آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:39ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: ما الذي يؤخر صرف مرتبات موظفي الدولة.. وما تأثيرات ذلك معيشيا؟

الثلاثاء - 19 ديسمبر 2023 - 07:25 ص بتوقيت عدن
تقرير: ما الذي يؤخر صرف مرتبات موظفي الدولة.. وما تأثيرات ذلك معيشيا؟
(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في أسباب وتداعيات تأخر صرف مرتبات موظفي الدولة وتأثيراتها المعيشية..

ما حقيقة ما يحدث.. وهل له علاقة بتحويل المرتبات إلى البنوك التجارية أم أن تأخر صرف المرتبات أمر طبيعي نتيجة الإجراءات السنوية؟

لماذا يغيب التفسير الحكومي.. وهل هناك أزمة مالية تعصف بالدولة؟

ما المعالجات الممكنة لصرف مرتبات الموظفين بانتظام.. وهل تتكرر المشكلة؟

قوت الناس في مهب الريح

(عدن الغد) القسم السياسي:

توصف مرتبات موظفي الدولة المدنيين والعسكريين بأنها (خط أحمر) يحرم الاقتراب منه أو تجاوز حدوده، ذلك أن المرتب هو معاش مقرر من الدولة للموظفين العموميين، وعليه تعتمد وتستند الطبقة المتوسطة من المجتمع، وتصمد مستعينةً به أمام الخطوب والملمات الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالوطن والمواطن.

ومن الطبيعي أن يوفر المرتب الشهري للموظفين أساسيات الحياة للطبقة المتوسطة، لكن الوضع الراهن الذي تعيشه اليمن لا يمكن أن يجعل أي مراقب أو اقتصادي يجزم بأن ما يتقاضاه موظفو الدولة اليوم لا يمكن أن يوفر حتى ضروريات الحياة، ناهيكم عن تماسك أو صمود هذه الطبقة التي بدأت بالتلاشي من الخارجة الاجتماعية في اليمن.

أسباب هذا التلاشي للطبقة المتوسطة من المجتمع تعود إلى حالة عدم الاستقرار التي مر ويمر بها المرتب الشهري للموظفين، والذي بات متوسطه الأدنى لا يفي بمتطلبات الحياة، بعد أن أثقلت كاهله الانهيار المتواصل لأسعار الصرف من جهة، والتصاعد الخيالي لأسعار السلع الغذائية الأساسية من جهة أخرى متأثرة بترديد العملة المحلية.

الموظفون اليمنيون عموما، ولعل هذا الأمر لا يحدث سوى في اليمن، استطاعوا التأقلم مع هذه الحالة غير المستقرة للمرتبات، وهيئوا أنفسهم وكيّفوا حياتهم وظروفهم للتعايش مع هذه الحالة، من خلال الاستغناء عن الكثير من ضروريات الحياة، واكتفوا بما هو حتمي ليبقيهم على قيد الحياة فقط، وهذا جعل غالبية اليمنيين ينحدرون ويسقطون إلى طبقات ودركات الفقر معيشيا، والتخلي عن البقاء في الطبقة الوسطى.

وتبعات هذا الوضع، قد لا توحي بأن هناك انفجارا أو ثورة شعبية من نوع ما ضد هذا الشكل من أشكال التحول الاقتصادي والاجتماعي العنيف، ولكنه يعني أن الطبقة الدنيا التي بات يتزاحم فيها الفقراء أصبحت تتسع وتتمدد لتلتهم الفئات المتعففة حتى، والتي كانت صامدة طيلة السنوات الماضية من سني الحرب، لكن أمرا استجد مؤخرا يتوقع أنه سيؤدي إلى كوارث أكبر.

> تأخر المرتبات

مازال نسبة كبيرة من موظفي الدولة لم يتسلموا راتب شهر نوفمبر الماضي، رغم دخول النصف الثاني من شهر ديسمبر الجاري، الأمر الذي يمثل تطورا خطيرا في الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلا منذ سنوات، بالنسبة لمواطني وموظفي المحافظات المحررة، وتحديدا في جنوب اليمن، الذين اعتاد الناس فيها واعتمدوا على مرتبات الدولة للإعاشة.

فتبعات مثل هذا التأخر في صرف المرتبات ستكون وخيمة على حياة الناس، الذين تدحرجوا إلى الطبقة الأدنى معيشيا، وبالتالي مزيد من الفقر والتقشف، والذي لن يمر هذه المرة مرور الكرام؛ لأن الحالة عندها ستخرج عن السيطرة، ولن تختلف آثار تأخر المرتبات في المناطق المحررة عن آثار عدم صرفها في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي.

ورغم أن الوضع مأساوي وكارثي بالفعل، في الحالتين وفي المنطقتين، سواء تأخر صرف المرتبات أو توقفت تماما، إلا أن التركيبة السكانية في كلا المنطقتين تختلف في آلية تقبل هذا الوضع، حيث إن سكان شمال اليمن لن يعتمدوا أو يستندوا على الدولة ومرتباتها بشكل كامل كما هم سكان الجنوب الذين تمرغوا بمسئولية الدولة عن كل صغيرة وكبيرة من أمور معيشتهم منذ ما قبل ثلاثة عقود، حتى أت هذا الأمر تحول إلى ثقافة متأصلة ومتجذرة في أذهان أبناء الجنوب وجيله الراهن من الموظفين.

ولعل قدرة أبناء الشمال -معظمهم وليس جميعهم- على الاستمرار في الحياة رغم توقف مرتبات الموظفين منذ سبعة أعوام أو يزيد، بالرغم من وجود حالات جوع وتفشيه بشكل واسع، أكبر دليل على عدم اعتماد الأهالي هناك على الدولة، غير أن الأمر مختلف تماما في المحافظات المحررة، والجنوب منها تحديدا.

فلم يعتد الجنوبيون أن تتخلى الدولة عنهم وعن معيشتهم، وما زالوا ينتظرون منها أن تمدهم بأسباب العيش، كالحمل الصغير المنتظر لرضاع أمه وحليبها، ومجرد تأخير صرف المرتبات يعني كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما يحدث حاليا من تأخر صرف مرتب نوفمبر الماضي، مع مخاوف من عدم قدرة الحكومة بصرف المرتبات بشكل كامل.

> أسباب التأخير

قد تكون الحرب وتداعياتها هي من تقف وراء تأخر صرف المرتبات لموظفي الدولة بشكل عام، وهو ما تسببت به بالفعل خلال السنوات الماضية، وأدت إلى توقفها نهائيا وبشكل كامل في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث استولت المليشيات على مقدرات البوم المركزي بصنعاء ونهبت مرتبات وأموال الشعب، بينما جاهدت الحكومة الشرعية في المناطق المحررة لتثبيت الاستقرار وصرف المرتبات بانتظام، رغم أنها واجهت الكثير من المشكلات.

غير أن المشكلات التي تواجه الحكومة الشرعية في تأمين صرف المرتبات لم تنتهِ، وما زالت مستمرة حتى اليوم، لكنها تفاقمت مؤخرا بشكل كبير، خاصة قبل أكثر من عام من الآن، حين قصف الحوثيون موانئ تصدير النفط في جنوب اليمن ومنعوا الحكومة من تصدير النفط والغاز، وبالتالي حدوث عجز مالي في صرف المرتبات، لم ينكره رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي ألمح إلى إمكانية عدم قدرة الدولة على صرف المرتبات.

لكن الحكومة استطاعت الصمود طيلة عام كامل، ربما بفضل الدعم المالي الذي حصلت عليه من دول خليجية، ما ساعدها على الاستمرار في صرف المرتبات، لكن هناك العديد من المستجدات التي طرأت على الملف الاقتصادي المرتبط بصرف المرتبات في الداخل اليمني، تضمنت إجراءات تحويل عملية الصرف إلى بنوك تجارية وخاصة، بدلا من المرافق العامة والمؤسسات التي ينتسب إليها الموظفون.

وهذا ما جعل مراقبين ومهتمين للإشارة إلى أن تحويل المرتبات إلى البنوك التجارية أدى إلى هذا التأخير في صرف المرتبات، بعد تحذيرات عديدة من قبل خبراء ماليين بهذا الصدد، في ظل ضعف قدرات البنوك المستحدثة والحديثة على التعامل مع هذا الكم الهائل من الموظفين وقواعد البيانات الضخمة، والتي لم تعتد عليها.

غير أن ثمة تبريرات عديدة تتعلق بأسباب تأخر صرف، ليست لها علاقة بالجوانب السياسية أو العسكرية، ولكنها ذات طابع إداري ومالي بحت، وهي المرتبطة بنهاية العام المالي، والتي تحتاج فيها البنوك إلى إنجاز حساباتها الختامية المالية، قد تكون إحدى الأسباب وراء تأخر صرف الرواتب خلال الشهر الماضي والشهر الجاري.

> أزمة مالية

لا يختلف اثنان على أن الحكومة اليمنية تواجه أزمة مالية حادة، ليست وليدة اللحظة أو العام الماضي، ولكنها أزمة تمتد إلى بداية الحرب وقبل نحو عقد كامل، لكن المستجدات الأخيرة أكدت هذه الأزمة وفاقمتها، خاصة مع منع تصدير النفط وحرمان الدولة من إيراداته.

لكن هذا التوصيف لا يكفي إذا ما اكتفت الدولة والحكومة بالصمت وعدم الإعلان رسميا للمواطنين بأسباب هذه الأزمة المالية ومكاشفة الرأي العام بحيثيات هذه الأزمة، بالإضافة إلى توضيح الأسباب الحقيقية وراء تأخر صرف المرتبات، وهو ما تمارسه الحكومة اليمنية بالفعل تجاه رعاياها، بحيث تجعل من الشائعات تتصاعد وتنتشر.

هذا الصمت الحكومي تجاه ملابسات أزمة ليست بالسهلة، تلامس قوت الناس ومعاشاتهم، لا يمكن أن يكون مبررا، لكن المبرر الوحيد وراء هذا الصمت هو أن الحكومة ممثلة بمؤسسات الدولة غير قادرة على معالجة أسباب هذه الأزمة، أو حل عوامل ومؤثرات تأخر المرتبات، وهذا هو المبرر الوحيد وراء كل ذلك الصمت وغياب التفسير الحكومي.

وفي الحقيقية، فإن الحكومة الشرعية عاجزة تماما عن القيام بأية معالجات اقتصادية ومعيشية واقعية منذ سنوات، بحسب اقتصاديين وخبراء ماليين، وهو عجز ما زال المجتمع الإقليمي والدولي يحاول تجاوزه من خلال إصلاحات يعتزم القيام بها داخل مؤسسات الدولة المالية السيادية، وعلى رأسها يأتي البنك المركزي اليمني في عدن.

وبرأيي الاقتصاديين، فإن تأخر المعالجات والإصلاحات المالية معناه استمرار المشاكل التي تعاني منها عملية صرف مرتبات موظفي الدولة، وبالتالي تكرارها؛ ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة المعيشية لدى المواطنين ووصولها إلى مستويات كارثية.