أعلن مصدر أمني لبناني لوكالة فرانس برس، أن القوات الإسرائيلية بدأت بالانسحاب من قرى حدودية في جنوب لبنان، مع تقدّم الجيش اللبناني للانتشار فيها، وذلك عشية انتهاء المهلة المحددة لانسحابها الكامل.
وقال المسؤول طالباً عدم كشف هويته إن "القوات الإسرائيلية بدأت بالانسحاب من قرى حدودية بما في ذلك ميس الجبل ومحبيب وبليدا مع تقدّم الجيش اللبناني".
ومع ذلك، أكد الجيش الإسرائيلي الإثنين، أنه سيحتفظ بوجود محدود في خمس "نقاط استراتيجية" على طول الحدود مع لبنان، رغم الضغوط اللبنانية والدولية المطالبة بتنفيذ كامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وكان وقف إطلاق النار، الذي أُبرم بوساطة أمريكية ورعاية فرنسية، قد دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024. ونص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال 60 يوماً، إلا أن المهلة تم تمديدها حتى 18 فبراير/شباط 2025. وينص الاتفاق أيضاً على أن يقتصر حمل السلاح على "القوات العسكرية والأمنية الرسمية" في لبنان، مع منع الحكومة اللبنانية أي نقل للأسلحة أو المواد ذات الصلة إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية.
وقال دبلوماسيون ومحللون لوكالة رويترز، إن صياغة الاتفاق، التي جاءت أشد حدة من قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولي، تشير إلى أن الدولة اللبنانية ستضطر إلى ممارسة مزيد من الضبط على أنشطة حزب الله، الجماعة المسلحة التي تعتبر قوة سياسية وعسكرية بارزة في لبنان. وتشرف على تنفيذ الاتفاق لجنة ترأسها الولايات المتحدة وفرنسا.
من جهته، قال المتحدث العسكري الإسرائيلي، ناداف شوشاني، للصحافيين: "بناءً على الوضع الراهن، سنترك قوات محدودة منتشرة مؤقتاً في خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان، بحيث نواصل الدفاع عن سكاننا ونتأكد من عدم وجود تهديد فوري".
وأضاف أن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان أمن إسرائيل في ظل المخاوف من استمرار نشاط حزب الله في المنطقة.
ورداً على ذلك، اقترحت فرنسا أن تحل قوات من الأمم المتحدة، بعضها فرنسي، محل القوات الإسرائيلية في النقاط الحدودية الرئيسية. إلا أن المسؤولين اللبنانيين أكدوا رفضهم لأي وجود إسرائيلي في جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة الانسحاب.
* ماذا نعرف عن النقاط الخمس؟
تشترك التلال الخمس في عدة صفات تجعلها نقاطاً استراتيجية بالغة الأهمية. أولاً، تشرف هذه التلال على البلدات الإسرائيلية الشمالية، مما يمنح القوة العسكرية التي تتحكم بها قدرة على مراقبة تحركات العدو وفهم أي مناورات محتملة. ثانياً، تُعدّ هذه التلال مرتفعات حاكمة تتفوق في ارتفاعها على البلدات الإسرائيلية في الشمال، مما يمنحها تفوقاً نارياً واستخباراتياً.
ووفقاً للمعلومات، تسعى إسرائيل للبقاء في هذه التلال الخمس نظراً لأهميتها الميدانية. كما أن ارتفاعها يجعلها قادرة على تأمين غطاء للبلدات الإسرائيلية من جهة الشرق، بينما تشرف في الوقت نفسه على المناطق اللبنانية المحيطة.
* لبنان يطالب بالانسحاب الكامل
وأعرب رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، خلال لقاءاته الإثنين، عن تخوف لبنان من عدم تحقيق "الانسحاب الإسرائيلي الكامل". ودعا عون "الدول التي ساعدت في التوصل إلى الاتفاق، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب وتنفيذ الاتفاق".
وجاءت هذه المواقف اللبنانية بعد أن اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن "نزع سلاح حزب الله يبقى ضرورياً، وإسرائيل تفضل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة".
ورداً على ذلك، أكد عون أن "المهم هو تحقيق الانسحاب الإسرائيلي، أما سلاح حزب الله فيأتي ضمن حلول يتفق عليها اللبنانيون".
وفي بيانها الوزاري الذي أقرته الإثنين، التزمت الحكومة اللبنانية بـ"تحرير جميع الأراضي اللبنانية، وواجب احتكار الدولة لحمل السلاح، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً".
كما أكدت التزامها بتطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي "كاملاً ودون اجتزاء ولا انتقاء"، في إشارة إلى القرار الذي أنهى حرباً بين إسرائيل وحزب الله عام 2006.
خلال الأسابيع الماضية، تبادل الجانبان اللبناني والإسرائيلي الاتهامات بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وأكدت إسرائيل أنها لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء قدراته أو نقل أسلحة إلى مناطق حدودية. وفي الوقت الذي انسحبت فيه القوات الإسرائيلية من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط في جنوب لبنان، لا تزال تتمركز في بعض قرى القطاع الشرقي، حيث تنفذ عمليات تفجير واسعة النطاق بشكل شبه يومي، بالإضافة إلى غارات جوية واستهدافات أدت إلى سقوط قتلى.
* "لا ذريعة للبقاء"
من جانبه، حمّل الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، الدولة اللبنانية مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية بحلول 18 فبراير/شباط.
وأكد قاسم في كلمة ألقاها الأحد أن "ما من ذريعة تتيح بقاء إسرائيل في لبنان، في أي نقطة كانت بعد 18 فبراير/شباط". وأضاف: "إذا بقيت إسرائيل داخل لبنان بعد الاتفاق، فهي محتلة، والكل يعلم كيف يتم التعامل معها".
ويأتي هذا في وقت يستعد فيه حزب الله لتشييع قادته الراحلين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين في 23 فبراير/شباط 2025، وفق ما أعلن قاسم سابقاً.
أدت المواجهات الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل إلى تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية في جنوب لبنان وشرقه، بالإضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية. وتقدر السلطات اللبنانية كلفة إعادة الإعمار الأولية بما بين 10 و11 مليار دولار. ولا يزال أكثر من مئة ألف لبناني في عداد النازحين، من إجمالي أكثر من مليون شخص فروا من منازلهم خلال الحرب.
وحذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان لها يوم الإثنين من أن تدمير البنية التحتية يحول دون عودة عشرات الآلاف إلى منازلهم.
تبقى الأوضاع في جنوب لبنان متوترة، مع استمرار الجدل حول مصير سلاح حزب الله ومدى التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل. وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة ودعماً دولياً لضمان تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بشكل كامل.