تقرير يسلط الضوء على الارتفاع الجنوني في أسعار رسوم التعليم بالمدارس الخاصة..
كيف يستقبل أولياء أمور الطلاب الملتحقين بالتعليم الخاص هذا العام الدراسي الجديد؟
أين بدأ التعليم الأهلي والخاص في اليمن وكيف صار حاله اليوم؟
ما أسباب ارتفاع الرسوم الدراسية في التعليم الأهلي والخاص وبشكل جنوني؟
التعليم الخاص.. هل نحن أمام مدارس للتعليم أم دكاكين للتجارة؟
هل تعمل مدارس التعليم الخاص وفق ضوابط قانون التعليم الأهلي والخاص أم تغيب عنها الرقابة الحكومية؟
ما المخرج من نار أسعار الرسوم في التعليم الخاص؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
يحل العام الدراسي هذه الأيام ثقيلا على آلاف الآسر اليمنية، فلا مظاهر ولا استعدادات في العاصمة المؤقت عدن توحي بأن العام الدراسي سيبدأ قريبا.
يأتي هذا العام الدراسي الجديد في ظل ارتفاع جنوني في الرسوم الدراسية في مدارس التعليم الأهلي والخاص الذي يتزامن مع ما تعيشه آلاف الأسر اليمنية من وضع معيشي وإنساني متدهور، يرافقه غلاء الأسعار وانعدام الدخل وتدني الدخول وتصاعد نسب البطالة والجوع والفقر.
في ذات الوقت تشكو آلاف الأسر في محافظة عدن ومحافظات يمنية أخرى من ارتفاع مهول في رسوم المدارس الخاصة في التخصصات والمستويات التعليمية المختلفة.
وقال أولياء أمور الطلاب لصحيفة (عدن الغد) إن عشرات المدراس الخاصة في العاصمة المؤقتة عدن رفعت هذا العام رسومها الدراسية بشكل مبالغ فيه ومهول.
وقالوا إن بعض المدارس الخاصة رفعت الرسوم لتتجاوز نصف مليون ريال عن كل طالب في واقعة ارتفاع هي الأولى والأكبر في البلاد منذ تسع سنوات.
وأشاروا إلى أن هذا الارتفاع يأتي في ظل غياب أي رقابة حكومية على نشاط هذه المدارس أو تقاعص من قبل الجهات المعنية في وزارة التربية والتعليم.
في الأثناء قامت عدد من الأسر في محافظة عدن ومحافظات يمنية أخرى وتحت وقع ارتفاع الرسوم الدراسية هذا العام، بسحب ملفات أطفالهم من عدد من المدارس الأهلية والخاصة وتحويلهم إلى المدارس الحكومية التي تشهد حالة ازدحام وكثافة بالطلاب، فيما يبحث آخرون عن مدارس أهلية وخاصة أقل كلفة وإن كانت بعيدة نسبيا.
مسيرة التعليم الأهلي
صدر قانون التعليم الأهلي والخاص في الجمهورية اليمنية برقم (11) لسنة 1999م، ولائحته التنفيذية في 2004م.
وبحسب الكاتب الصحفي العدني برهان مانع فإن الحقائق الواقعية والتاريخية لعدن تؤكد أن أول مدرسة أهلية نظامية حديثة ظهرت في عدن هي مدرسة (بازرعة الخيرية) عام 1912م في مدينة كريتر.
ويشير الكاتب "برهان" إلى أن مدرسة بازرعة الخيرية قد تكون أول مدرسة حديثة في الجزيرة العربية، ثم ظهرت مدارس أخرى في الأربعينيات من القرن الماضي كالمدرسة الأهلية في التواهي، ومدرسة النهضة بالشيخ عثمان، والمعهد العلمي الإسلامي عام 1957م في كريتر، وكلية بلقيس عام 1961م في الشيخ عثمان.
ويذكر "مانع" أسباب نشأت هذه المدارس الأهلية، إذ نشأت كرد فعل للسياسة التعليمية الاستعمارية التي كانت لا تقبل في مدارسها الحكومية سوى المولودين في مستعمرة عدن حتى وإن كانوا من غير العرب كاليهود والهنود... إلخ، وتحرم أبناء الأرياف والمحميات من الالتحاق في مدارسها.
ويعرج "برهان" إلى التعليم الأهلي في شمال الوطن ويذكر أن أول مدرسة أهلية ظهرت في الشمال كانت في السبعينات بعد صدور قانون التعليم العام رقم (22) لعام 1974م، حيث أنشئ في صنعاء المدرسة الأهلية النموذجية، وفي تعز مدرسة محمد علي عثمان الأهلية.
ويضيف "برهان": "بالنسبة للتعليم التقليدي غير النظامي فقد كان سائدا في الجنوب والشمال والشرق والغرب، حيث كان تعليما أهليا تعاونيا خالصا في الكتاتيب والمعلامات والعلم وحلقات المساجد والبيوت، ينفق عليه الأهالي من أموالهم ويوقفون عليه الأراضي والعقارات ويدفعون رواتب المعلمين، فهذا التعليم الأهلي التعاوني الذي درس فيه أجدادنا القراءة والكتابة وبعض علوم الدين والحساب، ورغم عدم حداثته إلا أنه لعب دورا هاما في حفظ مجتمعاتنا من الجهل المطبق حالك الظلام".
هكذا لخص "برهان" تاريخ التعليم الأهلي في عدن تاريخيا الذي بدأ في عدن عام 1912م، ومساهمته في حفظ الناس من الجهل وعواقبه، إذ كانت تجربته التعليمية تدرس باعتبارها أرقى تجربة تعليمية وطنية متوفرة حينها، فيأخذ منها الفائدة والنفع في وضع نظام تعليمي للدولة الوليدة.
وحمل "برهان " ما سماها "بعقلية التحريف والظلم الجائر" إنهاء تجربة التعليم الأهلي في عدن حين قامت وزارة التربية والتعليم عام 1970م بتأميم المدارس الأهلية وضمها للتعليم الحكومي.
وحسب وصف "برهان" فإن التعليم الحكومي ظل يتخبط لسنوات في نظامه التعليمي ومناهجه الدراسية، فكان حقل تجارب للمناهج السودانية والجزائرية والألمانية الشرقية.
مدارس للتعليم يقابلها دكاكين للاستثمار
يؤكد تربويون أنه لم يسبق أن عرفت اليمن انهيارا للعملية التعليمية في اليمن كالذي حدث منذ ثماني سنوات وفي ظل الحرب التي أشعلتها المليشيا الانقلابية الحوثية في عام 2014م.
في أوضاع التعليم الكارثية وتدهور التعليم العام في المدارس الحكومية إما بتحول بعض المدارس إلى ثكنات عسكرية أو تعرضها للدمار الكلي أو الجزئي أو وقوعها في خط التماس، فإن مجمل هذه الأسباب قد أنشأت سوقا مزدهرا للتعليم الأهلي والخاص، وهو ما يراه غالبية المستثمرين في قطاع التعليم الأهلي، بأنه مجرد مصدر للإثراء وتعظيم الربح على حساب جودة التعليم وتقديم الخدمة الأفضل.
وفي نظر كثيرين فإنه منذ الإعلان عن قانون التعليم الأهلي والخاص في اليمن، لم يقدم هذا التعليم في معظم حالاته ما هو مأمول منه من تعليم متخصص ونوعي للطلاب، إذا ما تم النظر إلى ما يدفعه أولياء أمور الطلاب من رسوم باهظة نظير خدمة غير متوفرة أصلا ولا تختلف كثيرا عن الخدمة التي يقدمها التعليم في المدارس الحكومية.
ويرى مختصون بالتعليم العام أنه ومنذ وقت مبكر شهد التعليم تدميرًا ممنهجًا، إذ نخر الفساد جسد التعليم في اليمن وتم التركيز على إفشال العملية التعليمية حتى وصلت لما هي عليه الآن، وكأنها مؤامرة كبرى على التعليم الذي يعد أساس نهضة الأمم وتقدم الشعوب.
وفيما تتوسع عمليات الاستثمار في التعليم الخاص وتزداد أعداد المدارس الأهلية عاما بعد آخر بشكل كبير، يتراجع التعليم العام في المدارس الحكومية وتتدنى مخرجاته التعليمية كل عام.
وبالنظر إلى المعايير التي من المفترض أن تلتزم بها المدارس الأهلية وتحددها وزارة التربية والتعليم، هناك مدارس كثيرة لم تلتزم بتلك المعايير، وهو ما يجعل مخرجات تلك المدارس فاقدة التأهيل والكفاءة.
ووفق تربويين فإنه يجب على إدارة التعليم الأهلي بوزارة التربية والتعليم القيام بتسعير الخدمة في كل مدرسة خاصة، وفق دراسة بحثية يقوم بها مختصون تربويون لمعرفة طبيعة كل مدرسة والإمكانات التعليمية التي توفرها للطالب، وهل تتناسب مع الرسوم الباهظة التي يدفعها الطالب أم لا؟!
فالمدارس الخاصة وفق تربويين تختلف عن بعضها ولا تقدم تعليماً متساوياً حيث بعض المدارس تقدم لطلابها خدمة ممتازة في التعليم، كما أن رواتبها ومخصصاتها التي تعطى للعاملين أفضل بالنظر إلى مدارس أخرى هي أشبه بالدكاكين التعليمية لا تمنح كادرها التعليمي والإداري سوى النزر اليسير الذي يتفاوت ما بين 40 ألف ريال كحد أدنى و80 ألف ريال كحد أعلى في المدارس المتميزة وذات السمعة في سوق التعليم.
وبحسب مصادر تربوية فإن الزيادة في الرسوم الدراسية في مدارس التعليم الخاص للعام الدراسي 2023م – 2024م بلغت نحو 50 %، وتختلف هذه الرسوم حسب سمعة المدرسة وموقعها ومستوى الإقبال عليها وجودة الخدمة التي تقدمها
ويرجع ملاك المدارس الخاصة هذه الزيادة إلى انخفاض قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، فضلا عن مواجهة مرتبات المعلمين بسبب غلاء المعيشة، وتزايد النفقات التشغيلية من إيجار للمباني والصيانة ووسائل نقل والمواصلات ومواد ومستلزمات العلمية التعليمية، إضافة إلى الجبايات غير القانونية التي تفرضها المليشيات الحوثية على ملاك المدارس الخاصة.
تعليم بلا ضوابط
وبالنظر إلى حال التعليم في المدارس الخاصة فإنه يعوزها ضعف الإشراف والمتابعة من قبل أقسام إدارة التعليم الأهلي على المدارس الأهلية والخاصة في المديريات وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المدارس المخالفة، إذ لا تلتزم كثير من مدارس التعليم الأهلي بالقانون رقم (11) لسنة 1999، إضافة إلى عدم وجود نظم فاعلة للاختبار والقبول للعاملين في مدارس التعليم الأساسي والثانوي في ظل أن غالبية المدارس الخاصة تبحث عن الكادر الأرخص والأقل أجرا لا عن ذوي الخبرة والكفاءة الأعلى أجرا.
ويعتقد كثيرون أن معظم مباني مدارس التعليم الأهلي غير مناسبة لأداء الرسالة التعليمية ولا يتم إخضاعها للشروط والمعايير المحددة في القانون، مع ضعف واضح في المخرجات التعليمية بعدد كبير من مدارس التعليم الأهلي بالجمهورية اليمنية، مما يتطلب من الجهات المعنية العمل على تحسين مستوى أداء التعليم الأهلي والخاص في البلاد.
وطبقا لمختصين تربويين فإنه ما من حلول للخروج من مآزق التعليم الأهلي وتكاليفه المرتفعة إلا بالعمل على تقييم التعليم العام في المدارس الحكومية والسعي لانتشالها من وضعها المتردي، حتى لا يظل التعليم الجيد محصورا في فئات قليلة من المجتمع ومحروما منه غالبية فئات المجتمع اليمني الأخرى.
ويحذر تربويون من تعميم ونشر الجهل والأمية بين أوساط المجتمع بقصد أو دون قصد، خاصة مع تدهور التعليم في المدارس الحكومية منذ ثماني سنوات من الحرب المدمرة.
هذه السنوات في ظل الحرب كانت مريرة على التعليم العام الحكومي التي أدت ببعض أولياء الأمور إلى الحاق أبنائهم بالتعليم الأهلي والخاص.
هذا العزوف لقطاع واسع من أولياء الأمور، بحثا عن تعليم جيد ومنتظم طوال العام لأبنائهم، دون أن يفسده احتجاجات المعلمين في المدارس الحكومية التي تتجدد مطالبهم الحقوقية مع بدء كل عام دراسي جديد.