجرى في وقت لاحق مقابلة متلفزة مع صحيفة الشرق الأوسط، أشاد فيها بالمقترحات السعودية وتحدث مرارًا وتكرارًا، بخلاف العادة، عن ”الشعب اليمني” بدلاً من ”الجنوبيين”، ويبدو أن موقف الزبيدي جاء متماهيًا مع موقف بقية أعضاء المجلس الرئاسي اليمني الذين يبدو أنهم وافقوا على المقترح السعودي، لكنهم يتوقعون رفض الجانب الحوثي له.