تقرير يسلط الضوء على نداء الاستغاثة الذي أطلقته الغرفة التجارية والصناعية بعدن بفعل مغادرة عدد كبير من التجار صوب الحديدة..
لماذا يغادر القطاع الأكبر من رجال المال والأعمال إلى موانئ مليشيا الحوثي غرب البلاد؟
ما مضمون نداء الاستغاثة الذي أطلقه مدير عام الغرفة التجارية والصناعية بعدن ومن ماذا حذر؟
ما الآثار الاقتصادية التي سيخلفها مغادرة التجار ميناء عدن على المدينة والحكومة؟
لماذا ينهار اقتصاد الحكومة الشرعية وينتعش اقتصاد مليشيا الحوثي وما السبيل للخروج من انهيار اقتصادي وشيك؟
مصائب قوم عند قوم فوائد.
(عدن الغد) القسم السياسي:
لا أحد في عاصمة البلاد البديلة، ولا صدى لصوتك فالكل خارج الجاهزية الدولة والحكومة بهكذا أطلقت الغرفة التجارية والصناعية صرختها في العاصمة المؤقتة عدن.
وبصورة قاتمة يصف أبوبكر باعبيد مدير عام الغرفة التجارية والصناعية في عدن حال ما وصلت إليه الدولة والحكومة واقتصاد البلاد وبيئة رجال المال والأعمال، محذرا في هذه الصيحة المدوية من انهيار اقتصادي وشيك.
وقال "باعبيد" في لقاء مع (إذاعة هنا عدن) إنه لا وجود لدولة ولا حكومة في العاصمة المؤقتة عدن تقوم بمتابعة الانهيار المتوالي لأسعار الصرف، مؤكدا أن غالبية كبار التجار قد غادروا للاستيراد من ميناء الحديدة الخاضعة لمليشيا الحوثي.
يأتي هذا التحذير في ظل تصاعد حدة الانهيار الاقتصادي والخدمي في العاصمة المؤقتة عدن، وبقية المحافظات اليمنية المحررة، وسط تبادل الاتهامات والتراشقات الإعلامية بين خصوم مليشيا الحوثي فيمن يتحمل مسؤولية ما يجري.
وفي المقابل تواصل مليشيا الحوثي زيادة مكاسبها الاقتصادية وأوعيتها الإيرادية من تحصيل المزيد من الجمارك والضرائب عبر ميناء الحديدة والموانئ الأخرى التابعة لها على البحر الأحمر كميناء الصليف ورأس عيسى.
وتضاعفت هذه المكاسب بشكل أكبر بعد رفع القيود الأممية على الموانئ الخاضعة لها، الذي يتزامن مع بدء شركة خدمات سنغافورية بتشغيل خط خدمات بين جيبوتي والحديدة بعد سنوات من الانقطاع، بالإضافة إلى إنشاء ميناء ورصيف جديد لاستقبال الغاز المنزلي في ميناء رأس عيسى.
مغادرة القطاع الأكبر من التجار ونقل نشاطهم إلى ميناء الحديدة، وعزوفهم عن التعامل مع الغرفة التجارية بعدن بالتأكيد سينعكس سلبا على إيرادات محافظة عدن خاصة وعلى إيرادات الحكومة المعترف بها دوليا إجمالا.
لا يرى "باعبيد" أن صرخته المدوية هذه ستلقى صدى أو آذانا مصغية، إذ سبق وأن تخاطبت الغرفة التجارية مع جميع الأطراف لكن دون جدوى.
> مغادرة التجار
بحسب الغرفة التجارية والصناعية بعدن، فإن التجار يغادرون عاصمة البلاد البديلة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين بفعل ممارسات حكومية أضرت بالقطاع التجاري والصناعي في عدن.
وفي وقت سابق حذر خبراء اقتصاديون ورجال مال وأعمال من أن الجبايات المفروضة على التجار ورحال الأعمال خارج إطار القانون في عدن من شأنها أن تدمر أي جهود لتنمية الاستثمار في عدن، وتجعل من المدينة بيئة طاردة للمال والأعمال.
وما تصريحات مدير عام الغرفة التجارية والصناعية في العاصمة المؤقتة عدن أبوبكر باعبيد الأحد الماضي لإذاعة "هنا عدن " إلا مصداق لتحذيرات سابقة، كان على الحكومة أن تقف عندها لكنها لم تفعل ذلك.
وقال "باعبيد": إنه لا وجود لدولة ولا حكومة في عدن تقوم بمتابعة انهيار أسعار الصرف، مشيرا إلى مغادرة غالبية التجار إلى ميناء الحديدة وتركهم الاستيراد من ميناء عدن.
وكشف "باعبيد" عجز الغرفة التجارية والصناعية عن القيام بواجبها وأنها غير قادرة على ضبط الأمور على كافة المستويات، وأنها تخاطبت مع جميع الجهات المعنية في الدولة والحكومة لكن دون جدوى، لافتا إلى أن الوضع الحالي في عدن يفتقر إلى أبسط مقومات الدولة والمحاسبة، حد وصفه.
ونبه "باعبيد " إلى خطورة ممارسات السلطات الحكومية التي أضرت بالقطاع التجاري، محذرا من إمكانية قدوم انهيار أكبر مما هو حاصل اليوم.
وتحت هذه الظروف غير الصحية التي يعيشها قطاع المال والأعمال في عدن، أشار "باعبيد" إلى مغادرة القطاع الأكبر من التجار في عدن، وقاموا بنقل نشاطهم إلى ميناء الحديدة، لأنهم وجدوا البيئة الملائمة لهم هناك، وفقا لتصريحات "باعبيد" التي رصدها موقع (عدن الغد).
فعلى سبيل المثال ذكر "باعبيد" أن الغرفة التجارية تواصلت مع التجار قبل عيد الأضحى الماضي، ليقوم غالبيتهم بإبلاغها أنهم نقلوا نشاطهم إلى الحديدة، وأنهم لن يتعاملوا بعد اليوم مع الغرفة التجارية.
حالة يأس واضحة من الوضع القائم عبر عنها "باعبيد"، إذ لم تجد الغرفة التجارية والصناعية طرفا حكوميا تتحدث إليه، وكأن عدن خالية من أي دولة أو حكومة، يضع المدينة في مؤشر خطير قد يدفعها إلى انهيار أكبر.
وقال " باعبيد " إنه لا يستطيع طمأنة الناس، متهما المسؤولين وقيادات الدولة بعدم ممارسة مهامهم بشكل صحيح، نافيا أن يكون للغرفة التجارية صلة بانهيار الأسعار، مطالبا الحكومة بممارسة مهامها والتدخل لضبط حالة الانهيار الوشيك.
ويرى خبراء اقتصاديون أنه إذا ما استمرت البيئة المحيطة بالنشاط التجاري بعدن طاردة وغير ملائمة لبيئة الأعمال دون تحرك أو تدخل حكومي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن المزيد من التجار سيغادرون إلى موانئ المليشيا الحوثية، وهذا بدوره سينعكس سلبا على موارد العاصمة الاقتصادية عدن خاصة وموارد الدولة عامة.
> انهيار يقابله انتعاش
تتوالى الضربات الاقتصادية التي تتلقاها الحكومة المعترف بها دوليا، منذ تحول جانب كبير من حركة الملاحة والسفن التجارية إلى ميناء الحديدة بعد رفع القيود الأممية عليها وفق اتفاق الهدنة الأممية والتهيئة لمرحلة عملية السلام ومتطلبات الحل السياسي الشامل.
هذا التحول لمسار السفن المباشر لها دون احتجاز أو تأخير في ميناءي جدة وجيبوتي، عمق من الأزمة الاقتصادية للحكومة اليمنية وجعلها تخسر نحو70 % من مواردها الجمركية والضريبية.
كما أن هذا الإجراء أثار المزيد من الجدل والتساؤلات في صف خصوم الحوثيين حول انعكاسات التسوية السياسية المزمعة مع الحوثيين وآثرها على الوضع الاقتصادي في المحافظات المحررة.
وعلى الرغم من المحاولات والجهود الحكومية بإعادة القيود الأممية المفروضة على موانئ الحوثيين ومطار صنعاء، متهمين الحوثيين باستغلال التسهيلات التي يقدمها المجتمع الدولي لأغراض إنسانية، واستغلالها من قبل المليشيا الحوثية من أجل تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية.
التلويح من قبل أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بإعادة القيود المفروضة على موانئ الحوثيين لم تأتِ بجديد، ولا استجابة لها من قبل رعاة الهدنة واتفاق ستوكولهم بعد.
وفي اجتماع ضم عضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ مأرب سلطان العرادة مع المبعوث الأمريكي تيم ليندر كينغ إلى اليمن قبل عدة أيام، طالب "العرادة" بإعادة هذه القيود طالما والمليشيا لم تلزم بدفع الرواتب والالتزام بشروط الهدنة الإنسانية غير أن المجتمع الدولي له حسابات أخرى ليس منها ما ذهب إليها "العرادة" في دعوته.
ويرى مراقبون أن هناك ازدواجية في التعامل مع هذه المليشيا من قبل المجتمع الدولي والرباعية الدولية، وهو الأمر الذي يشجعها على المضي بالمزيد من التعنت والتنصل من أي التزام أخلاقي وإنساني تجاه الحكومة المعترف بها دوليا والشعب اليمني.
ويرجع اقتصاديون فشل الحكومة الشرعية إلى عدم تهيئة مدينة عدن ومينائها لاستقطاب الثقل التجاري والمراكز المالية في العاصمة صنعاء والتي ماتزال مختطفة بيد الحوثيين إلى اليوم.
> خسارة جديدة
الخسارة الجديدة أتت على لسان مدير عام الغرفة التجارية والصناعية أبوبكر باعبيد حين أكد على قطاع كبير من التجار مدينة عدن إلى ميناء الحديدة، مع زيادة مرتقبة لسعر الدولار الجمركي مجددا، بحسب وثيقة تحصلت عليها صحيفة (عدن الغد) تقضي بتوجيهات البنك المركزي برفع سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 1386 ريالا.
وعلى الرغم من نفي مصلحة الجمارك رفع السعر الجمركي مجددا في وقت لاحق، إلا أن إجراء كهذا إذا ما صح قد يتسبب بنقل استيراد البضائع إلى ميناء الحديدة ويدفع الميناء إلى حالة شلل تام إن لم يكن إلى إيقاف عملها بشكل كلي.
وفي نظر مختصين في الاقتصاد لم تكن هذه الخسارة الأخيرة إلا واحدة من الخسائر التي مني بها اقتصاد الحكومة الشرعية مؤخرا، فضربة البداية لهذه الخسائر كانت بتوقف صادرات النفط من ميناءي الضبة والنشيمة شرق البلاد، بفعل الطيران المسير للمليشيا الحوثية، ثم تلاها نقص الإيرادات الجمركية بفضل فتح ميناء الحديدة وموانئ أخرى تخضع للحوثيين على البحر الأحمر.
واصلت مليشيا الحوثي حربها الاقتصادية ضد الحكومة المعترف بها دوليا، إذ لم تكتف بإيقاف تصدير النفط بل قامت باستيراد الغاز الإيراني عبر ميناء الحديدة، ومنع استيراد التجار من ميناء عدن، واجبارهم بالاستيراد عبر موانئها.
وفي الوقت الذي قامت مليشيا الحوثي بتعطيل تصدير النفط من موانئ الحكومة المعترف بها دوليا وخسارة حكومة معين عبدالملك مليار دولار وفق تقارير اقتصادية حكومية، ذكرت مصادر صحفية متطابقة أن وزير النفط في حكومة المليشيا الحوثية افتتح ووضع الحجر الأساس لمشاريع تابعة للوزارة بتكلفة تصل إلى 8 مليارات ريال، ولعل أهم هذه المشاريع هو مشروع صيانة وإعادة تأهيل ميناء رأس عيسى النفطي الواقع على غرب البلاد وسواحل البحر الأحمر.
ويشمل المشروع بحسب مواقع إخبارية حوثية ردم الطريق المؤدية إلى الميناء بطول سبعة كيلومترات.
تأتي مشاريع التأهيل والتطوير الحوثية في ظل تعطيل موانئ التصدير للحكومة المعترف بها دوليا في ميناء الضبة والنشيمة شرق البلاد، بعد استهدافها بالطيران المسير من قبل المليشيا الحوثية في العام الماضي 2022م في سياق تجفيف منابيع إيرادات الحكومة الشرعية ووضعها أمام خيارات صعبة في مواجهة التزاماتها المالية والقانونية والدستورية أمام الشعب اليمني.
> زيارة خجولة
لم يكن رفع التفتيش والمرور للسفن والحاويات التجارية إلى ميناء عدن، بالإضافة إلى السماح لمرور 500 سلعة عبر ميناء عدن كافيا لاستعادة الزخم التجاري لميناء عدن.
فمنذ رفع الرسوم الجمركية على الواردات إلى الميناء وكذا منذ إعلان الهدنة الأممية أيما استفادة، وتمكنوا من حرمان اقتصاد الحكومة الشرعية من مليار ومائتين دولار سنويا بحسب اقتصاديين منذ تحول وارادت المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة.
وفي سياق محاولات إعادة الاعتبار لميناء عدن، زار إلكسندر بيتكا رئيس فريق الانعاش الاقتصادي في سفارة المملكة المتحدة الخميس الماضي ميناء عدن للحاويات، وناقش "بيتكا" مع تجار العاصمة المؤقتة عدن ووكلاء الخطوط الملاحية عملية الإنعاش الاقتصادي للمدينة، والتحديات التي يواجهها التجار، بالإضافة إلى قضايا تصاريح دخول السفن للميناء والتأمين ضد المخاطر.
كان ازدواجية التحصيل الجمركي بما فيها الريال الجمركي، إضافة إلى مشكلات البنوك والسلع والبضائع الممنوعة من الاستيراد لها حضورها في اللقاء.
وبحسب معلومات الغرفة التجارية والصناعية عدن، فإن السلع المسموح بإدخالها عبر موانئ الحكومة المعترف بها دوليا 500 سلعة.
وفي الآونة الأخيرة وعقب تخفيف القيود على دخول البضائع التجارية إلى ميناء الحديدة، بدأت هذه السلع تتدفق عبر الموانئ الخاضعة للحوثيين، مما حرم الحكومة الشرعية من إيرادات جمركية وضريبية باهظة تقدر بمليارات الريالات.
ووفق تصريحات رسمية فإن الحكومة الشرعية خسرت خلال عام منذ تحول سفن الوقود والمشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة 350 مليار ريال، فما بالكم بالخسائر الضريبية والجمركية التي تكبدتها هذه الحكومة بعد السماح لحاويات البضائع والسلع بالمرور عبر الموانئ الخاضعة للحوثيين؟!
خلاصة القول: يتلقى الحوثيون الهدايا المجانية في إطار حربهم الاقتصادية أكان ذلك في إطار تواطؤ دولي أم نتيجة حتمية لأداء خصومهم المحليين وأخطائهم في إدارة الشأن الاقتصادي من عاصمتهم عدن، ففي حين تتوسع حركة السفن والحاويات التجارية عبر الموانئ الحوثية وتحقق المليشيا الحوثية المزيد من المكاسب، يكتفي الطرف المقابل بالمطالبات وببيانات الشجب والتنديد والتهديد والوعيد دون أي إجراءات عملية على الأرض توازي الحرب الاقتصادية التي تشنها المليشيات الحوثية.