آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:32ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: كيف يحاول الحوثيون وأد ثورة 26 سبتمبر وطمس إنجازات الجمهورية والنظام؟

الأربعاء - 27 سبتمبر 2023 - 05:20 ص بتوقيت عدن
تحليل: كيف يحاول الحوثيون وأد ثورة 26 سبتمبر وطمس إنجازات الجمهورية والنظام؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول مصير ثورة 26 سبتمبر بعد ستة عقود من اندلاعها.. ومحاولات الحوثيين طمس هويتها وهوية الجمهورية...

كيف تواجه الثورة والجمهورية مخاطر ممارسات الحوثيين ومحاولات إعادة الملكية؟

هل يستطيع الحوثيون ابتلاع ثورة 26 سبتمبر وإنهاء تاريخها؟

الخطوات السياسية التي يقدم عليها الحوثيون.. هل ستنهي النظام الجمهوري؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

يتحدث التاريخ المعاصر لليمن أن آخر أئمة اليمن قبيل اندلاع ثورة 26 سبتمبر/آيلول عام 1962، كان الإمام البدر، الذي خلف والده الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، في سلسلة متواصلة من النظام السلالي الذي بدأ قبل أكثر من ألف عام، ولم يوقفه توالي الدويلات اليمنية المتعاقبة، ولا التواجد العثماني في اليمن.

فنظام الأئمة في اليمن لم يختفي منذ القرن الرابع الهجري، مرّ بالعديد من فترات التراجع والتقهقر بفعل ضعفه وقوة الدويلات اليمنية الأخرى كالصيلحية والرسولية والطاهرية، لكن الإمامة لم تتلاشى وبقيت فكرتها تواجدها حتى في مناطق قضية من شمال الشمال.

الشاهد في هذا الاستعراض التاريخي، أن آخر أئمة اليمن، والذي كان الإمام تقلد الإمامة خلفا لوالده الهالك في تاريخ لافت، يجب الوقوف أمامه كثيرا، هذا التاريخ كان 21 سبتمبر/ آيلول عام 1962، وقد لا يكون هذا التاريخ مهما عند البعض إلا إذا تذكر القارئ أن نفس هذا التاريخ هو الذي تحتفل به مليشيات الحوثي اليوم لثورتهم التي انقلبوا بها على الدولة والجمهورية في 21 سبتمبر/ أيلول عام 2014.

وهم بذلك يؤكدون بما لا يدع مجالا للشك أنهم ما آتوا وما انقلبوا على الجمهورية والسلطة إلا من أجل استعادة أمجاد أسلافهم البائدة، محاولين عبثا عودة نظام الإمامة الذي لم يقدم حكم آخر أئمتهم البدر سوى أسبوع واحد فقط حتى قذفت به ثورة 26 سبتمبر/آيلول عام 1962 هو ونظامه إلى مزبلة التاريخ، بعد أن أذاق هذا النظام الشعب اليمني الذل والعزلة والفقر والجهل.

استبدال الحوثيين يوم 26 بيوم 21، ليس من باب تجسيد مبادئ ثورته المزعومة ضد الفساد كما كان يدعي ذلك عبر شعاراته عند محاصرة صنعاء قبيل إسقاطها في سبتمبر/آيلول عام 2014، والتي زاد بسببها بؤس اليمنيين وعوزهم، ولكنه أمر مدروس يؤكد أنهم يسعون بقضهم وحديدهم إلى طمس معالم ثورة 26 سبتمبر، واعتماد 21 سبتمبر ثورة بديلة تذكر اليمنيين بنظامهم الكهنوتي الزائل.

وبحسب الإماميين القدامى والجدد، فالثورة أصلا لم تكن متوقعة من اليمنيين الذين وأرغموا على القبول بحكم الأئمة طيلة ألف عام ونيف، دون أن يكون هناك مقاومة تذكر إلا في الفترات الأخيرة قبيل وبعد النصف الثاني من القرن العشرين، عبر محاولات لم يكتب لها النجاح، وكان متوقعا أت تلقى ثورة 26 سبتمبر ذات الفشل.

كان توقع الإماميون أن الثورة ستسقط حتما، ولن تستمر خاصة عقب حصار السبعين يوما للعاصمة صنعاء بعد خروج القوات المصرية من اليمن، ذلك الحصار الذي بدأ أواخر العام 1967 وحتى بداية العام 1968، قبل أن يرضخ الملكيون الإماميون لصمود الجمهوريين ويسلمون بالثورة والجمهورية.

وتحول الملكيون السلاليون من المواجهة المباشرة ضد ثورة 26 سبتمبر للعمل على الإطاحة بها من الداخل، والتخطيط بخبث وروية لهذا الهدف، الذي لم يتحقق إلا في 21 سبتمبر عام 2014، بعد تأني وتوريد دام أكثر من نصف قرن، بعد أن مزقت الصراعات السياسية اليمنيين الجمهوريين وجعلتهم مكشوفون أمام الحوثيين.

> محاولات وأد آيلول

ليس هذا الإجراء المتمثل باستبدال ثورة 26 سبتمبر بانقلاب 21 سبتمبر وحده من يؤكد رغبة الحوثيين وتبييتهم لخطة القضاء على ثورة 26 آيلول منذ زمن طويل، سيتم التعرض لتفاصيله لاحقا.

لكن من تلك المحاولات هي طبيعة الاحتفاء الحوثي الكبير والواضح بذكرى انقلاب 21 سبتمبر، وإهمال ذكرى ثورة 26 سبتمبر في مناطق سيطرة الحوثيين، وهذا الإجراء يشي بالكثير من الدلائل والرمزيات المؤكدة على أن المليشيات تسعى بشكل حقيقي على طمس أي معالم لثورة 26 سبتمبر، بل والعمل على وأدها.

ولعل ما تم تداوله من مقاطع مرئية على منصات التواصل الاجتماعي، لمنع مدروس ورسمي من قبل مسلحين حوثيين لاحتفاء اليمنيين بثورة 26 سبتمبر في صنعاء، ومصادرة الأعلام ورايات الوطن التي رفعها اليمنيين في شوارع عاصمتهم المختطفة أكبر دليل على تلك المحاولات الحوثية على وأد وطمس الثورة التي قضت على نظامهم الإمامي للبائد قبل 61 عاما.

وإلا ما المانع من إتاحة المجال للمواطنين بالاحتفاء بثورة 26 سبتمبر، والتي كانت تشهد ذكراها عروضا عسكرية واحتفالات رسمية قبيل انقلاب عام 2014، تحولت جميعها للتنفيذ في يوم الانقلاب الحوثي 21 سبتمبر.

وزد على تلك الممارسات وجود توجه حوثي رسمي بتغيير نظام الحكم الجمهوري في اليمن، واستبدال العديد من الهيئات العامة في الدولة بهيئات ومؤسسات طائفية تخضع لزعيم الجماعة الإنقلابية مباشرة، في محاكاة واضحة لنظام الحكم (ولاية الفقيه) في إيران، الداعم الأكبر للحوثيين.

وفي الوقت الذي أعادت فيه ثورة 26 سبتمبر/آيلول عام 1962 الحكم إلى الشعب، وجعلته جمهوريا يستطيع الناس من خلاله اختيار حكامهم، من شأن هذه الممارسات والإجراءات والتغييرات الحوثية في قلب نظام الحكم أن تجعل النظام ملكيا بيد القائد أو سيد الثورة -بحسب وصفهم- تكريسا للحكم المحلي الفردي والذي من المؤكد أنه سيخلفه عند موته أحد أفراد أسرته من أبناءه أو إخوته.

كل تلك المحاولات والإجراءات تؤكد بلا ريب سعي المليشيات الإنقلابية على ابتلاع الثورة التي وضعت حدا لحكم الأئمة والسلالة العائلية، والعمل على إنهاء تاريخ ثورة 26 سبتمبر التي أسس ليمن عصري حديث، يرفض العودة إلى العنصرية وإلى الكهوف وتقبيل أيادي وركب الإمامة.

الحوثيون يدركون أن الإنسان اليمني اليوم ليس كما الإنسان اليمني قبل 61 عاما، غير أن وجههم القبيح خلال سنوات الحرب كشف عوراتهم وفضحهم بشكل واضح، وجعلهم يخشون على أنفسهم وملكهم من مجرد الاحتفال بثورة 26 سبتمبر أو حتى رفع الأعلام الوطنية في صنعاء.

> تاريخ من محاولات الإجهاض

محاولات الملكيون الإماميون لإجهاض ثورة 26 سبتمبر التي قضت على نظامهم، لن تكن وليدة اليوم، فحتى قبل الوصول إلى يوم الانقلاب، كان للملكيين تهيئة مسبقة سهلت لهم الوصول إلى هدفهم وتجسيده واقعا في عام 2014.

السلاليون الملكيون انخرطوا في مؤسسات الجمهورية ومرافق الدولة، وسلموا بالنظام الجمهوري انطلاقا من مبدأ (التقية) وليس اقتناعا به، وهيئوا لأنفسهم كل الظروف لتحقيق حلم استعادة الملكية في اليمن، وذلك عبر تغلغل ما عرف بـ(تنظيم الهاشمية السياسية) في مفاصل السلطات العليا للدولة، مثل القضاء والجيش والجامعات، وكان لهم في النهاية ما أرادوا.

ورغم أن النظام الجمهوري أمّن للسلاليين وأولادهم فرصا أفضل ما كانوا ليحصول عليها إذا بقيّ نظام الإمامة، إلا أنهم استغلو تلك الفرص في خدمة العائلات الهاشمية والبيوت السلالية، بدءا ببيت شرف الدين والحوثي والشامي والعماد والمؤيد والمتوكل والزيدي وغيرها من البيوت الملكية التي تمرغت في خير ثورة 26 سبتمبر ليكون الجزاء الإنقلاب عليها.

صحيح أن كل هذه العائلات السلالية استفادت من الإنقلاب اليوم، عبر نهب وسرقة أموال اليمنيين، تحت مسمى الخمس أو بمبررات الاحتفالات الدينية، لكن هذه الاستفادة في ذات الوقت كشفت عوراتهم أمام بسطاء اليمنيين ممن أدركوا الوجه القبيح للإمامة، ومن الجيل الجديد الذي لم يكن يدرك حقيقة هذه السلالة الكهنوتية في اليمن، ومحاولاتها مع اليمنيين من الثورة والمساواة والعدالة الاجتماعية.

غير أن النجاح الذي وصل إليه الإماميون، والتمهيد لاستعادة نظامهم الهالك، لم يكن ليتم لولا الانقسامات العميقة التي ضربت النسيج اليمني، بدءا من الصراعات السياسية بين القوى الحزبية، والتي سمحت للحوثيين بالتسلل والانقلاب على الدولة بشكل وحشي، ومن ثم إزاحة كل القوى الأخرى من الساحة، بعد أن سهلت لها الاستيلاء على الدولة والجمهورية.

ولعل ليس في إمكان اليمنيين اليوم مواجهة مخططات الحوثيين ومحاولات هدم محاريب الدولة والجمهورية المقدسة، سوى نسيان خلافات الماضي بين قواهم السياسية والحزبية، وتوحيد الجهود والطاقات والتفرغ لمواجهة مخاطر التخطيط الحوثي الخبيث والسري، ومنع عودة الملكية والإمامة مجددا، فقد خبر اليمنيين كيف هو شكلها القبيح من خلال ممارسات الحوثيين وانتهاكاتهم.

وبهذه الطريقة يمكن لليمنيين منع الإنقلابيين الحوثيين من محاولة ابتلاع ثورة 26 سبتمبر، واستعادة وجهها الثوري والتنويري، والاستفادة من سنوات الحرب في معرفة كيف عبث الحوثيون بوجه اليمن وأهان الجميع ونكّل بهم وشردهم في الداخل والخارج، ومن المؤكد أن في كل ذلك الكثير من العبر والدروس.