آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:32ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: هل نحن على أعتاب تحالف سياسي يغير الخارطة السياسية في اليمن لأول مرة منذ عام 2015؟

الأحد - 21 يناير 2024 - 09:44 ص بتوقيت عدن
تحليل: هل نحن على أعتاب تحالف سياسي يغير الخارطة السياسية في اليمن لأول مرة منذ عام 2015؟
(عدن الغد)خاص:
تحليل يقرأ في واقعية وأبعاد الدعوة التي أطلقها قياديون في حزب الإصلاح اليمني للتقارب مع جماعة الحوثي..

ما دور الضربات العسكرية الغربية ضد الحوثي في دفع القوى اليمنية نحو التقارب؟

هل نرى تقاربا بين الحوثيين وخصومه.. وهل هذا ممكن فعلا.. وما مستقبل هذا التحالف الناشئ؟

كيف سينعكس هذا التقارب على التحالف العربي والقوى السياسية المحلية.. وهل يؤدي إلى سلام حقيقي في اليمن؟

من القوى المتضررة من مثل هذا التقارب.. وهل التحالف السياسي الجديد موجه ضد أحد.. أم أنه رد فعل المستجدات؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

لا شيء ثابتا في السياسة، ولا مبادئ فيها، ليس هناك سوى المتغيرات هي الثابتة، فالشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون ثابتا في عالم الساسة هو التغيير المستمر، فالسياسة قائمة على التغيير والتبديل والتجديد، وهذه هي مداميكها وأسسها، ولن نقول قيمها أو مبادئها، لأنه لا قيم ولا مُثل ولا مبادئ في السياسة، فعدو الأمس يمكن أن يكون صديق وحليف اليوم، والعكس صحيح.

وتاريخ المشهد السياسي في اليمن مليء بالتجارب التي تؤكد هذه القاعدة، بدءا من اتفاق الملكيين والجمهوريين بعد حرب شعواء بينهما، كما أن قوى اليسار واجهت ذات يوم قوى اليمين في المناطق الوسطى من شمال اليمن، لكن القوتين تحالفتا فيما عُرف بـ "أحزاب اللقاء المشترك" ضد النظام الحاكم، وقبل ذلك كان حزب المؤتمر الحاكم متحالفا مع اليمين المتمثل في حزب الإصلاح ضد اليسار المتمثل في الحزب الاشتراكي خلال حرب عام 1994، لكن سرعان ما اختلفت كل تلك التحالفات وعادت لتتفق مرة أخرى، تجسيدا لقاعدة التغيير الحتمي التي تتميز بها السياسة.

أمثلة كهذا، يمتلئ بها تاريخ اليمن، سواءً في الشمال أو في الجنوب، وإن كان النظام السياسي في الجنوب ما قبل عام 1990 كان أكثر انغلاقا، وغالبية المراقبين يرونه نظاما غير مرن، ولم يمارس السياسة بمفهومها المتعارف عليه من الانفتاح وقبول التغيير، وربما كان هذا سبب تلاشي هذه النظام تماما كما تلاشت الأيدولوجية الاشتراكية التي تمسك بقيم مثالية للغاية لم تحققها أو تترجمها على الواقع ولهذا لم تستمر في كل العالم وليس فقط في اليمن.

بينما كان النظام السياسي في الشمال مليئا بالتناقضات والاختلافات حد الفوضى، ويبدو أن هذه السمة هي من دفعت هذا النظام أن يكون مرنا ويسعى للقبول بالاختلاف والتعايش معه، حتى بين الملكيين والجمهوريين رغم تباين المشروعين، على العكس من النظام في الجنوب، الذي سعى إلى إنهاء المشاريع المختلفة مع المشروع اليساري والقضاء عليها تماما خلال فترة حكمه، رغم عودتها مجددا بعد عام 1990، وتعززت اليوم بقوة بعد حرب عام 2015.

هذه الفروق بين الشمال والجنوب، والتقلب الذي عاشته النخبة السياسية في شمال اليمن، بين المشاريع السياسية المتناقضة، يجعلنا نفهم عقلية هذه النخبة التي استوعبت دهاليز السياسة جيدا، تماما كما يفعل كل العالم اليوم، المتنقل بين تحالفات كانت في فترة معينة مستحيلة ونراها اليوم واقعا، بينما قد تبدو هذه العقلية غريبة في المشهد الجنوبي الذي لم يتقبل بعد مفهوم أن أساس السياسة هو التغيير والمصلحة، وحيثما تواجدت المصلحة تواجدت السياسة.

وهذا ما يحدث اليوم مع دعوة قيادات حزب الإصلاح اليمني للتقارب مع جماعة الحوثي، رغم ما بين الجماعتين من عداء ومواجهات، ليس على المستوى السياسي في اليمن، بل وحتى بأبعاد الخلاف المذهبي والطائفي والعقائدي حتى، وهو ما أثار الكثير من الجدل حول الدعوة للتقارب بين الإصلاح والحوثيين، لكن رغم أن هذه الدعوة غريبة للغاية ومستغربة، بل إن البعض استهجنها كثيرا إلا أنه -إذا حدث هذا التقارب- فمن المؤكد أن يعمل على تغيير الخارطة السياسية في اليمن لأول مرة منذ عام 2015.

> دوافع التقارب وعوامل الاختلاف

البعض قد يرى في تقارب كهذا، بين الإصلاح والحوثيين، انتكاسة لقوى سياسية جاهرت منذ عقود بعداوتها للحوثيين، كما أنها أثبتت زيف شعاراتها المؤيدة للشرعية والتحالف العربي، غير أن آخرين يرون فيها فهما واستيعابا لمفهوم السياسة وفق قاعدة المتغيرات التي تحتم وتفرض توازنات وتحالفات تتوافق مع المرحلة، خاصة أن ثمة مستجدات على الساحة اليمنية هي من فرضت هذا التقارب.

فالضربات الأمريكية والبريطانية الأخيرة على مواقع عسكرية حوثية في مدن يمنية عديدة، ردا على هجمات الحوثيين التي تستهدف سفن التجارة العابرة للبحر الأحمر، تدخلا عسكريا من الغرب في اليمن، وانتهاكا للسيادة الوطنية، وعليه فإن تدخلا كهذا يستوجب من اليمنيين نسيان الاختلاف والانقسامات وتجاوزها -كونهم يمنيين أولا وأخيرا- والالتفات إلى ما يهدد البلاد من اعتداءات خارجية، تستدعي توحيدا للصفوف في مواجهة التدخل الغربي.

وقد يكون هذا المبرر هو الدافع الذي بناء عليه تم توجيه دعوة الإصلاح إلى الحوثيين للتقارب، وهي -بالمناسبة- ليست الدعوة الأولى من نوعها بين الطرفين (الحوثي والإصلاح) فقد سبق أن دعت قيادات حوثية نظيرتها الإصلاحية للتقارب والتحالف لمواجهة المستجدات السياسية والعسكرية في المنطقة، حيث أطلقها الحوثيون في بداية حرب غزة، مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي، ما يعني أن الجانبين يمكن لهما أن يتقاربا، ما دام هناك بوادر من كليهما نحو هذا التوجه.

تقارب كهذا إذا حدث، فإن سيؤكد أن ممارسي السياسة في اليمن لا تقف أمامهم أية عقبات ما دامت تختلف مصالحهم من مثل هذه التحالفات، لكن يجب إدراك الكثير من المحاذير التي يمكن أن تحول دون تحقيق هذا التقارب الذي من الطبيعي أن يكون مستهجنا خارج دهاليز السياسة التي لا تعترف بمبادئ أو قواعد ثابتة.

ولعل أولى تلك العوائق التي تمنع تشكل هذا التحالف هي حالة الثقة بين الجانبين، وتربص كل طرف بالآخر، عدم القدرة على التسليم بما في أيدي الطرف الآخر من تطمينات، عطفا على الإرث القديم من العداء بين الجانبين مذهبيا، والتي قد لا تمنع تفجر الخلاف أو تمنع تشكل التحالف بينهما ولكنه ستؤجل وتُرحّل الاختلاف إلى أجل مسمى ريثما يتم الانتهاء من تحالف المرحلة الراهنة، ربما كما حصل بين تحالف الحوثي وصالح في بداية الأزمة اليمنية، والذي لم يقدم طويلا وانتهى بشكل مأساوي، كون الحوثيين أصلا لا يؤمن جانبهم ولا يوثقون بأي تعهدات أو تفاهمات.

لكن في المقابل، فإن أي تقارب بين الجانبين لم يكن قائما وفق رؤية مذهبية أو دينية، بقدر ما سيكون سياسيا بحتا، وهذا ما سيقود إلى التذكير بتحالفات حزب الإصلاح التاريخية مع القوى السياسية في اليمن، والتي كانت في غالبيتها "انتهازية" ومؤقتة و "مرحلية"، سرعان ما تنتهي بمجرد انتهاء المصالح المتبادلة بين الجانبين، وهو ما يلتقي عليه الطرفان (الحوثي والإصلاح) كشيء متجذر في عقلية الجماعتين الانتهازيين، ما يعني أن مستقبل تحالف كهذا محكوم عليه بالفشل على المدى المتوسط والقريب، ومن المرجح ألا يدوم طويلا في حالة تحققه.

> موقف القوى الأخرى

تحالف أو تقارب من هذا النوع، لا يمكن الحديث عنه بمنأى عن القوى والتحالفات الكبرى المتحكمة بالمشهد اليمني عموما، والتي تسيطر على جوانب ومناطق مهمة جدا من الخارطة السياسية اليمنية، ولا بد أن يعمل على التأثير في كل المكونات العاملة على الساحة الوطنية والإقليمية.

فمثلا، هناك التحالف العربي الذي يمكن أن يكون له موقف ما من أي تقارب بين قوى سياسية موالية للتحالف وبين الحوثيين، خاصة وأن قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية قد يقوض عملية السلام مع التحالف العربي بقيادة السعودية وبين الحوثيين، خاصة وأنهما كانا قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على خارطة الطريق واتفاق السلام، لولا تطورات المستجدات في البحر الأحمر وتصنيف الحوثيين كإرهابيين من قبل الولايات المتحدة.

لكن تقارب الحوثي مع أي قوة يمنية، خاصة إذا كانت بحجم حزب الإصلاح، يرى مراقبون فيها تحولا قد يفضي إلى تقارب لإنهاء الحرب وفرض سلام يمني يمني داخلي، دون الحاجة لتدخل إقليمي أو أممي، غير أن أمرا كهذا يحتاج إلى تواجد الشرعية اليمنية في المشهد لإبرام أي سلام بين اليمنيين، هذا باعتبار أن الحوثي فصيل يمني، وفق ما ترى تلك القوى السياسية، خاصة وأن دعوة التقارب تزامنت مع الضربات الغربية أهداف داخل اليمن.

جانب آخر متعلق بموقف القوى المحلية من تقارب الحوثيين والإصلاح، يتمثل في موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي دائما ما حذر من "التخادم الحوثي الإخواني"، وما فتئ الانتقالي ينظر إلى أي تقارب بين الحوثي والإصلاح بأنه يستهدف الجنوب في الأساس، ويستهدف نهب ثرواته، وهذا ما يجعل من هذا التحالف الحوثي الإصلاحي كوجه ضد الانتقالي، بحسب ما يرى أنصار وقيادات هذا الأخير.

وفي رأي محللين، فإن أي تقارب أو إنشاء تحالف بين الحوثي وحزب الإصلاح مرهون بتفاهمات سياسية يقودها قادة حزب الإصلاح السياسيين مع قادة الحوثي السياسيين، أما أن تصدر الدعوة من قيادي ديني فلا يمكن التعويل عليها إلا في حالة بدأت الأطر السياسية والحزبية للجانبين بالتحرك نحو تحقيق هذا التقارب بين الجانبين، ودون ذلك فإن الدعوة ستبقى مجرد دعوة حتى يتم تفعيلها عمليا.