تواجه دعوات الانفصال في جنوب اليمن مأزقًا حقيقيًا مع تزايد حالة الإحباط الشعبي، نتيجة فشل القيادات الجنوبية في تحقيق الوعود التي أطلقتها منذ سنوات، خصوصًا فيما يتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية، وتعزيز الأمن والاستقرار، وإرساء دعائم دولة مستقلة ذات مؤسسات قوية.
ورغم أن القضية الجنوبية لا تزال تحظى بدعم واسع في الشارع، إلا أن الواقع على الأرض يعكس تراجعًا في الثقة بالقيادات التي تصدرت المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة، حيث يرى كثير من المواطنين أن الوعود التي قُطعت بشأن تحسين الخدمات، ودفع المرتبات، واستقرار الأمن لم تتحقق، بل على العكس، ازدادت الأوضاع سوءًا، مما أدى إلى حالة من السخط الشعبي المتصاعد.
انقسامات داخلية وتحديات سياسية
إلى جانب الإخفاقات في الملف الخدمي والمعيشي، تعاني القيادات الجنوبية من انقسامات حادة داخل المكونات السياسية، مما زاد من تعقيد المشهد وأضعف موقف دعاة الانفصال. فبدلًا من توحيد الصفوف لتحقيق الأهداف السياسية، دخلت بعض الفصائل في صراعات داخلية على النفوذ والسلطة، وهو ما جعل الكثيرين يشككون في قدرة هذه القيادات على إدارة دولة جنوبية مستقلة في حال تحقق الانفصال.
كما أن غياب رؤية سياسية واضحة لمرحلة ما بعد الانفصال، وعدم وجود اتفاق شامل بين القوى الجنوبية حول شكل الدولة القادمة وآليات الحكم، أدى إلى إضعاف موقف دعاة الاستقلال على الساحة الإقليمية والدولية، حيث لا يزال المجتمع الدولي ينظر بحذر إلى هذه التحركات في ظل الانقسامات الداخلية وغياب الاستقرار.
التدهور الاقتصادي والخدماتي يفاقم الأزمة
في الوقت الذي كانت بعض القيادات الجنوبية تعد المواطنين بأن الانفصال سيجلب تحسنًا اقتصاديًا واستقرارًا معيشيًا، وجد المواطن الجنوبي نفسه اليوم في وضع اقتصادي أكثر سوءًا من أي وقت مضى.
العملة المحلية تواصل الانهيار، والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة وصلت إلى مستويات كارثية، بينما تعاني المدينة من أزمات في المشتقات النفطية وارتفاع جنوني في الأسعار، ما جعل العديد من المواطنين يطرحون تساؤلات حول قدرة القيادات الجنوبية على إدارة الدولة في حال تحقق الانفصال، إذا كانت عاجزة عن إدارة المناطق التي تسيطر عليها اليوم.
يقول أحمد سعيد، وهو مواطن من عدن: “لطالما سمعنا أن الاستقلال سيجعل الجنوب جنة، لكن الواقع اليوم مختلف تمامًا، فبدلًا من التحسن، نعيش أسوأ أزمة اقتصادية وخدمية، والكثير من الوعود لم تكن أكثر من شعارات فارغة.”
مستقبل غامض وسط الاحتجاجات المتزايدة
مع تصاعد حالة الغضب الشعبي، بدأت بعض الأصوات الجنوبية تدعو إلى إعادة تقييم الأولويات والتركيز على تحسين الوضع الداخلي قبل الحديث عن مشاريع سياسية كبرى مثل الانفصال.
ويرى مراقبون أن القيادات الجنوبية باتت في مأزق حقيقي، حيث لم تعد قادرة على إقناع المواطنين بالاستمرار في دعم مشروع الانفصال دون تحقيق تحسن ملموس في حياتهم اليومية، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من النقاشات الداخلية حول مستقبل الجنوب ومصير القضية الجنوبية.
وفي ظل هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن القيادات الجنوبية من تجاوز هذه الأزمة وإعادة كسب ثقة الشارع، أم أن فشلها المستمر سيدفع المواطنين للبحث عن خيارات أخرى بعيدًا عن الوعود غير المنفذة؟