تحليل يقرأ في أبعاد عودة الدور القطري باليمن عقب توحيد مجالس المقاومة بعدد من المحافظات..
بالتزامن مع الإعلان عن تشكيل مجلس موحد للمقاومة.. هل عاد الدور القطري مجددًا إلى اليمن؟
هل نحن أمام إعادة صياغة جديدة للمشهد السياسي والعسكري والأمني في اليمن؟
ما شكل التحالفات السياسية القادمة في حال عودة التأثير القطري على الشأن اليمني؟
هذه العودة.. هل تؤزم المشهد السياسي والعسكري في اليمن.. أم أنها تكون عامل استقرار؟
ما الذي تستطيع قطر أن تقدمه.. وهل تستطيع أدواتها لعب دور عسكري وسياسي مجددًا؟
قطر تعود من جديد
(عدن الغد) القسم السياسي:
يغرق المشهد اليمني بالتدخلات الخارجية والإقليمية لدرجة لافتة ولا تخفى على أي مراقب أو مختص بمتابعة الشئون اليمنية، فالأطراف المحلية ومواقفها من المشهد السياسي العام، ما هي إلا نتاج لمواقف جهات خارجية وإقليمية تعمل على التأثير في تبني قوى وتيارات وحركات محلية مواقف معينة، تصب في مصلحة الآخرين وليس وفي مصلحة اليمنيين.
لم يخلق هذا الواقع حديثًا، أو منذ حرب عام 2015، أو بعد اضطرابات عام 2011، ولكن هذه التدخلات ارتبطت بظهور الدولة اليمنية الحديثة، شمالًا وجنوبًا، أي منذ ستينيات القرن الماضي، حين تحولت اليمن إلى عهد الدولة الحديثة والمعاصرة، حين تسابقت دول العالم إلى السيطرة على هذه البقعة الحيوية من الكوكب.
الأمر الذي نتج عنه استسلام دولة الجنوب للمعكسر الشيوعي الشرقي والإنجاب الكامل لأفكاره الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتي بموجبها عادى الجنوب محيطه العربي، في مقابل خضوع دولة الشمال لتوجيهات محيطها ودول الجوار النفطية الغنية الموالية للمعكسر الرأسمالي الغربي.
واقع خلق صراعات ومواجهات أسقطت اليمن بشطريه في مستنقع من الكراهية والأحقاد ما زال مستمرًا حتى اليوم، سواءً بآلياته أو بنتائجه التي أكدت أن الارتهان للخارج لا يجلب سوى المشاكل والصراعات المستمرة آثارها وتداعياتها السلبية عقودًا طويلة، ما يعني أن تلقي الدعم من الخارج لا يعني سوى تمزيق أواصر الداخل وتهديد استقراره.
فهذا الخارج، لا ينظر لمصالح الداخل بالقدر الذي يضع نصب عينيه كيف ينجح في تنفيذ أجنداته هو، والظفر بأكبر قدر ممكن من المكاسب التي يقاتل من أجلها آخرون، ويكتفي هو بإرسال الدعم، تمامًا كما يفعل غيره من الأطراف الخارجية في علاقاتهم مع القوى المحلية في الداخل؛ ما يؤدي إلى تضارب وتقاطع المصالح، وبالتالي نزاع وصراع داخلي يأتي على الأخضر واليابس.
وللأسف، فإنه من النادر، بل من المعدوم، أن تتواجد تدخلات خارجية تعتني بشئون الداخل من أجل الداخل فقط، دون أن يكون للخارج أية فائدة أو مردود من هذا التدخل، وهو الواقع الأليم الذي ترزح تحته اليمن اليوم، حيث لا تجد من الخارج من يلتفت لمعاناة شعب هذه البلاد إلا وكان ذلك الخارجي يفكر بمصالحه وحده، ووحده فقط، بينما يدفع الداخل ثمن تلك التدخلات.
يأتي هذا الحديث، وقد غرقت اليمن منذ ثماني سنوات، وما قبلها في بحور من التدخل الخارجي والإقليمي، الذي لم يجعل من اليمن مكانًا أفضل، بل على العكس من ذلك، حول هذه البلاد وأهلها إلى مكابدة أسوأ أزمة إنسانية على مستوى الدنيا، بعد أن تجاذبتها التدخلات السعودية والإيرانية والإماراتية، ومن ورائهم الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وغيرها من القوى العظمى التي لم تترك اليمن في حالها.
وكيف يُترك هذا البلد في حاله وقد أصابته لعنة الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به، موقع لم يختره ولكنها صدفة جغرافية أودت بوضعه إلى أسفل سافلين، وجعلت من اليمن عرضة لأطماع الجوار والخارج.
عودة التدخل القطري
تداولت وسائل الإعلام المحلية خلال اليومين الماضيين أنباء عن إمكانية عودة الدور القطري في اليمن، عقب توحيد ما يسمى بالمقاومة الشعبية في مختلف المحافظات اليمنية ضد مليشيات الحوثي في اليمن، وبقيادة قائدة للمقاومة الشعبية في تعز، الشيخ حمود المخلافي، وذلك من خلال احتفال شهدته محافظة مأرب، وحظيّ بتغطية إعلامية موسعة.
وربط هذا المجلس الوليد، أو الإجراء الخاص بتوحيد قوى المقاومة، بعودة القطريين إلى اليمن ومحاولة لعب دور في المشهدين السياسي والعسكري، يعود إلى أن رئيس عملية هذا التوحيد وقائدها هو الشيخ حمود المخلافي المقرب من القطريين، والذي يمكن أن يضمن لهم تواجدًا وعودة مجددة في الشأن اليمني، بعد خروجهم منه في عام 2017، عقب خلافات وحصار ومقاطعة فرضت عليها من قبل بعض دول الخليج.
ومن شأن المجلس الموحد للمقاومة اليمنية أن يضمن عودة قطر للتأثير في الملف اليمن، باعتبار أن قادة المجلس وعلى رأسهم المخلافي معروف عنهم موالاتهم للدوحة منذ بدء الحرب في البلاد عام 2015، وبالتالي إمكانية إعادة صياغة المشهدين السياسي والعسكري اليمني بصورة جديدة ومغايرة عما كان عليه سابقًا.
خاصة وأن هذه الصياغة، والتي عنوانها الأبرز عودة قطر، تحظى -بحسب مراقبين- بضوء أخضر سعودي، وإلا لما استطاع قادة المقاومة في الداخل من عقد مثل هذا المجلس الذي وحّد أطياف المقاومة، إلا برعاية الرياض ومباركة المملكة، وبالتالي إعادة تشكيل وصياغة التحالفات السياسية المقبلة في المشهد اليمني، في ظل النفوذ الذي ما زالت تحظى به قطر في الداخل اليمني، وعند بعض المكونات والأحزاب اليمنية القوية.
وعليه، فإن المتابعين يعتقدون أن السعودية سمحت بعودة قطر الآن، عقب خروجها من التحالف العربي عقب خلافات وحصار ومقاطعة شهيرة استمرت سنوات، كان خصومها الأبرز فيها الإمارات والسعودية، يأتي من باب التكتيك والمناورة السياسية بعد صراعات قطبي التحالف (الرياض وأبوظبي) بشأن الوضع في الجنوب تحديدًا واليمن عمومًا.
فكانت الدوحة -بنظر الرياض- هي العامل المرجح لكفة القطبين، والتي ترى السعودية أنه يجب أن يميل في اتجاهها، ويبدو أنها استعانت بقطر لهذا السبب، وسمحت لها بعودة دعمها للقوى والتيارات والمكونات التي سبق وأن كانت تدعمها منذ سنوات، بل وعقود، وما قبل حرب عام 2015.
وهذا يؤكد أن شكل التحالفات القادمة بين القوى والمكونات السياسية اليمنية، وداعميهم الخارجيين لن يكون كما كان قبل تشكيل مجلس المقاومة الموحد، وعودة قطر إلى لعب دور ما في الملف اليمني المليء بالصراعات والمتناقضات التي لا تنقصه أبدًا.
لكن، وبعيدًا عن الخلاف السعودي الإماراتي، ورغبة الرياض في إحداث توازن سياسي وعسكري ما، لا يمكن في خضم هذا الوضع إغفال النفوذ القطري أيضًا على المليشيات الحوثية، وهو نفوذ أو يمكن تسميته بـ "العلاقة" التي كانت ظاهرة وبادية للعيان منذ حروب صعدة الستة، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.
تلك الازدواجية في النفوذ القطري داخل اليمن، قد تعطي لقضية عودة الدوحة للعب دور ما في الملف اليمني أبعادًا خطيرة، قد تكون تحمل مؤشرات إيجابية وسلبية معًا، بحكم علاقاتها المتناقضة مع الأطراف اليمنية، فمن الناحية الإيجابية يمكن لها أن تنجح في لملمة شتات اليمنيين وفرض توصلهم إلى تسوية سياسية، وأما من الناحية السلبية فيمكن أن تشكل هذه العلاقات أساسًا للتشكيك في الدور القطري وقدرته على كسب ثقة الأطراف جميعها، وهو ما قد يؤثر على شكل التحالفات التي ستخلقها هذه العودة الحديدة للدور القطري في اليمن.
بين احتمالين
ومن هذا المنطلق، يتساءل كثيرون عن إمكانية أن تقود عودة قطر الى اليمن وتفعيل دورها بالتسبب في تأزيم المشهدين السياسي والعسكري من خلال ازدواجية العلاقة بين المتصارعين، سواءً كانوا شرعية وحوثية، أو كانوا السعودية والإمارات، أو أمها يمكن لها أن تكون عاملًا مساعدًا ومساهمًا في تجسير الهوة بين تلك الأطراف وتعمل على حلحلة الملفات الشائكة والوصول بها إلى معالجات حقيقية.
كما أن هناك تساؤلات حول طبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به قطر، وهو في الحقيقة دور كبير ذلك الذي يُنتظر من قطر أن تضطلع به إن هي أخذت على عاتقها للتدخل في الملف اليمني، فمن الناحية السياسية فهي تمتلك حلفاء محليين على الأرض، وبعد تشكيل مجلس المقاومة الموحد يمكن لها الضغط عسكريًا أيضًا بحكم المهمة العسكرية للمجلس الوليد.
ولا يقتصر الأمر على الجانبين العسكري والسياسي، ولكن الأموال القطرية يمكنها أن تبني أو على الأقل تدعم الاقتصاد اليمني عبر مشاريع أو ودائع واستثمارات حقيقية أن هي أرادت أن يكون لها دور إيجابي، وألا يخرج مجلس المقاومة الموحد عن مجرد إعلان خبري واحتفال ببهرجة إعلامية كتكرار للمجالس المتكاثرة مؤخرًا والتي باتت أشبه بموضة يقلدها الجميع دون وعي.