كتب /فهمي غانم
عن
الرمزية الإنسانية في شعر المرأة لدى الشاعر
محمد الشرفي
--------------------------
إلى أيّ مدى كان للشاعر الكبير محمد الشرفي الملقب بنزار اليمن قابلية فنية وقدرة على التموضع في المسافات والمساقات الإبداعية طولاً وعرضاً وتشبعاً خيالياً وإحساساً بالمرأة حتى غذا أحد التجارب المميزة في شعر المرأة فشعر المرأة الحقيقي ليس شعراً نزقاً أو ترفاً أو مجالاً للعب بالعواطف والكلمات بل هو تجربة فردية ورؤية فنية وإمتداد إنساني وذاكرة بصرية وسمعية وذوقية وعمل فني وإبداعي راق فمثل هذه الأشعار لاتدار بالغرف المغلقة لأنها تموت حالا بالإختناق بل تتنفس من خلال المساحات وإطلاقها من محاجرها إلى فضاءاتها الواسعة فهي تتغذى من ينابيع الحب وشذى الازهار وهو ماقد يشير إلى مسحة رومانسية إقترب منها الشاعر الشرفي كثيرا..
لاتتركيني للهوى المجنون
وحدي*
ياحلو الأشواق
كوني أنتِ أسفاري
وكوني أنتِ وعدي
وصدى الحبِّ عندي
ماكان بي هذا العذاب
ولا الحنيني
---------------
يحاول الشاعر الشرفي أن يجمع تلك الأوصال المقطوعة والجزر المتباعدة لنموذج المرأة المتخيلة عنده فهو لايبحث من خلالها عن شرف كاذب ممهور بتلك العادات التي تنظر للمرأة في بلاده كأنها سقط متاع أو أنها من بقايا العصور الوثنية ولهذا لاتتحدث أشعاره عن أنثوية مختزلة أو عن إحتياجات مكتومة بل نجده يؤطرها في إطارها التوافقي مع إنسانيتها ويستنطق فيها إمكانية القدرة على الفعل وأخذ زمام المبادرة مع إضفاء رونقها وعبيرها وتدللها فهي كينونة حاضرة بفعلها المؤثر..
أنا القاتلة*
أنا ظمأ الحق والعدل
في بلدي القاحلة
وصُبُّوا عليَّ الرصاص
أخذت لنفسي القصاص
وكنتُ أنا الخصم والفصل
والتهمة الماثلة
---------------
هذا نموذج شعري لمرأة تثور في وجه جلاديها وهو موقف متقدم شجاع انتهى بموقف ماسآوي كما المح الشاعر على لسانها وهي تقول..
وكنتُ الضحية
وحدي لكل النساء
وكنتُ الفدا
وكنتُ أنا الرفض والعنف
للمرأة الفاضلة..
موت الضحية هنا هو إختزال فني لموقف معبر عن سياقات متمردة وعنفوان للحظة الثورية ضد جبروت الطغاة في رسالة بالغة المعنى..
---------------
ومن أشهر قصائده الاولى التي أعلن فيها موقفه من الشرشف كرمز لحجاب العقل وحجاب الإنسان قد وردت في :
/دموع الشراشف/
وفيها أعلن الشرفي عن حضوره بقوة وأعلن موقفه المنحاز للمرأة حتى أنه لم يسلم من الأذى من ممثلي التاريخ الوثني الذين يسقطون التاريخ على واقع متحرك ومتحرر ينظر إلى الأمام ويبحث عن المعرفة وبوصلته نحو المستقبل..
وتمشي كربوةِ فحمٍ حزين*
بشرشفها الأسود المستكين
مكتومة فيه ملفوفة
أرى امرأةً ام أرى كتلة
من الحزنِ تعكسُ غدرَ السنين
---------------
القصيدة تتناول الشرشف كرمز للتخلف والإستغراق في الماضي الملّبد بغيوم العادة وسيف التقليد وهو هنا ينتصر للمرأة ويزيل اللثام عن حالة الغموض وينظر بالتالي إليها كحالة إنسانية وليس ديكوراً مكملاً لصناعة حضارة مزيفة فالتداخل والتقاطع بين المرأة والمجتمع تداخل بيني يشي إلى إمكانية صنع فعل راشد ناضج قادر على خلق النموذج..
يريد الشرفي في أشعاره أن يستثير الكتلة الشعورية للمرأة ويظهرها كإمراة قوية تجاوزت حالات الوئد التاريخي بمفهومه العصري المخاتل وهو بذالك يريد تخليق إمرأة تصنع قرارها بالتوازي والتماهي مع الرجل كصنو لها غير تابعة ولا مغلفة بأوراق السلوفان والقفازات الناعمة لهذا لايصور لنا إمراءة جاهزة بل يرسم لنا إمرأة تشكلت من رحم المعاناة والألم والقلق في مجتمع أراد أن يضعها في سلة مهملات التاريخ فانتفضت كي تعلن عن نفسها فلم تعد مكسورة الجناح تنتظر حظها وربما نعيها وبهذا قدّم لنا إمرأة جديدة على أنقاض إمراة لعبت بها العادات والتقاليد والعيب حتى غذت مشوهة نتاج زمن قديم أكل فيها الزمن وشرب..
عاملْني كإمرأة*
تعشق كلَّ جمال الدنيا
تشتم الورد..
تحب الزهرا
أنثى نصف الجنس البشري
ومجرانا في هذا العالم
نفس المجرى
---------------
ومحمد الشرفي وهو يعيد تشكيل وصياغة مفهوم عصري للمرأة بمعطيات جديدة تجاوز فيه حالة السكوت الملغوم إذا صحّ التعبير وعلى نحو يبدو مشابها بما صنعه نزار في المرأة لكن هذا التشابه أو التناظر غير متطابق بل يبدو أمراً مستبعداً لأن التخيل حالة إنسانية فردية تدعمها البيئة وعناصر الإلهام والجمال والحافز الشعري والمنطلق الشعوري الداخلي فإن مثل هذه المقايضة بين الرجلين لاتبدو دقيقة إلا في موقفهما المتقارب من المرأة..
لكن السؤال هل لجأ الشرفي إلى مايسمى (بغواية النص) بمعنى أنَّ النص تحول عنده إلى فخٍ يتمُّ فيه إستدراج المتلقي كي يعيش حالات زائفة وهذا يعني إنتفاء الضرورة الإبداعية والإستلهام والوحي الشعري فيتحول الشاعر فيه إلى مقامر في الميدان يستخدم كلماته الشعرية ككروت محروقة وهو ماقد يقدح فيه ويفتح باب التأويل وصرف النص عن معناه والكلام قد يبدو صحيحا نظريا في حالة الكاتب أو الأديب أو الشاعر الفارغ الذي يمتطي الشعر على حصان ورقي أما الشاعر والأديب محمد الشرفي هو صاحب الموقف المتجذر في البيئة الثقافية والادبية والفنية والأخلاقية فإنه في المقام الأول يستلهم القيم والمبادئ والمثل ويتمثلها في أعماله ويترك المجال واسعاً للنقاذ وأصحاب القول الفصل في التقييم..
وفي قصيدة أخرى
(إلى أمي)
تحس نبرة الألم النفسي يحدثك بعفوية صادقة وألم محسوس عن مصير تلك المرأة التي أكوام الغبار عن نفسها وخرجت إلى مقاعد الدرس والحياة ولكن التقاليد أبت إلاّ أن تعيدها إلى مربعها الأول فتقول بحرقى السؤال..
أمّاه..أعوذ إليكِ..*
تعلمتُ وأكملتُ
لكن ماذا أماه..
أمصيري كلُّ مصيري
البيت.....؟
تقتلني الآلام به
تخنقني الظلمةُ والصمت
إلى أن تقول إستطراداً وألماً.. لا أبداً يا (أماه)
لن أهدم شيئاً مما شيّدت
خير لي من أن أحيا
كالشاةِ بلا هدف..
---------------
إذن نحن نتحدث عن لغة شعرية خاصة تناسب المقام التي أعلى من شأنه الشاعر اليمني الكبير محمد الشرفي عكس مفهوم جديد لم يألفه الإنسان اليمني من قبل قد تكون أحدثت صدمة ولكنها صدمة الضرورة لإحداث موقف متوازن حضاري موضوعي بعيد عن المفاهيم الضارة التي تضع المرأة في قاع المجتمع وهو بذالك يرسم حدود مرحلة تاريخية مفصلية في تاريخنا الحديث والمعاصر..