تقرير يتحدث عن الأسباب التي تقف وراء عدم انعقاد مجلس النواب ومنع رئيسه من العودة إلى اليمن.
ما الرسائل التي يريد إيصالها رئيس البرلمان سلطان البركاني في هذا التوقيت؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
انقضى من عمر البرلمان اليمني 20 عاما، ويعد هذا البرلمان أطول عمر في العالم جنبا إلى جنب مع البرلمان اللبناني.
هذا البرلمان أصبح اليوم في نظر البعض فاقدا للأهلية والمشروعية، وفي نظر آخرين هو ما تبقى من شرعية توافقية في البلاد استمدها من الشعب ومن ثم من المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة الموقعة في نوفمبر 2011م.
واستمر عمل هذا البرلمان فيما بعد لضرورات وطنية جراء الانقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة الشرعية في سبتمبر 2014م.
ومؤخرا طفت على السطح عاصفة من الردود فجرها رئيس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني حول الأسباب التي تقف وراء عدم انعقاد مجلس النواب ومنعه من العودة إلى اليمن أو انعقاده في خارج البلاد.
واتهم الشيخ سلطان البركاني رئيس البرلمان جهات لم يسمها بعرقلة انعقاد المجلس وعودته لممارسة مهامه التشريعية والرقابية من الأراضي اليمنية.
جاء ذلك، في رده على رسالة من الوزير السابق وعضو البرلمان محمد مقبل الحميري الموجهة له بتاريخ ٢٠ يوليو الجاري، بخصوص مجلس النواب وضرورة انعقاده في الداخل أو مصارحة الشعب بأسباب عدم الانعقاد.
وفي الأثناء سخر البعض من الحالة التي وصل إليها البرلمان اليمني، كون أعضائه الثلاثمائة وواحد منهم 12 % من الأعضاء قد ماتوا، 44 % ينشطون في ظل سلطة مليشيا الحوثي ,و44 % في خارج البلاد يعيشون في عدة بلدان مختلفة.
البركاني يكاشف الجميع بالحقيقة
يرأس رئيس مجلس النواب اليمني الشيخ البركاني مجلسا منتهية صلاحيته القانونية منذ عشرين عاما، وعقب الحراك الشعبي والثوري ضد نظام الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح تم التمديد له توافقيا بموجب المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة في نوفمبر 2011م.
ما لبث أن انشطر هذا المجلس إلى شطرين عقب الانقلاب الحوثي على الدولة والتوافق الوطني عام 2014م، إذ وقع شطره الأول تحت قبضة مليشيا الحوثي ويترأسه يحيى الراعي والشطر الآخر ظل يعمل من خارج البلاد مع الشرعية اليمنية ويترأسه الشيخ سلطان البركاني.
ولم يعقد هذا البرلمان جلساته منذ انقلاب مليشيا الحوثي، سوى جلستين يتيمتين فقط كانت إحداها في مدينة سيئون من أجل انتخاب رئاسة وهيئة للمجلس، بالإضافة إلى منح الثقة لبرنامج الموازنة العامة لحكومة معين عبد الملك 2021م. أما آخر جلسة للبرلمان كانت في العاصمة المؤقتة عدن من أجل التصديق على إجراءات نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي بموجب إعلان نقل السلطة في مشاورات الرياض الثانية 7 أبريل 2022م.
وفي رسالة رد من خلالها على استفسار الوزير السابق والنائب محمد الحميري بعدم عمل المجلس من الداخل اليمني، حمل رئيس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني جهات لم يسمها بعرقلة عودة البرلمان ومنعه من الانعقاد في العاصمة المؤقتة عدن، على الرغم من الوعود الكثيرة بالعودة والعمل من الداخل.
وتطرق "البركاني" في الرسالة التي وجهها إلى الحميري" وتم الكشف عنها مؤخرا إلى المحاولات العديدة للعودة لكن كان الفشل يقف أمام هذه المحاولات جميعها.
وقال "البركاني": "إنهم حاولوا خلال السنوات الماضية وقاموا بزيارات لمحافظات حضرموت والمهرة وعدن وتعز، بغرض الترتيب لانعقاد المجلس في الداخل غير أن الجهود المبذولة لم تثمر.
وأشار "البركاني" إلى أن جميع أعضاء المجلس حجزت لهم التذاكر والسكن في العاصمة المؤقتة عدن بغرض انعقاد المجلس في أغسطس من العام الماضي بعد انعقاد المجلس في أبريل من العام نفسه، مضيفًا أن عددا من أعضاء المجلس وفي مقدمتهم رئيس المجلس وأعضاء هيئة الرئاسة محمد الشدادي ومحسن باصرة، كانوا قد وصلوا عدن بغرض التهيئة لدورة الانعقاد.
ولفت "البركاني" إلى أنه تم إبلاغهم- لم يحدد الجهة التي أبلغتهم- بضرورة التأجيل فاستجابوا لذلك على مضض، حيث لم يكن لديهم خيار آخر وما زالت التذاكر لدى الأعضاء حتى الآن بغرض السفر للانعقاد بأي لحظة، على حد قوله.
وأوضح "البركاني" أن هيئة رئاسة المجلس ورؤساء الكتل، حُددت لهم العديد من المواعيد لانعقاد البرلمان لكنها ألغيت في أوقات لاحقة.
ومن ضمن المواعيد التي ذكرها "البركاني" كان آخرها زيارة للرياض مع رؤساء الكتل بتاريخ 9 يونيو 2023م، التي استغرقت أسبوعين قابلوا خلالها رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، كما قابلوا أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وترجيناهم- والكلام "للبركاني"- بضرورة الدعوة لانعقاد المجلس في الداخل، لإدراكنا أن عمل مؤسسات الدولة هو الأصل.
وفي سياق رسالته عاتب "البركاني" زميله "الحميري" بقوله: إن ما يشاع من أخطاء أو مخالفات أو اختراقات ما كان لها أن تتم لو أن عمل المؤسسات منتظم وتؤدي دورها، لكن كل محاولتنا فشلت وأنت تعلم ذلك وإرسال الخطابات بغرض الرأي العام لا يخدم العملية السياسية في بلادنا ولا العملية الدستورية، حد تعبيره.
ونوه "البركاني" إلى أن الذين يتحدثون عن انعقاد المجلس في هذا الظرف لا يدركون صعوبة الانعقاد، لما وصفه بواقع الحال التي تمر به البلاد، بحسب وصفه.
ولفت "البركاني" في رسالته إلى أن المجلس مغيب وخارج عن إرادته قبل أن يؤكد أنه ممنوع عليه في (مناطق معينة)، مخاطبا "الحميري" بقوله: "أنت أكثر الناس علماً بذلك، كذلك كثير من الزملاء رؤساء الكتل".
وفي ختام رده دعا "البركاني" زميله "الحميري" إلى بذل كل ما بوسعه للوصول إلى انعقاد المجلس وتوفير الضمانات الأمنية لانعقاده وخاطبه بقوله: اعتبر نفسك مكلفا من هيئة الرئاسة وأعضاء المجلس، بالإشارة إلى حجم العراقيل والصعوبات التي تنتظر عودة البرلمان.
وفي المقابل علق النائب الحميري على رد البركاني بالقول: "أوكد أن كلما جاء برسالة رئيس المجلس صحيح وأنا أحد الشهود على ذلك، والجزء الآخر من الحقيقة ستقرؤنه بين السطور"، حد وصفه.
يرى محللون سياسيون أن المجلس لم يعد خادما للشعب، بقدر ما تحول إلى أداة بيد جهات داخلية وخارجية تستدعيه متى أرادت وتجمده في أوقات أخرى.
وما يسند هذا القول إن البرلمان اليمني لم يجتمع سوى مرتين منذ الانقلاب الحوثي: مرة لانتخاب رئيس للمجلس وهيئة لرئاسته، بالإضافة إلى منح الثقة لبرنامج الحكومة، ومرة أخرى للتصديق على إجراءات نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل 2022م.
تأتي هذه التصريحات وسط تكهنات من أواسط سياسية ومخاوف لدى برلمانيين من إحلال هيئة التشاور والمصالحة محل البرلمان اليمني.
ما وراء تصريحات البركاني في هذا التوقيت؟
يعتقد بعض المحليين السياسيين أن الضغوط من أجل نقل صلاحية مجلس النواب إلى ما يسمى بهيئة التشاور والمصالحة تمارس بأعلى درجاتها، وأن هذا السيناريو يسير على خطى سيناريو نقل صلاحية الرئيس لمجلس القيادة الرئاسي، ويتوقع أصحاب هذا الرأي أن من الخيارات المطروحة هو قرار بحل البرلمان ونقل صلاحياته إلى ما يسمى بهيئة التشاور والمصالحة.
ويعد أصحاب هذا الفريق مضمون رسالة رئيس مجلس النواب الأخيرة في هذا الشأن واضحة وتأتي في هذا السياق، لتكشف عن وجود المؤامرة ربما بشكل فعلي وليس مجرد تكهنات.
ولم يتوان هذا الفريق بتحميل "البركاني" وبقية الأعضاء المسؤولية عن الصمت وعدم اتخاذ خطوات واضحة من أجل إفشال تلك المؤامرة، حد قولهم.
ويبرر هذا الفريق عن مخاوفه ويستميت في الدفاع عن مجلس النواب اليمني الحالي، كونه آخر المؤسسات الشرعية، ولذا يتعرض لكل هذا الاستهداف.
وطبقا لأصحاب هذا الرأي فالدفاع عن مجلس النواب ليس دفاعا عن أدائه السلبي أو عن الفاشلين فيه، بل دفاعا عن دستورية المجلس وشرعيته التي يراد استبدالها بمؤسسات قد تكون أقل فعالية من المؤسسات القائمة.
برلمان موازٍ أم بديل عن البرلمان الحالي؟
ونصت المادة الثانية من الإعلان الرئاسي على إنشاء هيئة التشاور والمصالحة، وهذه الهيئة وفق الإعلان "تجمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي، والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية بما يعزز جهود مجلس القيادة الرئاسي".
وتهدف أيضا إلى "تهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء الجمهورية".
كما تعمل الهيئة على "توحيد رؤى وأهداف القوى والمكونات الوطنية المختلفة، بما يساهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ انتماء اليمن إلى حاضنته العربية".
ووفق هذا الإعلان تتألف الهيئة من خمسين عضوا وتضم قيادات حزبية وبرلمانية ودبلوماسية وقبلية وحقوقية، بينهم 5 نساء.
وتلخصت أهداف ووظيفة هيئة التشاور والمصالحة الوطنية بدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى اليمنية، بما يعزز جهود المجلس وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل إلى سلام عادل في اليمن.
ويملك رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي صلاحيات واسعة في هذه الهيئة، حيث يمنحه الإعلان الرئاسي لنقل السلطة حق تعيين من يراه من الكفاءات الوطنية لعضوية هيئة التشاور والمصالحة عند الحاجة على ألا يزيد عدد الأعضاء على 100، وهو الأمر الذي يجعل البعض يتحفظ على أي خطوة من شأنها تجعل من الهيئة برلمانا موازيا لمجلس النواب اليمني.
وفي مارس من العام الجاري 2022م، أنهت هيئة التشاور والمصالحة سلسلة اجتماعات عقدتها في العاصمة المؤقتة عدن، أقرت من خلالها وثيقة اللائحة الداخلية ووثيقة الإطار العام للرؤية السياسية لعملية السلام الشاملة، ووثيقة مبادئ المصالحة بين القوى والمكونات السياسية الشرعية.
وقرر أعضاء هيئة التشاور خلال الاجتماعات تشكيل خمس لجان للهيئة هي: لجنة سياسية، ولجنة ثقافية وإعلامية، ولجنة للمصالحة والعدالة الانتقالية، ولجنة اجتماعية، ولجنة للحقوق والحريات.
ووفق متابعين فإن إقرار تشكيل تلك اللجان حينها قد اثار أسئلة عدة، خصوصا مع استمرار تعثر انعقاد مجلس النواب في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، وسط شكوك متزايدة في أن يكون هناك توجه فعلي، لأن تتولى الهيئة المهام التشريعية بديلا على البرلمان المنتهية ولايته.
لكن هذه الشكوك يرى البعض أنه لا مجال لها، فهيئة التشاور والتصالح وجدت في ظرف تاريخي مرتبط بعمل مجلس القيادة الرئاسي وأطرافه المختلفة، ولا يحق أن تمنح نفسها مهام السلطة التشريعية في البلاد.
وهذا الوجود للهيئة حسب هذا الرأي يرتبط وجودا وعدما بمجلس القيادة الرئاسي فقط، أما مجلسي النواب والشورى فبقاؤهما مرتبط ببقاء الدستور والحكومة والقوانين الدستورية للدولة
وفي تصريح سابق حدد رئيس هيئة التشاور والمصالحة الوطنية محمد الغيثي المهمة بقوله: "نحن هيئة تشاور ولسنا هيئة لإقرار قوانين أو اتفاقات سياسية، بل مهمتنا تكمن في فهم وتشخيص الحالة السياسية، وتطلعات واشتراطات ومطالبات القوى السياسية، والتشاور بشأن ذلك، وهو الأمر الذي يجعل من إحلال هيئة التشاور والمصالحة محل البرلمان اليمني وفقا "للغيثي" مجرد مزاعم ومخاوف ليس في محلها".
وبالمحصلة فإن المخاوف التي تثور حول دمج هيئة التشاور والمصالحة بمجلسي النواب والشورى على طريق المحاصصة والمناصفة بين الجنوب والشمال تظل واردة، فما المانع من ذلك وقد تقاسموا شرعية الرئيس الأسبق والسابق وأعضاء الحكومة من قبل بموافقة البرلمان نفسه؟
أما اليوم فلربما قد حانت لحظة تقاسم ما تبقى من مؤسسات الدولة الشرعية أو إحلال كيان آخر محلها بثوب جديد، وليكن الدور هذه المرة على آخر المؤسسات الشرعية في البلاد مجلس النواب والشورى -يقول مهتمون ومتابعون.