قراءة في أبعاد زيارة الوفد الحوثي إلى السعودية بما يتضمنه من أعضاء وقادة عسكريين وسياسيين..
الحوثيون في السعودية.. (حج وبيع مسابح)!
ما دلالات زيارة الوفد الحوثي للمملكة.. وهل نحن أمام تقارب سعودي حوثي بعيدًا عن الأضواء؟
هل ذهبت القيادات الحوثية للحج فقط أم ستجري مباحثات سياسية؟
تفاهمات صنعاء.. هل يتم تمريرها على نار هادئة.. وهل تكون قابلة للتطبيق؟
هل تذعن مليشيات الحوثي لدعوات السلام.. أم تستمر بالتعامل كعصابة منفلتة؟
ما شكل التطور السياسي القادم في اليمن عمومًا.. وما مستقبل التسوية المتوقعة؟
هل أيقن الحوثيون استحالة فرض مشروعهم على كافة أنحاء اليمن؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
على غرار المثل الشعبي اليمني "حج.. وبيع مسابح" يمضي وفد قيادي حوثي إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، في ظل ما يصفه مراقبون بأنه "تقارب سعودي حوثي"؛ نتيجة المفاوضات الجارية منذ شهر رمضان الماضي بين الجانبين في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بوساطة عمانية.
فزيارة الوفد الحوثي، بما يتضمنه من قادة عسكريين وسياسيين، لا يمكن إغفالها أو تركها تمر مرور الكرام، كونها الزيارة الأولى إلى السعودية لعناصر حوثية بهذا المستوى الرفيع، منذ عام 2015، ما يؤكد أن ثمة تقدما على مستوى العلاقة بين الرياض قائدة التحالف العربي الذي تدخل عسكريًا في اليمن لردع الانقلاب، وبين الحوثيين الذين كانوا هدف هذا التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية.
وهذا التقدم يحمل الكثير من الدلالات والمؤشرات حملتها زيارة الوفد الحوثي، وهي دلالات تتعلق بمصير ومستقبل اليمن سياسيًا وعسكريًا، بعد تسع سنوات من الحرب، لكن هذه المؤشرات تبدو وكأنها تسير بهدوء بعيدًا عن الضجيج أو الأضواء الإعلامية، ما يُثبت أن ما يجري لا يمكن أن يكون مجرد تفاهمات سياسية أو عسكرية لما يجري في اليمن، بل هو أعمق من ذلك بكثير.
فاستمرار المفاوضات بين السعوديين والحوثيين منذ شهر رمضان الماضي، وبقاء مخرجاتها حتى الآن تحت السرية الكاملة، لا يُفهم إلا في إطار الرغبة المتبادلة بين الطرفين بعدم الإفصاح عن أي تفاصيل حول نتائج المفاوضات، وجعلها طي الكتمان، لكن في نفس الوقت هناك الكثير من الدلالات التي تؤكد أن هذه النتائج والمخرجات وصلت مستويات متقدمة وطدت العلاقة بين الجانبين للدرجة التي سمحت فيها الرياض لقادة صنعاء العسكريين والسياسيين بزيارتها.
وبقدر ما تحمله هذه القراءة من إشارات بقرب التوصل إلى سلام حقيقي في اليمن، ووضع حد لسنوات الحرب والعداء بين الحوثيين والسعودية، إلا أنه يثير الكثير من التساؤلات والريبة حول المبررات التي جعلت من مخرجات ونتائج المفاوضات طي الكتمان حتى الآن، بالإضافة إلى الأسباب التي دفعت السعودية إلى السماح لهؤلاء القادة الحوثيين بالتواجد على أراضيها.
حيث يرى البعض أن الزيارة ليست مجرد أداء لفريضة الحج من قبل قادة الحوثيين، ولكنه يحمل أبعادًا أبعد مما هي ظاهريًا، تتعلق باستكمال المفاوضات بين الجانبين في الرياض، أو يمكن أن يكون تمهيدًا للإعلان النهائي عن التوصل لتسوية نهائية ارتضاها الجانبان، ويجري التمهيد لاعتمادها رسميًا واستكمال بقية تفاصيلها.
> التهيئة على نار هادئة
التقارب السعودي الحوثي يتم بعيدًا عن الأضواء، غير أن الأحداث تكشف هذا التقارب رغمًا عن تعتيم الطرفين، وإذا كان السماح لقادة المليشيات بالذهاب إلى السعودي تحت ذريعة أداء فريضة الحج، فإن ثمة من يؤكد أن الحج ما هو إلا غطاء لـ "بيع المسابح" إن جاز التعبير، أو ما يقصد به إجراء مزيد من المباحثات والتفاوض في السعودية، استئنافًا لما تم في صنعاء على نار هادئة.
حتى إن المتابعين للمشهد يعتقدون أن الأيام القادمة ستشهد إعلانًا يُنهي التعتيم المفروض على مفاوضات صنعاء، ويحمل معه الإفصاح الكامل عما دار هناك في صنعاء، ويؤكد أن التوافق بين الجانبين قد تم فعلًا، على أن تكون السعودية هي المحطة المكملة للتفاهمات النهائية، وما يجعل من هذا الأمر مرجحًا هو أن قضية نجاح التفاهمات سبقتها الكثير من المقدمات التي تثبت حدوثها.
فقبل أيام تحدثت تصريحات وزير الخارجية العماني، الوسيط الإقليمي بين الحوثيين والسعوديين، عن تلميحات تشير إلى انفراجة مرتقبة قد تحدث بين الرياض وصنعاء، بناءً على ما تم التوصل إليه خلال مفاوضات العاصمة اليمنية، وما يجعل زيارة الوفد الحوثي إلى السعودية تصديقًا لتلك التصريحات العمانية وتأكيدًا على فري التوصل إلى اتفاقات.
بل إن كثيرين اعتبروا التهديدات الحوثية الأخيرة للسعودية في خضم مفاوضات صنعاء ليست سوى تعتيم إضافي لما تم التوصل إليه من تفاهمات، يحرص الطرفان على تأجيل الإعلان عنها رسميًا في الوقت الحالي حتى تنضج تمامًا، بفعل "النار الهادئة"، خاصة وأن هذه التهديدات لم تُصدر أية ردة فعل سعودية، وإلا لكانت هذه الأخيرة قد أنهت التفاوض، ولكن الدراية بأساليب مليشيات الحوثي ترجح هذا الطرح.
حيث اعتاد الحوثيون على السير في الاتجاه المعاكس لما يجري على الواقع، ربما بسبب الحفاظ على موقفهم أمام أنصارهم ومؤديهم، والظهور بمظهر القوي كما هو ديدن المليشيات، أو للحصول على مزيد من المكاسب والتنازلات من الطرف الآخر، لكن في حقيقة الأمر فإن التوافق هو ما يمكن تأكيده بالنسبة للعلاقة بين الحوثيين والسعوديين، وإلا لما رأى الجميع مثل هذه الزيارة لقادة المليشيات.
هناك الكثير من المؤشرات التي قد تبدو عكسية، إلا أنها تحمل دلالات على توافق بين الرياض وصنعاء، وتبوح بأن التفاهم بينهما قد وصل إلى مستويات متقدمة، والأيام القادمة كفيلة بإثبات هذا الطرح من عدمه.
> شكوك السلام
كل هذه المؤشرات ترجح اقتراب السلام من اليمن، خاصة في ظل رغبة إقليمية ودولية جامحة نحو هذا الاتجاه، مع التطورات على الساحة العالمية، والحرص الإقليمي على تحقيق تهدئة في المنطقة، التي لم يعد فيها سوى الملف اليمني غارقا في التوتر والتعقيد.
لكن هذه الرغبة والحرص قد يصطدم بتعنت حوثي، كما هي عادة هذه الجماعة الرافضة للسلام بطبعها، فإمكانية القبول بالسلام من جهة الحوثيين قد لا ترتقي نسبتها إلى المستوى المثالي لتأمين بيئة سلام مناسبة، تكون فيها أي تفاهمات يتم التوصل إليها قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
فالتفاهم أو التوافق قد لا يكون هو الغاية أو الهدف النهائي لما يجري، ولكن ما بعد ذلك هو القصد الأخير، حيث إن التقارب السعودي والحوثي لا بد أن يفضي في النهاية إلى سلام حقيقي على الأرض، وهو الأمر الطبيعي والمتوقع لمثل هذا التوافق، لكن الواقع قد يكون عكس ذلك.
هذه المواقف نابعة من كون مليشيات الحوثي عبارة عن عصابة منفلتة، تطغى عليها الصفة المليشاوية، ولهذا لا يمكن ضمان أو تأمين جانبها في تنفيذ أية تفاهمات قد لا تُترجم على الواقع، فالسلام ليس من أولويات هذه الجماعة غير المنضبطة، وبالتالي ثمة شكوك حول أية تسوية قادمة، في ظل احتمالات رفضها من جهة المليشيات الانقلابية التي استمرأت الحرب.
حيث إن السلام لا يمكن أن يجعل جماعة كالحوثيين تذعن له، فهو لن يسمح لها بأن تعيش وتزدهر، فهي تختار الحرب والفوضى حتى تقتات عليها وتبقى، لهذا فإن السلام قد يكون من الخيارات الصعبة أمامها، ومستبعدا جدًا في أجنداتها السياسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى فشل أي تفاهمات أو اتفاقيات مع الجانب السعودي، كما فشلت مع الجانب الحكومي الشرعي من قبل.
> شكل اليمن ما بعد التسوية
رغم أن الحوثيين لا يمكن تقبل اقتناعهم بفكرة السلام، غير أن ثمة عوامل أخرى قد تجبرهم رغم أنوفهم بالجنوح إلى السلم، ولعل أهمها عدم تقبل الواقع اليمني لوجودهم، بعد الكثير من الممارسات والانتهاكات التي ارتكبوها بحق اليمنيين، وتراجع نسبة القبول المجتمعي بهم.
كما أن المليشيات الحوثية أيقنت عدم قدرتها على حكم اليمن بشكل كامل، أو فرض مشروعهم الطائفي والسلالي على كافة أنحاء البلاد، وهذا ما يقدر يدفعهم لقبول أية تسوية تضمن لهم البقاء مسيطرين ولو على أجزاء من اليمن، ويؤمن لهم الاستمرار في الحصول على ما تبقى لهم من مكاسب.
وما يُعاضد هذا الطرح، أن الحوثيين يدركون مدى تخلي إيران عن الاستمرار قدمًا في دعمهم لتهديد السعودية، خاصة عقب الاتفاق بين طهران والرياض، وبالتالي فإن القبول بالتفاهمات مع السعودية قد يضمن للحوثيين ما تبقى لهم من مكاسب.
خاصة في ظل توقع لشكل الدولة والنظام في اليمن بطريقة معينة عقب التسوية السياسية المتوقعة التي ستنتج عن التفاهمات بين السعودية والحوثيين في صنعاء، أو تلك التي قد تُبرم وتتم في السعودية في ظل زيارة الوفد الحوثي حاليًا بذريعة أداء الحج.
فاحتمالات الإبقاء على المناطق الخاضعة للحوثيين تحت سيطرة الجماعة مرتفعة جدًا، في ظل التفاهمات الأخيرة، بالإضافة إلى إشراكهم في تسوية وحكومة موحدة مع الشرعية وبقية المكونات السياسية الأخرى، مع احتفاظ كل طرف بمناطقه عسكريًا، والخضوع لحكومة واحدة سياسيًا.
وعمومًا، فإن أية نتائج أو مخرجات حول هذه الجزيئات ستؤكدها الأيام القادمة الكفيلة بكشف ما تم الاتفاق عليه بين السعوديين والحوثيين في صنعاء، وما سيتم الاتفاق عليه في السعودية.