آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:32ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: لماذا تصر الحكومة على شراء الطاقة المشتراة من القطاع الخاص بدلاً من إصلاح وصيانة محطات الكهرباء في عدن؟

الأربعاء - 14 يونيو 2023 - 08:31 ص بتوقيت عدن
تقرير: لماذا تصر الحكومة على شراء الطاقة المشتراة من القطاع الخاص بدلاً من إصلاح وصيانة محطات الكهرباء في عدن؟
(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول الوعود العرقوبية في حل أزمة الكهرباء بعدن ودور لوبي الفساد في تعميق الأزمة..

كم تحتاج عدن من الطاقة الكهربائية في موسم الصيف ولماذا تم إهمال محطة الرئيس وعدم الاستفادة منها؟

لماذا تكثر الوعود وأزمة الكهرباء في عدن قائمة وما هو دور لوبي الفساد في تعميق مشاكل كهرباء عدن؟

لماذا تم تجاهل تقرير شركة وارتسلا البريطانية وعدم العمل بآلية البرنامج السعودي للتنمية؟

الكهرباء.. من المسؤول وما الحلول؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

تعيش عدن هذه الأيام على وقع الظلام الدامس وارتفاع درجة الحرارة الشديدة والرطوبة المرتفعة، لتلقي هذه الظروف بوطأتها على آلاف الأسر العدنية من كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، بالإضافة إلى المعاناة التي تلحق بالنساء والشباب والأطفال وطلاب الجامعات.

وفي ظل هكذا ظروف لا ينسى البعض حظه من التنفيس وتلطيف الجو بالنكات الساخرة تحت وطأة الحرمان من الكهرباء، إذ تقول الحكاية الساخرة إنه "في إحدى ليالي عدن الحارة تفاخر في (مبرز) كل من جوجل وفيسبوك وواتس آب والإنترنت، فقال جوجل أنا عندي كل شيء، وقال فيسبوك أنا أعرف كل الناس، وقال الواتس أنا يفضلوني عليكم، وقال الإنترنت ساخرا من الجميع أنتم من دوني ولا شيء، ولما تعالت أصواتهم في الحي تدخلت كهرباء عدن وهددت الجميع قائلة: "باتسكتوا وإلا باطفي أبوكم كلكم!".

تواجه كهرباء عدن مصاعب ومشكلات في تأمين وصول التيار الكهربائي إلى المستهلكين مع نفاد الوقود اللازم لتوليد التيار من محطات المدينة.

وفي الوقت الذي تحتاج محطات كهرباء عدن إلى 50 مليون دولار لصيانتها وإصلاحها من أجل توليد 500 ميجا وات، قررت الحكومة التعاقد مع القطاع الخاص لشراء الطاقة ودفعت له 3 ملايين دولار يوميا من أجل إنتاج طاقة مشتراة.

ووفق معلومات أدلى بها مدير إدارة الإعلام في المؤسسة العامة لكهرباء عدن نوار أبكر في وقت سابق، فإن إجمالي ما تنتجه المحطات من طاقة كهربائية لا تمثل 246 ميجا وات أي ما نسبته 40% من الاحتياج الفعلي الذي يصل في وقت الذروة إلى 600ميجاوات.

وعلى الرغم من صدور قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 2 لسنة 2022 بشأن معالجة أوضاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن وبقية المحافظات المحررة، غير أن هذا القرار يواجه صعوبات ومشاكل في التنفيذ، كانعكاس طبيعي للأداء غير المتناغم لمجلس القيادة الرئاسي نفسه، فضلا عن أداء الحكومة المتراجع في كثير من القطاعات الخدمية والاقتصادية والتنموية.

> ما أكثر الوعود.. وما أقل الأوفياء؟!

في حين تقترب درجة الحرارة في مدينة عدن من 40 درجة مئوية، لا يقابل ذلك الارتفاع في حرارة الجو غير الوعود، تلك الوعود التي تتبخر ما إن يحل ضوء الصباح على المدينة المكلومة.

في 24 مايو 2016 كانت أول الوعود إذ نشرت صحيفة (عدن الغد) خبرا يقول: "ولي عهد أبوظبي والمحافظ الزبيدي يتفقان على إنهاء مشكلة الكهرباء في عدن".

وبعد هذا الوعد تلت وعود أخرى، إذ في وقت سابق في ظل حكومة (بن دغر)، قال أمين عام مجلس الوزراء الأسبق حسين منصور: إن الحكومة اعتمدت عشرة ملايين دولار لصيانة محطات التوليد المتهالكة ورفع قدرتها الإنتاجية من الطاقة وتعاقدت مع شركات الطاقة المستأجرة لتوفير 100 ميجاوات لعدن.

أما الرئيس السابق عبدربه منصور هادي فقال إن عدن لا تستحق ما يحدث لها تخيلوا إن شهر يونيو ونصف من يوليو صرفنا على كهرباء عدن 96 مليون دولار.

وفي عهد رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر قدمت قطر لعدن محطة بقدرة 60 ميجاوات، تركت للإهمال، ولم تر النور.

وفي عهد رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك قدمت أبوظبي منحة بـ100 مليون درهم لإنشاء محطة كهرباء في عدن بقدرة 50 ميجاوات، ولم تر النور كذلك.

وصرح معين عبدالملك بأن الحكومة ستولد 264 ميجا بالغاز في منطقة الحسوة لدعم استدامة الطاقة في عدن ولم تر هذه الوعود النور أيضا.

وكان المهندس مجيب الشعيبي مدير كهرباء عدن السابق قد قال إنهم وقعوا محضرا أوليا مع الأشقاء الإماراتيين لمعالجة وضع الكهرباء في المحافظات الجنوبية وأن هناك محطة لعدن بقدرة 440 ميجاوات.

وحسب تصريح مدير البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن المهندس أحمد المدخلي فإن المملكة تقدم دعما لكهرباء عدن بالمشتقات النفطية بما قيمته 60 مليون دولار شهريا.

آخر الوعود هو وعد معين عبد الملك، حين وعد أبناء عدن بكهرباء بقدرة 100 إلى 150 ميجاوات محمولة على متن سفن أو بواخر عائمة في البحر ولم تر النور أيضا.

وقبل أيام أطلق معين عبدالملك آخر وعوده بمحطة تعمل بالطاقة النظيفة (الطاقة الشمسية) بتمويل إماراتي ستنتج حوالى 120 ميجاوات، ولا ندري إن كان هذا آخر الوعود، أم للقصة بقية؟!.

ووسط مخاوف المواطنين من انقطاع التيار الكهربائي  في عدن نهائياً، وجه وزير الدولة محافظ عدن أحمد لملس السبت الجهات المعنية بشراء وقود إسعافي لتأمين استمرار تشغيل محطات التوليد وعدم توقف الخدمة، ومفاقمة المعاناة على المواطنين في ظل ارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة والرطوبة في المدينة.

> عدن في قلب المعاناة

لا تسأل مواطنا عدنيا إلا وحدثك عن معاناته من انقطاع كهرباء عدن لفترات طويلة في الليل والنهار، ولا يكتفي بذلك إذ سيحدثك عن ميناء عدن ومضايقة التجار بالجبايات، وعن مصافي عدن المعطلة وانهيار العملة وغلاء الأسعار وأزمة الوقود ونقص الإمداد بالمياه  وهاجس تأخر الراتب عن وقته.

كما أن المعاناة قد تمتد إلى ظاهرة البسط على الأراضي وتعطيل عمل القضاء والمحاكم، بالإضافة إلى تحويل المدينة إلى بوابة لتهريب المخدرات وقطع الطائرات المسيرات لمليشيا الحوثي.

وبالعودة إلى الكهرباء، فإن القدرة التوليدية لمحطات الطاقة الحكومية في عدن تبلغ حوالى 246 ميجاوات، وتستهلك حوالى 45 طن ديزل و30 طن مازوت يوميا باستثناء التي تعمل بالغاز.

ويبلغ عدد المحطات الكهربائية في العاصمة عدن 12محطة البعض منها متوقفة وأخرى تعمل بأقل من قدرتها التوليدية، ومنها من تعمل بالديزل وأخرى بالمازوت والقليل منها يعمل بالغاز.

فمثلا تعمل محطة الحسوة 130 ميجاوات والتوليد الحالي 30 ميجاوات، والحسوة الغازية 30 ميجاوات، ومحطة المنصورة 50 ميجاوات والحالية 15 ميجاوات، ومحطة شهيناز 50 ميجاوات والحالية 15 ميجاوات، ومحطة خورمكسر 5 ميجاوات، ومحطة الملعب 40 ميجاوات والحالية 10 ميجاوات، ومحطة حجيف 10 ميجاوات، ومحطة التواهي 7 ميجاوات، ومحطة أنترسولار الحسوة 18 ميجاوات، وأنترسولار الملعب 20 ميجاوات، ومحطة الرئيس (بترومسيلة) تنتج 280 ميجاوات والحالي 80 ميجاوات، أما الباخرة العائمة لأولاد الصغير كان من المتوقع منها أن تنتج ما بين 100- 150 ميجاوات وعلى الرغم من دفع المبلغ مقدما إلا إنها لم تر النور حتى الآن.

> لوبي الفساد

يعد قطاع الكهرباء في اليمن واحدا من القطاعات التي تسلل إليها الفساد عبر ما يسمى بالطاقة المشتراة.

تشرف الحكومة اليمنية على 5 مشاريع في قطاع الطاقة في المناطق المحررة و80 محطة كهرباء، يتم الصرف على الطاقة المشتراة حوالي 50 مليون دولار يوميا.

ومؤخرا كشفت وثائق مسربة تم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي عمليات  فساد تخص كهرباء عدن، وتظهر إحدى الوثائق أنه في شهر يوليو 2021 ارست رئاسة الوزراء مناقصة لشراء طاقة مشتراه بواسطة شركة أولاد الصغير بقدرة استيعابية 100 ميجاوات وبقيمة 120 مليون دولار.

في يناير 2022 وبعد مرور 6 أشهر من فكرة إنشاء محطة الكهرباء العائمة تم سداد المبلغ مقدما للشركة ومر عامان ولم ير المشروع النور حتى اليوم.

وتبين وثيقة أخرى أن عام مر ولم تنجز شركة أولاد الصغير عملها بعد ارساء صفقة التوصيلات الكهربائية الخاصة بمحطة الرئيس عليها، والذي من شأن هذا العمل في حالة ما تم انجازه أن يرفع من القدرة التوليدية لمحطة الرئيس من 80 ميجاوات إلى 264ميجاوات ،وهناك خشية أن تنتهي محطة إماراتية اعلن عنها رئيس الوزراء معين عبدالملك  تنتج 120ميجاوات بالطاقة الشمسية إلى نفس المصير .

أما أسباب أزمة الوقود الأخيرة ونفاذ كمية الديزل فتقول المصادر المتطابقة والمتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي إن  رئيس الوزراء وبموجب صلاحياته كرئيس للمجلس الأعلى للطاقة و لجنة المناقصات قد منح وبالأمر المباشر ومخالفة لقانون المناقصات والمزايدات رقم 23لسنة 2007م بشأن  شراء وقود لكهرباء عدن لشركة صدام المريسي بزيادة 30% عن سعر الوقود، ولما وصلت الشحنة قبل أسبوع إلى خزانات مصافي عدن ، تم الخلاف بشأنها لأسباب تتعلق بمواصفاتها ، مما دفع التاجر أن يغير وجهته إلى ميناء الحديدة وباعها هناك ضاربا بالاتفاق عرض الحائط؛ ولم يتسن لنا التأكد من صحة هذه المعلومات أو عدمها.

> على من تقع المسؤولية وما الحلول؟

فيما يخص الكهرباء تتداخل جهات الاختصاص، لكن كثيرون يحملون  المسؤولية رئيس الوزراء الذي برأس المجلس الأعلى للطاقة  ،وهو المخول بإرساء المناقصات كل 4 أشهر،إذ يتم شراء  كمية تتفاوت مابين 5إلى 6طن بالآمر المباشر بالتملص من قانون المناقصات والمزايدات الحكومية رقم 23لسنة 2007م.

من جهة أخرى أوقف البرنامج السعودي للتنمية وإعادة الإعمار تزويد كهرباء عدن بالوقود بسبب تخلف مؤسسة كهرباء عدن من دفع  التزاماتها البالغة 10مليار ريال التي كان يجب أن يتم توريدها للحساب المشترك حسب اتفاق المنحة السعودية بين البرنامج والحكومة اليمنية.

وهناك من أنصار الانتقالي من يحمل قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لهم نصيب في مناصفة الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي المسؤولية  ،وطالبوهم بعدم الصمت والقيام بواجبهم تجاه هذا الملف الخدمي الهام والعمل على توفير كهرباء المدينة ،أما البعض ذهب إلى تحميل  التحالف الذي يسبح على مخزون نفطي ومالي مسؤولية ما يحدث.

تتعدد الحلول لمشكلة كهرباء عدن فمن يرى   إن محطات كهرباء عدن تحتاج إلى 50مليون دولار للصيانة فقط، لكن المشكلة تكمن في اصرار الحكومة على الطاقة المشتراة الذي يكلف الحكومة أضعاف مضاعفة، وبينما تستهلك المحطات بما قيمته 3مليون دولار باليوم تحتاج مصفاة عدن لإعادة تشغيلها إلى 3مليون دولار من آجل تأمين امداد المحطات بالوقود اللازم.

وحسب معلومات أدلى بها مختصون فنيون في كهرباء عدن فإن هناك  مشكلة أخرى تبرز أمامهم  تبحث عن حل وهي تهالك  شبكة خطوط النقل وتوزيع الطاقة من محطات توليد الكهرباء الرئيسة إلى شبكات التوزيع الداخلية ،إذ  تم إنشاء هذه الشبكة في  عام 1964م ،وحاليا لا يمكن أن تستوعب من التيار الكهربائي أكثر من 200ميجاوات ،بسبب إن  الشبكة الحالية تعمل خطوطها بقدرة 33كيلوفولت بينما تحتاج الشبكة إلى تحديث كي تتحمل 132كيلو فولت كما هو السائد في العالم حاليا.

ووفق مهندسين فإنه إذا تم تحميل الشبكة أكثر من ذلك، فإن المحولات سوف تحترق فورا.

تبدو الحلول سهلة لكن كما يبدو هناك من يستثمر هذه الأزمة، فما هو المانع من إدخال محطة الرئيس (بترومسيلة) للعمل بكامل قدرتها في المرحلة الأولى لانتاج 264 ميجاوات، وما هو المانع من العمل في التوربين الثاني للمحطة من آجل انتاج 540ميجاوات، مع العمل على استكمال تحديث الشبكة الداخلية لتصريف الكهرباء.

وعلى الرغم أن المقاول (شركة أولاد الصغير)  قد بدأ في العمل على تحديث الشبكات الداخلية بعد أن تم ارساء المناقصة عليه من قبل رئاسة الوزراء  إلا أن هناك تأخير في تركيب  مفاتيح الربط من المحطة إلى محطة التوزيع في المنصورة ،واليوم مضى عام وماتزال عملية الربط مستمرة.

ومن الحلول الجذرية للكهرباء اعادة تشغيل مصفاة عدن لتوليد المشتقات النفطية للمحطات الحكومية، والصيانة العاجلة للمحطات الحكومية.

في وقت سابق تقدم البرنامج السعودي للتنمية وإعادة الإعمار بحلول بوضعه آلية حوكمة تعزز من الشفافية لمنحة المستقات النفطية السعودية في اليمن ،وتشمل هذه الآلية تشكيل لجنة منحة المشتقات النفطية بين البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والحكومة اليمنية تحت إشراف وزارة الكهرباء والجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين ،ووزارة المالية وشركة مصافي عدن ،وعضوية وزارة التخطيط والتعاون الدولي وشركة النفط اليمنية ومتابعة الغرفة التجارية والصناعية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسة العامة للكهرباء والجهات الإعلامية.

وتقترح الآلية إطلاق منصة إلكترونية لرقمنة بيانات ومؤشرات وتقارير المنحة لإتاحة الاطلاع على الطاقة المنتجة وكمية الديزل والمازوت المستهلكة ،وعدد ساعات تشغيل الكهرباء وإيرادات التحصيل.

وتهدف الآلية إلى تأمين وصول المشتقات النفطية إلى المستفيدين وضمان استخدام المشتقات النفطية فيما خصصت له فقط وتحقيق محاور التنمية المستدامة ووصول الجميع إلى بيانات المنحة بشفافية.

لكن كمايبدو لم يؤخذ بهذه الآلية من قبل الجهات المعنية ، كما لم تأخذ تلك الجهات من قبل بنتائج التقرير الذي رفعته شركة وارتسلا البريطانية بعد أن قدمت تقييما شاملا لوضع الكهرباء في عدن ووضعت الحلول المناسبة لها .

في حساب في تويتر يحمل اسم جمهورية اليمن الديمقراطية  الشعبية نشر صورة تعود إلى  عام 1926م  لمراسيم اعلان تشغيل وافتتاح الكهرباء في عدن كأول كهرباء في شبة الجزيرة العربية، ربما لتذكير الأشقاء في الخليج بمكانة عدن للتدخل العاجل بوضع حلول لكهرباء عدن.

لكن تبقى الحكاية الأهم هي التي تقول إن الكهرباء انقطعت في عدن لمدة ساعة فقط في زمن الرفاق، فما كان من القائد العسكري الجنوبي علي عنتر إلا التواصل مع  وزير الكهرباء حينها المرحوم (باجمال)  الذي بدأ  يشرح له أسباب انقطاع الكهرباء، إلا أن  علي عنتر كما يبدو لم تقنعه المبررات ، فما كان منه إلا أن قال لمحدثه: ما أعرفش زارميشن ولا انتفيكيشن.. أنا أعرف كهرباء تولع الآن.