تشكيل الوفد التفاوضي المشترك بين مكونات "الرئاسي" بين العراقيل والتقدم..
لماذا دعت هيئة التشاور والمصالحة "الرئاسي" إلى سرعة تشكيل الوفد التفاوضي المشترك؟
لماذا لم يستجب "الرئاسي" لتشكيله على الرغم من المطالبات المتكررة؟
هل هناك تقدم في المفاوضات بين الرياض وصنعاء حتى تثار مثل هذه المخاوف؟
ما العراقيل التي تقف أمام تشكيل الوفد التفاوضي المشترك؟
هل يشكل تحديد الإطار الخاص لـ "قضية شعب الجنوب" معضلة أخرى؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
طالبت هيئة التشاور والمصالحة مجلس القيادة الرئاسي في اجتماعها الأخير، بضرورة تشكيل وفد مفاوض مشترك عن مكونات مجلس القيادة الرئاسي.
وقالت "الهيئة" إن تأخير هذا الأمر لم يعد مفهوما لها، ولا يمكن أن يخدم الشرعية التي يتكئ عليها مجلس القيادة الرئاسي في مواجهة مليشيا الحوثي.
وشددت الهيئة على أهمية أن يضطلع مجلس القيادة الرئاسي بدوره المباشر في أي جهود تتعلق بالسلام والعملية السياسية التي تجري في البلاد، ولاسيما التطورات المتعلقة بمسار المفاوضات التي تجري بوساطة عمانية بين السعودية من جهة والحوثيين من جهة أخري.
وتأتي دعوة هيئة التشاور والمصالحة إلى تشكيل وفد تفاوضي في ظل غياب مجلس القيادة الرئاسي عن المفاوضات الجارية بين الحوثيين والسعوديين بوساطة عُمانية، التي تركز في هذه المرحلة من المفاوضات على الملف الإنساني، وكيفية دفع رواتب موظفي الدولة اليمنية بموجب كشوفات 2014م.
> ما أهمية تشكيل الوفد التفاوضي؟
منذ الانقلاب الحوثي العام 2014م، تشكلت وفود المفاوضات السابقة ما بين ثمانية أشخاص إلى اثني عشر شخصا في طرف الشرعية اليمنية، ويقابله نفس العدد في جانب "الحوثيين"، وبعد أن تغيرت الوقائع السياسية منذ مغادرة الرئيس هادي بموجب إعلان السلطة في أبريل 2022م، سيكون تشكيل الوفد القادم على الأرجح بالمناصفة بين الجنوب والشمال، خاصة بعد اشتراط وضع إطار تفاوضي خاص بـ "قضية شعب الجنوب".
وفي لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي مع القائم بأعمال مدير مكتب المبعوث الأممي "برت سكوت" في أواخر أغسطس الماضي بالعاصمة المؤقتة عدن، أكد ضرورة سرعة تشكيل الوفد التفاوضي المشترك ليتولى مسؤولية إدارة العملية التفاوضية، مشدداً على سرعة تشكيل الوفد التفاوضي المشترك.
وفي لقاء آخر جمع رئيس وحدة شؤون المفاوضات في المجلس الانتقالي الجنوبي ناصر الخبجي مع "برت سكوت"، دعا "الخبجي" خلال اللقاء إلى ضرورة إنهاء حالة الجمود التي تمر بها العملية السياسية عبر ممارسة الضغوط من أجل الإيفاء بالالتزامات والاتفاقات كافة، ومنها تشكيل الوفد التفاوضي المشترك لمجلس القيادة، ووضع إطار تفاوضي خاص لقضية الجنوب.
ووفقا لمحللين سياسيين، فإن أهمية تشكيل الوفد التفاوضي المشترك في غاية الأهمية للوصول إلى رؤية وموقف سياسي موحد، تجاه قضايا كثيرة تخص السلام والجوانب الإنسانية والسياسية والاقتصادية، والحفاظ على وحدة الموقف العام في مواجهة الحوثيين، ما لم ستظل القوى المناوئة للحوثيين على غير اتفاق في حالة لم يشكل هذا الوفد المشترك في الظرف الراهن.
في نظر كثيرين تتعاظم هذه المسؤولية في تشكيل الوفد، ليكون على اطلاع على الملفات التي يجري التفاوض حولها، حتى لو لم تعقد مشاورات ثنائية بين حكومة مجلس القيادة الرئاسي ومليشيا الحوثي في الوقت الحاضر.
من جانب آخر يقلل آخرون من تشكيل هذا الوفد في الوقت الحاضر، إذ إن هذه المفاوضات التي تجري بين الأشقاء في المملكة والحوثيين بوساطة عمانية، هي مجرد تقريب في وجهات النظر ليس إلا، وتهدف ربما إلى كشف نوايا الحوثيين وجس نبضهم تجاه قضايا الحرب والسلام، ورؤيتهم للحل الشامل لإنهاء الحرب في اليمن، ويستدلون على ذلك بتعثرها حتى الآن على الرغم من الجهود المبذولة.
يعتقد كثيرون أن أي اتفاق بين الرياض وصنعاء على طبيعة العلاقات المستقبلية بينهما هو شرط مسبق لأي مفاوضات يمنية- يمنية جادة، ومن دون هذا الاتفاق لن تؤدي تلك المفاوضات إلا إلى الفشل، أو إلى اتفاق لا يمكن تطبيقه على الأرض.
أما لماذا جاءت دعوة هيئة التشاور والمصالحة في هذا التوقيت، فيرجع مراقبون ذلك ربما إلى شعور البعض، بأنّ المفاوضات السابقة كانت تتم بين السعودية والحوثيين في ظل غياب المكونات السياسية لمجلس القيادة الرئاسي، وهناك خشية لدى البعض أن يكون أي تقدم في هذه المفاوضات الثنائية على حساب مكونات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة.
فما الذي يعنيه تشكيل وفد تفاوضي موحّد، سوى أنه يمتن العلاقات السياسية والروابط بين مكونات مجلس القيادة الرئاسي، ويجعل من القضايا المتضاربة والمتباينة قضية واحدة، في مواجهة الخصم الأكبر مليشيا الحوثي الذي يتربص بالجميع.
> ما الأسباب التي تقف وراء عدم تشكيله؟
لا يخفى على أحد حجم الخلافات والتباينات في تشكيل الوفد التفاوضي المشترك بين مكونات مجلس القيادة الرئاسي، وكل طرف يرمي باللائمة على الآخر في هذا الشأن.
ونصت مشاورات الرياض الثانية، بإدراج "قضية شعب الجنوب" في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص بها في عملية السلام الشاملة، التي سيتم من خلالها مناقشة شكل الدولة والنظام السياسي للفترة الانتقالية والضمانات المطلوبة.
ترى قيادات في الانتقالي أنهم كانوا يسعون إلى تشكيل وفد تفاوضي مشترك مع المجلس الرئاسي كما نصت عليه مشاورات الرياض، لكن الانتقالي شعر أن هناك تهربا من الرئاسي من تشكيل الوفد المشترك سواء من جانب الرئيس العليمي أو من آخرين، حد قولهم.
ولا تخفي هذه القيادات أن هناك بعض التباينات، فيما يتعلق بموضوع الحوار مع "الحوثيين"، ومحاولة أحد أطراف التحالف الانفراد بتلك الخطوة، لكنهم في نفس الوقت لم يبدوا أي اعتراض على مسألة التفاوض، طالما أنهم مشاركون في أي مسألة تخص الجنوب منذ البداية، كما يجب أن يكون "الانتقالي " شريكا أساسيا في التفاوض مع "الحوثيين" منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار، وحتى المراحل النهائية من التسوية السياسية في البلاد.
لكن هل المشكلة في تشكيل الوفد محصورة في التباين بين "الرئاسي" و "الانتقالي" أم تتجاوز هذا الثنائي إلى مكونات جنوبية أخرى، كالمكونات السياسية الحضرمية على سبيل المثال؟
في وقت سابق من هذا العام وقبل أن تقدم هذه المكونات على تشكيل مجلس حضرموت الوطني، رفعت المكونات الحضرمية رسالة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي تطالبه بعدم تجاوزها في صياغة المستقبل السياسي والعسكري للبلاد، مما يعد إقصاءً وتهميشا ويعزز حالة تغييب أصحاب المصلحة الحقيقية، وإنابة من يتولى شؤونهم والتقرير عنهم من غيرهم، وهي حالة لا تتناسب مع حضرموت وما قدمه أبناؤها من تضحيات، حسب وصف الرسالة.
ومن هنا تبرز مشكلة جوهرية في عدم القدرة على تشكيل الوفد التفاوضي، وهي الانقسام الأفقي للمكونات الجنوبية التي تدعي تمثيل "القضية الجنوبية"، مع عدم تجاهل أن مكون المجلس الانتقالي هو الأكثر تنظيما سياسيا وعسكريا وشعبيا من بقية المكونات الجنوبية الأخرى.
فعلى الرغم من أهمية أن تمثل أكبر عدد من المكوّنات والأحزاب السياسية الجنوبية صياغة الإطار التفاوضي الخاص بقضية شعب الجنوب، سواء خلال مشاورات الحل الشامل أو خلال المرحلة الانتقالية، وكذلك فيما بعد المرحلة الانتقالية، إلا أن ذلك ما يزال يواجه مصاعب جمة، بالنظر إلى التعقيدات التي تعيشها هذه المكونات الجنوبية في الوقت الراهن رغم فتح الحوار الجنوبي – الجنوبي.
> الإطار التفاوضي الخاص معضلة أخرى
يرى متابعون أنه ما يزال تحديد الإطار الخاص لقضية "شعب الجنوب" مبهما وغير واضح، على الرغم من الإشارة إليه من قبل هيئة التشاور والمصالحة في الوثيقة الثانية في بيان مؤتمرها العام المنعقد في عدن.
وحول الإطار الخاص تبرز أسئلة عدة كالتالي: كيف سيتم إقرار هذا الإطار هل عن طريق وفد تفاوضي بالمناصفة بين الجنوب والشمال، أم سيوضع من قبل الرعاة الدوليين والمبعوث الأممي؟
ويطرح البعض من القوى والمكونات الجنوبية مخاوفهم حول موضوع الضمانات، في حالة التخلي أو انقلاب الأطراف الشمالية داخل مكونات "الرئاسي" عن الإطار الخاص لقضية "شعب الجنوب"، خاصة إذا وجد وفد المكون الشمالي في "الرئاسي" المتمسك بالوحدة اليمنية نقاط توافق مع "الحوثيين" في قضايا معينة مشتركة بينهما.
ووفق مراكز بحوث سياسية، فإن على المكونات السياسية الجنوبية أن تضع تصورات للمرحلة الانتقالية التي تلي مشاورات الحل النهائي في اليمن، من شأنها أن تضمن عدم اجتياح المحافظات الجنوبية في حال تعثر أو انهيار اتفاق التسوية الشامل أثناء التنفيذ، فضلا عن الرؤى المتوافق عليها داخل المكونات الجنوبية، لشكل الدولة القادمة في جنوب البلاد: هل هي فيدرالية أم كونفدرالية، أم الذهاب إلى إقامة دولتين تخضع لقوانين تقرير المصير والاستفتاء، أم إلى شكل آخر للدولة يتفق لاحقا؟
يؤكد سياسيون جنوبيون أنه من المهم أن يحدد أعضاء الوفد التفاوضي عن "قضية شعب الجنوب" في "الرئاسي" توصيفات مناسبة للوضع السياسي والقانوني لشكل الدولة التي يطالبون بها مستقبلا، إذ إن كثيرا من الجنوبيين يواجهون خلطاً واضحاً في المسميات، وهو ما يسبب إرباكاً لمعظمهم في بعض الأحيان.
وطبقا لهذا الرأي؛ فإن الاهتمام بمثل هذه التفاصيل قبل الانخراط في عملية تفاوضية مع الأطراف اليمنية الأخرى المنخرطة في "الرئاسي"، تساعد على بلورة المواقف السياسية بشكل واضح، وكذا رسم خطوط ومسارات السلام بدون تعقيدات مستقبلية.
> رؤية الرئيس العليمي للحل
تختلف وجهات النظر بين مكونات مجلس القيادة الرئاسي للحل، فممثلو أهم مكون جنوبي (المجلس الانتقالي) يرى أن مهمة هذا الوفد التفاوضي بعد تشكيله معني بالتفاوض حول شكل الدولة والنظام السياسي للفترة الانتقالية والضمانات المطلوبة، بينما ترى مكونات أخرى في "الرئاسي" أن مهمة هذا الوفد التفاوضي المشترك هو التفاوض مع مليشيا الحوثي في المقام الأول مع تأجيل بقية المسائل الأخرى إلى ما بعد إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة.
في نهاية فبراير الماضي وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط، أعلن الرئيس العليمي أن أي اتفاق لإنهاء الصراع في اليمن سيكون بين الطرفين اليمنيين ولن تكون المملكة طرفاً فيه.
وقال عندما نستعيد الدولة سنضع كل شيء على طاولة الحوار والنقاش، ونضع المعالجات بالحوار وليس بالعنف أو بالفرض، ورأى أن معالجة القضية الجنوبية يجب أن تكون في إطار حلول النظام السياسي ومضمون الدولة وشكل النظام السياسي المستقبلي.
وأكد "العليمي" في ذلك اللقاء وجود ضمانات إقليمية لحل القضية الجنوبية، وفقاً لإعلان نقل السلطة في أبريل 2022، وبالتالي عندما يقال هذا الكلام فهو يشكل ضماناً رئيسياً لحقوق جميع الأطراف.
خلاصة القول، هناك تعقيدات كثيرة تقف أمام تشكيل الوفد التفاوضي المشترك، وتدور حول ماهي أهدافه ووظيفته، بالإضافة إلى أحقية التمثيل السياسي في ظل خلافات وانقسامات وتجاذبات سياسية يعيشها الجميع، سواء المكونات السياسية الجنوبية فيما بينها، أو بينها وبين مكون ما تبقى من الشرعية اليمنية داخل مجلس القيادة الرئاسي، وهو الأمر الذي أسهم إلى حد كبير بتأجيل تشكيل الفريق التفاوضي المشترك.